مصر: حين يتحالف أنصار الانقلاب مع معارضي الإخوان

مصر: حين يتحالف أنصار الانقلاب مع معارضي الإخوان

11 فبراير 2016
لم يعمل القضاء بالكامل (سامر عبدالله/الأناضول)
+ الخط -

تجلّت المحطة الأخطر في مسيرة التمهيد للانقلاب العسكري الكامل في مصر، بعد إصدار الرئيس المعزول، محمد مرسي، إعلانه الدستوري الثاني الذي تضمن إقالة النائب العام وإعادة التحقيقات في قضايا قتل المتظاهرين، ولم تؤد إلى إدانة أي من رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. هذه المحطة أدت إلى تحالف جميع قوى الثورة المضادة بالشرطة والقضاء والإعلام، واختزلت هذا الإعلان في المادة التي تُحصّن قرارات رئيس الجمهورية مؤقتاً، وتحمي الجمعية التأسيسية للدستور من أي حكم محتمل بحلها.

استغلّت هذه القوى عاملين رئيسيين لتحقيق أهدافها وضرب التجربة الديمقراطية في مقتل، تمهيداً لعزل مرسي بعد أقل من عام. العامل الأول هو ما روّجه الإعلام التابع لأجهزة الاستخبارات، وإشاعة مقولة "استئثار جماعة الإخوان بالحكم". ساعد على رواج ذلك اتخاذ الجماعة، قرارات فردية مخالفة لما تم الاتفاق عليه مع القوى الأخرى، وصولاً لنزول أنصارها للدفاع عن قصر الرئاسة ضد أي هجمات محتملة. العامل الثاني هو اندفاع الأحزاب والتيارات التي شاركت في الثورة إلى معارضة الإخوان، من دون حساب وقبول بعضها التحالف مع عدد من قوى وشخصيات نظام مبارك.

في مطلع عام 2013، وعقب صدور الحكم بإعدام عدد من متهمي قضية مذبحة ملعب بورسعيد، اندفعت الشرطة في مواجهات ضد الأهالي الغاضبين لتقتل منهم 53 شخصاً. أدى هذا إلى استدراج مرسي لإعلان حالة الطوارئ في محافظات القناة، لكن أجهزة الدولة الراعية للثورة المضادة، كالشرطة والجيش لم تلتزم بتنفيذ القرار وأفرغته من مضمونه وسمحت بمخالفته، مما أظهر مرسي رئيساً ضعيفاً لا يستطيع التحكم في السلطة التنفيذية.

بدأت آخر محطات الانقلاب، التي تعيش مصر في ظلالها، حتى الآن، منتصف شهر يونيو/حزيران 2013، بتكالب القضاء والإعلام، موجّهين الضربات للثورة والرئيس المنتخب، ومن خلف الستار بدأ الرئيس، عبد الفتاح السيسي، يُجهّز لمرحلة ما بعد الإخوان بالاتفاق مع أحزاب جبهة الإنقاذ والكنيسة والأزهر والمحكمة الدستورية ومجلس القضاء، بالإضافة إلى جهازي الاستخبارات والشرطة.

اقرأ أيضاً: مصر.. تعذيب 20 طالبا مختفيا قسريا بالإسكندرية

تجلّت الثورة المضادة في الأحداث التي شهدتها البلاد فجأة، بافتعال أزمة وقود حادّة استمرت أسبوعين، وتكبّد المواطنون عناءً شديداً بسببها، ولم يتمكن مرسي من إخمادها، وهي الأزمة التي تلاشت بعد عزله مباشرة. مما يؤكد التخطيط المحكم لها من الأجهزة المتحكمة في ضخّ الوقود وتوزيعه على المحطات ورجال الأعمال المالكين لها.

بوصول السيسي إلى الحكم انطلقت ألسنة الثورة المضادة في وسائل الإعلام، لتُعيد كتابة تاريخ غير حقيقي لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، دفعاً بأحاديث المؤامرة الدولية على نظام مبارك، وتحالف الإخوان مع حماس والجماعات التكفيرية، مع تجاهل الدور الحقيقي لبسطاء المجتمع المصري والطبقة الوسطى.

إلى جانب الإعلام، شكّل القضاء عاملاً مهماً في حسم انتصارات الثورة المضادة، بدءاً من شرعنة ممارسة المجلس العسكري سلطات استثنائية واسعة، والقضاء على تجربة انتخاب برلمان ديمقراطي، وإرباك المشهد السياسي طويلاً بحلّ الجمعية التأسيسية ووضع ضوابط صعبة لتشكيلها ثم تتبعها بالطعون، وأكثر من ذلك الاعتراف بالإعلانات الدستورية الاستثنائية التي أصدرها المجلس العسكري، وعدم التعامل بالمثل مع إعلانات مرسي.

على صعيد المحاسبة والعدالة الجنائية، ضاعفت المحاكم سرعة فصلها في القضايا المتهم بها قيادات الإخوان بعد 2013، بالنسبة لما كانت عليه سرعة سير قضايا مبارك ورموز حكمه. كما أن القضاء طوال 5 سنوات بعد تنحّي مبارك، لم يُدِن الأخير بحكمٍ إلاّ في قضية واحدة، بينما تم إهمال عشرات الدعاوى والبلاغات الأخرى. كما لم تتوصل التحقيقات والمحاكمات في قضايا قتل المتظاهرين، إلى القصاص العادل الذي كان على رأس مطالب الثوار.

وقف القضاء حجر عثرة أمام تنفيذ المبادرات الصغيرة المحدودة لتطبيق العدالة الانتقالية، فلم تُنفّذ النيابة العامة ولو لمرة واحدة قانون إفساد الحياة السياسية الذي أصدره المجلس العسكري، مضطراً أمام تكرار المظاهرات الداعية للمحاسبة السياسية لنظام مبارك. ذلك على الرغم من تلقي النيابة العامة العديد من البلاغات ضد مبارك وأفراد أسرته على وجه التحديد.

لم يستجب القضاء أيضاً، لمحاولات تطهيره من الأذرع القانونية التي اعتمد عليها مبارك لتوطيد دعائم حكمه، إذ انتفض معظم القضاة مدافعين عن نائب عام سيء السمعة، كالمستشار عبدالمجيد محمود، الذي أشرف على إعداد التحقيقات الهزلية في قضايا اتهام رموز نظام مبارك، ومن قبلها كان القبضة التي يضرب بها النظام معارضيه وينسب لهم اتهامات قلب نظام الحكم.

يمكن تفسير موقف القضاء بالخوف على المصالح والمكاسب التي نالها في عهد مبارك، من امتيازات مالية وتميّز في المعاملة وعمليات تخصيص للأراضي وتوسع في الحصانات وعدم المحاسبة الجنائية، بالإضافة إلى مد سن التقاعد في عهد مبارك إلى السبعين بدلاً من الستين، وهو ما زاد حساسية القضاء تجاه مشروعات تخفيض سن التقاعد التي كان سيترتب عليها إحالة مئات القضاة إلى المعاش.

كانت المصالح، أيضاً، هي المحرّك الرئيسي للأجهزة التي توصف بـ"السيادية" للعب دور بارز في الثورة المضادة، تخوفاً من المساس بمكاسبها، ورفضاً لأي بادرة تغيير أو إصلاح، خصوصاً أن بعض هذه الجهات قد تورطت، خلال أحداث الثورة، في وقائع ثأر مع المواطنين، كالشرطة، والاستخبارات الحربية، والشرطة العسكرية، وجميعها أجهزة حاولت حماية نظام مبارك من السقوط، وتآمرت على الشعب، تارة بقطع الاتصالات لعدة أيام عن مناطق المظاهرات، وتارة بمحاولة فض الاعتصامات بالقوة، وتارة بمحاولة بث الفتن بين الثوار بالترغيب والاستمالة أو الترهيب، حتى نجحت بعد حين في تحقيق هدفها.

اقرأ أيضاً مصر: لائحة البرلمان بمخالفات دستورية

المساهمون