حزب الله بعد العودة من سورية: حساب الميدان والسياسة

حزب الله بعد العودة من سورية: حساب الميدان والسياسة

13 يونيو 2015
يسعى حزب الله لمزيد من تعبئة جمهوره (حسين بيضون)
+ الخط -
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة بالنسبة لحزب الله الذي يرفض أي نقاش حول حربه السورية، ويتهم من يُعارضونه بأنهم "خونة" و"عملاء". لكن جردة للتحولات الميدانية في الحرب السورية وأدبيات حزب الله حيالها، منذ دخوله عام 2012، عسكرياً وسياسياً وأمنياً لدعم النظام السوري بوجه الثورة، تُشير إلى أن الأمور ليست بالصورة الوردية التي يسعى الحزب وقيادته إلى رسمها.

ففي مايو/أيار 2013 سادت لهجة الانتصار على خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. قال في الذكرى 13 لتحرير الجنوب، لجمهوره المحتشد: " كما كنت أعدكم بالنصر دائما أعدكم بالنصر مجدداً". عندما قال نصرالله تلك العبارة، كان مقاتلوه على أبواب تحقيق انتصار في القصير السورية. وفي الخطاب عينه تحدث نصرالله عن تلقيه رسائل من أهالي شبان يُطالبون بالسماح لأبنائهم بالذهاب إلى القتال في سورية، رغم أنهم "وحيدون لدى أهلهم". ووصف نصرالله المرحلة حينها بأنها: "مرحلة جديدة اسمها تحصين المقاومة وحماية ظهرها وتحصين لبنان، وحماية ظهره وهذه مسؤولية الجميع (...) سنكمل هذا الطريق، سنتحمل هذه المسؤولية، وسنتحمل كل التضحيات والتبعات المتوقفة على هذا الموقف وعلى هذه المسؤولية".

كما دعا نصرالله في ذلك الخطاب، الأطراف اللبنانية إلى التقاتل في سورية بدل لبنان: "نحن نجدد دعوتنا إلى تجنيب الداخل اللبناني أي صدام وأي صراع، نختلف على سورية، أنتم تقاتلون في سورية، نحن نقاتل في سورية، فلنتقاتل إذاً هناك. لبنان جنّبوه، لماذا علينا أن نتقاتل في لبنان"؟

توالت "انتصارات" حزب الله في الميدان السوري، وتوّجها بالسيطرة على مدن وبلدات القلمون السوري في مايو/أيار 2014. لكن هذه "المرحلة الذهبية" لم تدم طويلاً. ففي القلمون اعتمد مقاتلو المعارضة السورية من فصائل إسلامية وغير إسلاميّة أسلوب حرب العصابات وبدأوا بتوجيه ضربات متتالية لنقاط الحزب المنتشرة في القلمون الغربي. راهن حزب الله على عامل الطقس، إذ اعتبر أنّ مقاتلي المعارضة "سيموتون برداً وجوعاً" في الشتاء، لكن "حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر". تزامن هذا الأمر مع تطورات ميدانيّة في شمال سورية وجنوبها، إذ تعرّض الجيش السوري والمليشيات المقاتلة معه لنكسات عسكرية.

في بداية العام الحالي رفع نصرالله سقف الخطاب عالياً، وأعلن أنه قادر على الحسم في سورية لمصلحته. خطاب نصرالله هذا، جاء بالتزامن مع تطورات إيجابية شهدها التفاوض بين إيران والدول الغربيّة حول الملف النووي الإيراني. فأعلن الأمين العام للحزب في نهاية شهر يناير/كانون الثاني من العام الحالي الحرب على "جيش لحد السوري"، وذلك في إشارة إلى "الجبهة الجنوبية" في الجيش السوري الحرّ وتصويرها على انها "جيش عميل" مثلما كان جيش انطوان لحد المتعاون مع اسرائيل في لبنان. وبعد نحو أسبوع من هذا الخطاب، توجّهت قوات من حزب الله ولواء الفاطميين (مهاجرون أفغان يُقيمون في إيران) بقيادة إيرانيّة للجنوب السوري، في مسعى للسيطرة على مناطق جنوب درعا، وتحديداً الحدود مع الأردن والجولان السوري المحتل. كان لهذه المعركة هدف واضح، وهو استكمال "حصار دول الخليج" عبر السيطرة على الحدود مع الأردن. لكن مقاتلي الجيش الحرّ استطاعوا صدّ هذا الهجوم، والانتقال إلى موقع المبادر عسكرياً، وهو ما تُرجم بالسيطرة على اللواء 52.

ثم حاول حزب الله والإيرانيون عزل مدينة حلب عن ريفها، والوصول إلى بلدتي نبل والزهراء ذات الغالبية المذهبية الحساسة، المحاصرتين في ريف حلب، وهو ما يعني تقطيع أوصال المعارضة في الشمال السوري، وتهديد مباشر "للعدو" التركي. فشل الهجوم في شمال سورية، وهو ما تزامن مع فشل ذريع في محاولة استعادة مدينة دوما.

بعد هذه "النكسات" العسكرية بدأ التحوّل بخطاب نصرالله. جاءت "عاصفة الحزم" في اليمن لتشكّل "مخرجاً" لنصرالله. ركّز نصرالله في خطابات ثلاثة على اليمن، ليشنّ هجوماً غير مسبوق على السعوديّة من الباب اليمني.
وفي شهر مايو/أيار السابق، أعلن أن الحزب يُخطط لمعركة في جرود القلمون، لكنه رفض تحديد أهداف هذه المعركة. وهو ما ترك الباب مفتوحاً أمام نصرالله، لإعلان الانتصار في اللحظة التي يُريد. كما أن عدم تحديد الأهداف يُمكن أن يُعد نتيجة لفشل مقاتلي الحزب في تحقيق الأهداف التي أعلنها نصرالله من قبل. أمّا في أسباب المعركة، فمنها "تحرير الأراضي اللبنانية التي احتلها التكفيريون". وهكذا، عادت "الأولوية اللبنانية" لخطاب نصرالله بعد سنتين من وضع سورية كأولوية، وإعلان القدرة على الحسم والانتصار فيها. لكن هذه العودة، لم تأتِ من باب مراجعة سياسيّة بل نتيجة لهزيمة باتت معالمها أكثر من واضحة في الميدان السوري.

أسس هذا الخطاب، لعودة حزب الله إلى لبنان. بدأت معالم هذه العودة تتضح مع تسريبات نشرتها وسائل إعلام موالية للحزب، ونقلت فيها عن نصرالله قوله لجرحى الحزب: "كل من يثبط أو يتكلم غير هذا الكلام هو غبي وأعمى وخائن. شيعة السفارة الأميركية خونة وعملاء وأغبياء، ولن يستطيع أحد أن يغير قناعاتنا ولن نسكت بعد اليوم ولن نداري أحداً". ويأتي هذا الكلام ليتناقض مع دعوات الحوار التي أطلقها سابقاً، ومع لقاءات الحوار مع تيار المستقبل التي هدفت إلى منع انتقال الحرب من سورية إلى لبنان.


إقرأ أيضاً: خارطة المليشيات في السويداء: 8 للنظام و4 للطائفة

وبعد أيام أعلن نصرالله في خطاب له في ذكرى تحرير الجنوب اللبناني، عن إلغاء الحدود بين البلدان، داعياً إلى توحيد الجبهات "اللبنانية ــ العراقية ــ السورية". ثم دعا نصرالله إلى "الحشد" لمواجهة "التكفيريين"، في خطوة تماهت مع "الحشد الشعبي في العراق". لكن هذه الدعوة لم تلاقِ صدى واسعاً بين العشائر في البقاع وتشير المعلومات إلى امتناع الكثير من العشائر عن تزويد الحزب بمقاتلين.

أتت الخطابات المتتالية في الأسابيع الأخيرة، لترسم شكل عودة حزب الله إلى الداخل اللبناني. أعاد الحزب الاعتبار للفارين من العدالة كونهم قوة تُحارب التكفيريين، وهو ما يُعتبر انقلاباً على الخطط الأمنية التي أطلقها وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق بالتنسيق مع الحزب. ثم عادت لغة الرصاص في الهواء لتسود في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي الجنوب والبقاع خلال تشييع قتلى حزب الله. وترافق الرصاص في أحيانٍ كثيرة مع قذائف "الأر بي جي". مع العلم أن نصرالله الذي لطالما دعا عناصره لعدم إطلاق النار خلال ظهوره الإعلامي، ولم يتم الالتزام بدعواته سابقاً، نجح بعد بدء الحوار مع تيار المستقبل بترجمة هذه الدعوات، واستبدال الرصاص ببالونات صفراء اللون. لكن الزمن اختلف، "والعودة إلى لبنان" تستدعي مزيداً من شدّ العصب. وكان مشهد أحد ضباط الأمن اللبناني في الضاحية الجنوبية محزناً. صرخ الرجل وتوسّل الشباب لعدم إطلاق قذائف "الأر بي جي". قال لهم بوضوح: "يُمكن لي أن أغطيكم إذا أطلقتم الرصاص لكن رجاءً بلا قذائف".

إذاً، حزب الله في طريق العودة إلى لبنان. لا يُمكن رسم سيناريوهات هذه العودة وما سيليها. لكن هناك مؤشرات ليست بإيجابية. تقول المعلومات الواردة من البقاع، إن الحزب يعمد إلى توزيع السلاح بشكل واسع على الأهالي. وسيكون لهذا الأمر نتائج كارثية لجهة تعميم الفوضى. فالبقاع يُعاني في الأصل من مشكلة مع الدولة اللبنانية، ناتجة عن إهمال لهذه المنطقة الكبيرة من لبنان، وهذه المشكلة ستتضاعف مع تضاعف السلاح الموجود بين أيادي المواطنين.
الأمر الآخر، هو غياب الوضوح لجهة تعامل المعارضة السورية مع الداخل اللبناني، فهل "إسقاط الحدود" من جهة واحدة، والذي مارسه حزب الله في السنوات الماضية، سينعكس إسقاطاً للحدود من الجهتين؟ هل يقبل حزب الله بالعودة إلى اللعبة الداخليّة اللبنانية، والتي لا يعدو فيها عن كونه حزباً يُمثل جزءاً من طائفة، مثله مثل الأحزاب التي تمثّل أجزاء من طوائفها، وهو الذي عدّ نفسه لاعباً إقليمياً؟ هل يعود هؤلاء المقاتلون الذين تمرسوا في أعمال قتل كانت غريبة عن ثقافة الحزب إلى القبول بممارسة الحياة الطبيعية؟ ما هو موقف الحزب ومقاتليه من اللاجئين السوريين، وخصوصاً أن نصرالله سبق وبدأ حملة التحريض عليهم؟
أسئلة كثيرة، لا يبدو أن أحداً يملك جواباً شافياً لها. لكن الوقائع التاريخيّة تُشير إلى أن ما من قوة عسكرية عادت مهزومة من حرب خارجيّة إلا وسعت لمزيد من القمع في الداخل.


إقرأ أيضاً: لبنان يدخل الشلل الحكومي بعد فراغ الرئاسة وتعطيل البرلمان