"النهضة" بعد مؤتمرها العاشر: تحدي مواجهة الخلافات الداخلية

"النهضة" بعد مؤتمرها العاشر: تحدي مواجهة الخلافات الداخلية

26 مايو 2016
تيارات بالحركة تريد الغنوشي رئيساً للبلاد أو الحكومة(ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -
بدأ النهضويون يتحضّرون لجرد حسابات أعمال المؤتمر العاشر لحركة "النهضة"، وتقييم أحداثه، بعد أيام قضوها بين مدينتي تونس والحمامات في نقاشات ماراثونية لحسم محاور جدول أعمال المؤتمر، وسلسلة الأسئلة التي طرحها زعيم ومفكر الحركة راشد الغنوشي على قواعد وقيادات حزبه. ولا تخفي قيادات بارزة في الحركة تحدثت لـ"العربي الجديد"، سعادتها بتمكّن المؤتمر من حسم كل نقاط جدول الأعمال، وانتهائه من دون مشاكل أمنية، وخصوصاً التوافق الكبير حول أهم نقطتين في المؤتمر برأيها، اللائحة السياسية واللائحة الفكرية وإدارة المشروع.
وتكشف هذه القيادات لـ"العربي الجديد"، أن مسالة الفصل بين الدعوي والسياسي لم تكن تحظى بموافقة أغلبية النهضويين، قبيل المؤتمر، وتم التصويت لصالحها في آخر جلسة لمجلس الشورى قبل المؤتمر بفارق 13 صوتاً فقط، ما يعني أن الآراء كانت منقسمة بنسبة 50 في المائة تقريباً، وهو ما كان ينبئ بتصدع كبير في الحركة اذا ما امتد بقيت النسبة نفسها في المؤتمر. غير أن التصويت على لائحة إدارة المشروع فاقت الـ80 في المائة، لتبرز "النهضة" أمام كل متابعيها في الداخل والخارج بأنها على صوت واحد في اتجاه تحديثها وعصرنتها، وقطعها مع نموذج الجماعات الإسلامية.
وتؤكد هذه القيادات أيضاً أنها كانت متخوفة من تقييم الأداء السياسي في السنوات الأخيرة، وخصوصاً خريطة التحالفات التي عرفت تغييرات جوهرية، من حكومة الترويكا إلى التحالف مع "نداء تونس"، ولكن النهضويين كانوا الأكثر إجماعاً في هذا المحور، إذ صوّت 93.5 في المائة من أعضاء المؤتمر على اللائحة السياسية، بمعنى تأكيد الخط الذي يقوده الغنوشي حول التوافق السياسي والتحالف مع "النداء". وتؤكد بعض هذه القيادات أن مجيء الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى قاعة رادس في حفل الافتتاح، وتأكيداته المتعددة لدور "النهضة" وزعيمها في التوافق، كان له تأثير واضح في هذا الاتجاه.
وتشير هذه المصادر إلى أن الصورة التي جمعت الغنوشي والسبسي معاً، في ذلك الافتتاح الشعبي، كانت رسالة للخارج، وللشخصيات وللسفراء الحاضرين بأن تونس آمنة ومتماسكة، وبأن التحالف بين الحزبين الكبيرين متواصل، ويمكن الاستثمار فيه، والتعويل عليه في لعب أدوار في استقرار المنطقة المهتزة.
وتقول هذه المصادر إن الحضور الدبلوماسي الغربي الكبير (فرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وغيرها) والتمثيليات الدينية في تونس (المسيحية واليهودية) وأغلب الأحزاب والشخصيات من كل الأطراف السياسية، كانت رسالة أخرى بأن النسيج التونسي متماسك على الرغم من بعض الخلافات.
غير أن هذه النجاحات لا تُخفي حجم الخلافات التي أبرزها المؤتمر، وخصوصاً في ما يتعلق بالهيكلة الجديدة للحزب ومسألة انتخاب المكتب التنفيذي. وتكشف المصادر لـ"العربي الجديد" أن خلافاً حاداً دار صبيحة يوم الأحد عند مناقشة هذه المسألة، وأحيل مقترح انتخاب المكتب التنفيذي على التصويت باعتباره تنقيحاً في القانون الأساسي، ولكنه لم يحظَ بالأغلبية، وصوّت لصالحه نحو 300 من أعضاء المؤتمر، وهو رقم مهم جداً على الرغم من أنه ليس أكثرياً.
ويبدو أن الغنوشي تدخّل وقتها، وقال للمؤتمرِين إن العلاقة بينه وبين الحركة هي أيضاً علاقة تعاقد، وإذا تغيرت طبيعة العقد، وفُرض انتخاب المكتب التنفيذي، فلا بد أن يُسأل ما إذا  كان سيترشح لرئاسة الحركة أم لا، وهو ما يعني تهديداً بالاستقالة، ما دفع بقية المؤتمرين لحسم الموضوع والتصويت لصالح عدم تغيير الفصل المتعلق بتعيين أعضاء المكتب التنفيذي من قِبل رئيس الحركة، بنسبة 78 في المائة.
وتدل النسبة الباقية (حوالي 20 في المائة) إلى أن هناك أصواتاً مختلفة، لم تتحوّل بعد إلى تيار معارض، ولكنها بدأت تتشكل من قيادات بارزة في "النهضة"، لعل من بينها القيادي عبد الحميد الجلاصي، الذي أكد في تصريح إذاعي أنه ليس معنياً بأي موقع في المكتب التنفيذي المقبل، مشيراً إلى انه يحترم خيار المؤتمر. ولكن الجلاصي عاد ليؤكد أن الأمر "لن يصل بنا إلى تهديد البيت الداخلي للحزب"، وأنه "لن يكون عامل عرقلة لسير مؤسسات الحركة".


من جهته، قال القيادي وعضو مجلس الشورى في "النهضة"، عبد اللطيف المكي، إن "هناك من صوّت لراشد الغنوشي لرئاسة الحركة خلال المؤتمر العاشر، من دون الاقتناع بأفكاره وتوجهاته"، مؤكداً في تصريح إذاعي أن "الحركة تشهد حركية داخلها وروافد وتيارات مختلفة، وهو ما يؤكده حصول فتحي العيادي على 25 في المائة من الأصوات على الرغم من ترشحه في آخر لحظة".
من جهة أخرى، بدا لافتاً من خلال التصريحات الأخيرة لقيادات "النهضة"، أن هناك أفكاراً جديدة بدأت تتسرب حول رغبتها في رؤية الغنوشي في منصب رئيس للبلاد أو الحكومة. وقال الجلاصي إن الغنوشي شخصية وطنية ودولية وأصبح أحد ضمانات المسار الانتقالي في البلاد، ووفقاً لمقتضيات القانون الأساسي للحركة، ومن الجهة السياسية فإن له علاقات إقليمية ودوليّة مهمة ليس لـ"النهضة" فقط بل تستفيد منها البلاد، وفق الجلاصي.
بدوره، أكد منافس الغنوشي على رئاسة الحركة فتحي العيادي، أن أعضاء المؤتمر، أعادوا انتخاب الغنوشي رئيساً للحركة، ولرئاسة الحكومة مستقبلاً في حال فازت الحركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، على حد تعبيره. وأضاف العيادي، في تصريح إذاعي، أنه "لن يكون من حق الغنوشي أن يرشح أي اسم آخر في حال رفض تولي مهام سياسية، وسيكون القرار لمجلس الشورى حينها". وأضاف أن الحركة راجعت مسألة رفض رئيس الحركة تقلد مهام سياسية، سابقاً، ولجوء الحركة إلى اختيار شخص آخر من مجلس الشورى ليرأس الحكومة، "وأن ذلك لم يعجب قيادات الحركة وهياكلها، ولا ينسجم مع حزب يتقدم إلى الحكم"، حسب تعبيره.
ولكن القانون الأساسي للحركة لم يتغير ويسمح دائماً لرئيسها باختيار اسم يزكيه مجلس الشورى، إلا أن قيادات كبرى في "النهضة" تؤكد لـ"العربي الجديد" أن هذا الامر ليس مطروحاً حالياً، وأنه إذا ما أعاد السبسي ترشحه للانتخابات المقبلة فلن يترشح الغنوشي بالتأكيد، مؤكدة أن زعيم "النهضة" سبق أن أعلن موقفه بصراحة، وهو أنه لن يتقدّم لأي منصب في الدولة.
ويُنتظر أن يشرع مجلس شورى "النهضة" في الأسبوعين المقبلين في استكمال الثلث المتبقي، من بين نساء وشباب وكوادر الحركة، لسد فراغات تمثيل المناطق والقطاعات والشخصيات الاعتبارية التي لم تُنتخب في الشورى، بالإضافة إلى دعم حضور المرأة.
وكما كان متوقعاً، لم يمر المؤتمر العاشر لـ"النهضة" من دون أن يترك ردود فعل "إخوانية" في الخارج، قبل أن تتحوّل إلى ارتدادات أو تأثيرات بفعل هذه المتغيرات. وبدأت بعض ردود الأفعال تظهر هنا وهناك، حيث وجه عزام التميمي، أحد منظّري الإسلام السياسي، جملة من الأسئلة لحركة النهضة، في نص على صفحته الرسمية، قال فيه: "ما الذي يجري يا إخواننا في حركة النهضة؟ هل تراه تحدي السلطة بعد العودة من المنافي؟ هل تراه همس الهامسين في آذان بعضكم في منتديات تعقد هنا وهناك أن غيروا قبل أن تتغيروا، وبدلوا قبل أن تستبدلوا؟ هل هي صدمة الانقلاب على الإخوان في مصر؟ هل هو صراع من أجل البقاء، بأي ثمن وبأي شكل"؟
وعاتب التميمي القياديَين البارزين في "النهضة" لطفي زيتون ورفيق عبد السلام بسبب "تصريحات لهما تفيد بالتبرؤ من جماعة الإخوان المسلمين، كما لو كانت كائناً يحمل جرثومة قاتلة يخشى الناس على حياتهم من انتقالها إليهم، لدرجة أن أخوينا ذهبا، دون ضرورة على الإطلاق وفي مخالفة صريحة لحقيقة التاريخ، ينفيان نفياً قاطعاً أن حركة النهضة كانت في يوم من الأيام تنتمي إلى الإخوان المسلمين". كما عاتب التميمي "النهضة" بسبب عدم توجيه الدعوة إلى "إخوان" مصر، وما سماه بثمن تبرُّؤ الحركة ممن سماهم "إخوان النضال والمشقة"، في حين وجهت الدعوة إلى تيارات إسلامية أخرى. وتؤكد بعض قيادات "النهضة" لـ"العربي الجديد" أنها تجنبت دعوة أحزاب قد تشكل إحراجاً للدولة التونسية، خصوصاً بعد تأكيد السبسي حضوره في الافتتاح، داعية هذه الاحزاب إلى تفهم الوضع التونسي.

المساهمون