مفاوضات غزة… 6 أشهر من إفشال إسرائيل التوصل إلى اتفاق

مفاوضات غزة… 6 أشهر من إفشال إسرائيل التوصل إلى اتفاق

07 ابريل 2024
بلينكن لدى وصوله إلى السعودية، 5 فبراير الماضي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد ستة أشهر من الحرب على غزة، فشلت جولات التفاوض بمشاركة دول مثل قطر ومصر في إنهاء العدوان، بسبب تعنت نتنياهو ورفض حماس التخلي عن مبادئها الأساسية مثل وقف العدوان وانسحاب الجيش الإسرائيلي.
- على الرغم من هدنة شهدت تبادل أسرى وإدخال مساعدات لغزة، استئناف القتال يظهر الفجوة بين الطرفين. مقترحات مثل خطة مصرية من ثلاث مراحل واجتماعات دولية لم تحقق تقدمًا بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي في موقفه.
- الجهود الدبلوماسية، بما في ذلك زيارات وزير الخارجية الأميركي ومحادثات في القاهرة والدوحة، لم تكسر الجمود. تعنت نتنياهو وردود إسرائيل السلبية تعقدان التوصل لاتفاق، مع تحليلات تشير إلى أن الأفق لصفقة يبقى بعيدًا ما لم يحدث تغيير في الموقف الإسرائيلي.

لم تترجم جولات التفاوض المتواصلة منذ ما بعد بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي باتفاق ينهي هذا العدوان بعد 6 أشهر من بدئه، في ظل تعنّت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ورفض تقديم تنازلات تطالب بها حركة حماس، وهو الذي يقارب الملف من منطلق مصلحته السياسية. في المقابل، فإن "حماس"، وبعدما قبلت ببعض التنازلات لتسهيل التوصل إلى وقف إطلاق نار وتبادل الأسرى، تتمسك بمبادئ لا تحيد عنها، وأبرزها أن الانطلاق من أي اتفاق يجب أن ينتهي بوقف العدوان على غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. أمام هذا الواقع، يبدو تحقيق أي تقدم في المفاوضات مرهوناً بالضغوط على الحكومة الإسرائيلية، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة، مع بروز مؤشرات على تغيير لهجة الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الأيام الأخيرة تجاه نتنياهو، لا سيما بعد قتل 7 من عمّال الإغاثة (من المطبخ المركزي العالمي) في غزة.

مفاوضات غزة لا تتقدم

وعلى مدار 6 أشهر، شهدت الساحة العديد من جولات المفاوضات التي رعتها دول متعددة، مثل قطر ومصر والولايات المتحدة، بين دولة الاحتلال والمقاومة، من أجل الوصول إلى حل يوقف الحرب ويعيد الأسرى والمحتجزين لدى الطرفين، ولكن من دون تحقيق أي تقدم يذكر حتى الآن. بدأت التحركات المصرية في "قمة السلام 2023" التي عقدت في القاهرة يوم 21 أكتوبر برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وحضرها أكثر من 30 دولة، ولكن من دون صياغة موقف واضح من الحرب بعد خلافات حول البيان الختامي بين المجموعة العربية والدول الغربية التي شاركت في القمة.

بدأت في 24 نوفمبر هدنة أُفرج خلالها عن رهائن إسرائيليين، مقابل إطلاق الاحتلال أسرى فلسطينيين

في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، اجتمع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، في الدوحة، مع رئيس جهاز "الموساد" ديفيد برنيع، ورئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لبحث سبل إطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم "حماس" في غزة. وجاء الاجتماع الثلاثي بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة أن الاحتلال الإسرائيلي وافق على "هدن إنسانية" شمالي قطاع غزة، وذلك بواقع أربع ساعات يومياً، تكف خلالها قوات الاحتلال عن القيام بأي عمليات عسكرية من أجل السماح بخروج المدنيين، وتبع ذلك اجتماع آخر في العاصمة البولندية وارسو منتصف الشهر ذاته.

وفي 9 نوفمبر أيضاً، اختتمت نحو 80 دولة ومنظمة دولية اجتماعاتها في العاصمة الفرنسية باريس، ضمن المؤتمر الذي دعت إليه فرنسا لمناقشة الأوضاع في قطاع غزة، ولكن من دون صدور بيان مشترك عقب انتهاء المؤتمر، الذي حضره الجانب الفلسطيني وغابت عنه إسرائيل.

وبعد وساطة من قطر ومصر والولايات المتحدة، وبعد نحو 50 يوماً من الحرب، بدأ رسمياً، صباح 24 نوفمبر، سريان الهدنة التي جرى التوصل إليها للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، مقابل إطلاق إسرائيل أسرى فلسطينيين معتقلين في السجون الإسرائيلية. وتضمن الاتفاق الإفراج عن 50 من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة من النساء والأطفال، وفي المقابل، أطلقت إسرائيل سراح 150 فلسطينياً من السجون، والذين أيضاً هم من النساء والأطفال، مع دخول 200 شاحنة مساعدات يومياً طوال مدة الهدنة. وانتهت الهدنة صباح 1 ديسمبر/كانون الأول بعد تمديدها ثلاثة أيام إضافية مقابل 10 أسرى إسرائيليين لكل يوم إضافي. وأعلن الجيش الإسرائيلي استئناف القتال في قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة بين الطرفين.

في 20 ديسمبر، وصل وفد من "حماس" برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى القاهرة للتباحث حول مقترح مصري من ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وتضمنت المرحلة الأولى بدء هدنة إنسانية لمدة أسبوعين قابلة للتمديد، تطلق خلالها "حماس" سراح 40 من المحتجزين الإسرائيليين، وفي المقابل، تطلق إسرائيل سراح 120 أسيراً فلسطينياً، وتُوقف خلالها الأعمال القتالية وتتراجع الدبابات، وتتدفق المساعدات الغذائية والطبية، والوقود وغاز الطهي إلى قطاع غزة.

أما المرحلة الثانية، فتضمنت إقامة حوار وطني فلسطيني برعاية مصرية بهدف "إنهاء الانقسام"، وتشكيل حكومة تكنوقراط (مستقلين) تتولى الإشراف على قضايا الإغاثة الإنسانية، وملف إعادة إعمار قطاع غزة، والتمهيد لانتخابات عامة ورئاسية فلسطينية. وفي المرحلة الثالثة، يصار إلى وقف كلّي وشامل لإطلاق النار، وصفقة شاملة لتبادل الأسرى تشمل كافة العسكريين الإسرائيليين لدى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وفصائل أخرى، يُتفق خلالها على عدد الأسرى الفلسطينيين الذين ستطلق سراحهم إسرائيل بما يشمل ذوي المحكوميات العالية. وتتضمن المرحلة الأخيرة انسحاباً إسرائيلياً من مدن قطاع غزة، وتمكين النازحين من العودة إلى مناطقهم في محافظتي غزة وشمال غزة.

يتعنت الاحتلال في موقفه ويرفض عودة المواطنين إلى شمال غزة والانسحاب من المناطق التي احتلها في القطاع

وفي 29 ديسمبر، وصل وفد من الحركة بقيادة نائب رئيسها في غزة خليل الحية إلى القاهرة لتسليم الرد على المبادرة المصرية، فيما واصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إفشال كافة المحاولات للتوصل إلى حل برفض المطالب التي حدّدتها المقاومة. وعادت المحاولات في 29 يناير/كانون الثاني، وعقدت قمة في باريس بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر، بمشاركة رئيس الوزراء القطري، ورئيس الاستخبارات المصرية اللواء عباس كامل، وانتهت إلى مبادرة لم تُقبل فيما بعد من جانب إسرائيل.

جولات أميركية وتعنت إسرائيلي

وقبلها في 5 يناير، زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تركيا، في مستهل جولته الرابعة في المنطقة منذ بدء الحرب الإسرائيلية، شملت الأردن وقطر والإمارات والسعودية وإسرائيل ومصر والضفة الغربية، ولكن من دون الوصول إلى حل. وفي 28 يناير 2024، شهدت العاصمة الفرنسية اجتماع محادثات، عرف لاحقاً باجتماع باريس الأول، بمشاركة وليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري، ورئيس الاستخبارات المصرية، ورئيسي "الموساد" ديفيد برنيع و"الشاباك" رونين بار، والجنرال في الاحتياط نيتسان ألون، لبحث اتفاق هدنة في غزة.

وأسفرت المحادثات عمّا وُصف بـ"تقدم جيد" من خلال وضع إطار لهدنة مرحلية يُطلق بموجبها سراح الرهائن النساء والأطفال أولا، مع دخول المساعدات إلى غزة، ومراعاة عودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم في شمال القطاع. وبعد ما يزيد على 10 أيام من تسلمها "مقترح اجتماع باريس"، سلّمت "حماس" ردها على الإطار المقترح لوقف العدوان وتبادل الأسرى للوسطاء في قطر ومصر. وافقت الحركة على إطار اتفاق للتوصل إلى وقف إطلاق نار تام ومستدام على 3 مراحل، تستمر كل مرحلة 45 يوما، وتشمل التوافق على تبادل الأسرى وجثامين الموتى، وإنهاء الحصار، وإعادة الإعمار، قبل أن يُعرقَل التوصل إلى اتفاق مجدداً من جانب الحكومة الإسرائيلية.

في 4 فبراير/شباط، زار وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مصر، ضمن جولته الأولى في المنطقة بعد توليه مهامه، والتي شملت أيضاً الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية ولبنان، في خضم مفاوضات مكثّفة كانت تجرى بين الأميركيين والمصريين والإسرائيليين والقطريين من أجل التوصل إلى هدنة جديدة.

في 8 فبراير، قالت "حماس" إن وفدا يترأسه خليل الحية وصل إلى القاهرة لاستكمال المحادثات المتعلقة بوقف إطلاق النار. في 17 فبراير، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن مغادرة وفد إسرائيلي إلى قطر لمناقشة صفقة جديدة مع "حماس". وفي 22 فبراير، بدأت محادثات جديدة في باريس سعياً للتوصل إلى هدنة في القطاع. وأكدت واشنطن مجدداً رفض "احتلال جديد" لغزة رداً على خطة نتنياهو لما بعد الحرب. وقالت "حماس" إن الخطة "لن تنجح"، وبالفعل، لم ينجح اللقاء الثاني في باريس في التوصل إلى حل.

واجتمع مجدداً، في باريس، بيرنز ورئيس الوزراء القطري وعباس كامل وديفيد برنيع في ما عرف باجتماع باريس 2، وأُدخلت خلال اللقاء تعديلات على الإطار العام للاتفاق الذي تم التوصل إليه في الاجتماع الأول، من أجل حلحلة المسار المأزوم للمفاوضات. وبعد مداولات موسعة وعرضه على المقاومة، فشل أيضاً في التوصل إلى حل للأزمة في ظل تعنت الجانب الإسرائيلي ورفضه عودة المواطنين إلى شمال غزة والانسحاب من المناطق التي احتلها في القطاع.

بعدها، في 3 مارس/آذار، وصل وفدان من "حماس" وإسرائيل إلى القاهرة، لإجراء محادثات وقف إطلاق النار في غزة، وتناولت اللقاءات كلّ النقاط التفصيلية المختلف عليها بعد مقترح "باريس 2"، ولكن من دون الاتفاق على شيء. في 6 مارس، قالت "حماس"، في بيان صحافي، إنها أبدت المرونة المطلوبة بهدف الوصول إلى اتفاق يقضي بوقف شامل للعدوان على غزة، مشيرة إلى أن الاحتلال ما زال يتهرب من استحقاقات هذا الاتفاق، خصوصاً ما يحقق الوقف الدائم لإطلاق النار، مشددة على أنها ستواصل التفاوض "عبر الإخوة الوسطاء للوصول إلى اتفاق يحقق مطالب شعبنا ومصالحه"، وذلك بعد جولة مفاوضات في القاهرة، في اليوم السابق لذلك، انتهت أيضاً إلى لا شيء. وفي اليوم ذاته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في تصريحات قبل اجتماعه مع رئيس الوزراء القطري في واشنطن، إن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار لأسباب إنسانية في غزة، داعياً "حماس" إلى قبوله.

وقبل ساعات من حلول شهر رمضان (بدأ في 11 مارس)، كشفت مصادر مصرية، وأخرى في "حماس"، عن "محاولات" من أجل إقرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وقام بيرنز بزيارة غير معلنة إلى القاهرة مساء الجمعة في 8 مارس، سبقت لقاءه ديفيد برنيع، نوقشت خلالها إمكانية التوصل إلى هدنة إنسانية قصيرة تتراوح بين يومين وأربعة أيام، بحيث يمكن خلالها التمهيد لإطلاق مفاوضات ضمن الاتفاق المعطل الذي جرى التوافق على إطاره العام في باريس. ولكن أيضاً لم يُتوصل إلى اتفاق.

في 19 مارس، انطلقت جولة جديدة من مفاوضات غزة بشأن التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى بين تل أبيب و"حماس" رسمياً، مع وصول الوفد الإسرائيلي إلى قطر، بقيادة ديفيد برنيع. وفي 21 مارس، التقى بلينكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إطار لقاءات أميركية سعودية لبحث تطورات الحرب على غزة، حيث وصل بلينكن إلى جدة في محطته الأولى من الجولة السادسة التي أجراها في المنطقة منذ بدء الحرب، وانتهت جولته من دون تحقيق أي نتيجة تذكر. وقبلها بيوم واحد، أعلن القيادي في "حماس" أسامة حمدان أن الرد الإسرائيلي على مقترح الحركة لوقف العدوان على غزة "جاء سلبياً بشكل عام وفق ما نقله الوسطاء". وفي 26 مارس، غادر فريق المفاوضات الإسرائيلي الدوحة عائداً إلى تل أبيب، عقب تعثّر مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وقالت "حماس" إنها أبلغت الوسطاء بأنها متمسكة بموقفها ورؤيتها التي قدَّمتها يوم 14 مارس، لافتة إلى أن "ردَّ الاحتلال لم يستجب لأي من المطالب الأساسية لشعبنا ومقاومتنا". وعلى الرغم من ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن المحادثات بشأن الهدنة في غزة مستمرة بين الأطراف على مستوى الفرق الفنية.

يوم الأحد في 31 مارس، بدأت جولة جديدة من مفاوضات غزة في القاهرة والدوحة، وأعلن مكتب نتنياهو الموافقة على توجه وفدين إسرائيليين إلى الدوحة والقاهرة لاستئناف المفاوضات. وجاء ذلك بعد أن أبلغ برنيع مجلس إدارة الحرب (كابينت الحرب) أن هناك إمكانية للتقدم في المفاوضات مع "حماس"، وأن الثمن هو إبداء مرونة في قضية عودة سكان شمال غزة، إلا أن نتنياهو عارض التفاصيل التي عرضها، وطلب بدلاً من ذلك الاستعداد لعملية عسكرية في رفح.

في 5 إبريل/نيسان الجاري، ردت وزارة الخارجية القطرية على تصريحات وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، التي أعرب فيها عن عدم الثقة بدولة قطر وسيطاً للتوصل إلى اتفاق في المفاوضات الجارية بشأن غزة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري على منصة "إكس"، الخميس الماضي، إن نير بركات يستخدم مهاجمة قطر وسيلةً لتعزيز مستقبله السياسي، "وبدلاً من الانشغال بدعم جهود التوصل إلى اتفاق، يجد أنه من الأفضل قضاء وقته في مهاجمة الوسطاء الذين يعملون على مدار الساعة للتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الرهائن ووقف إراقة الدماء".

المحلل السياسي والمختص في الشؤون الإسرائيلية مأمون أبو عامر علق على فشل كل جولات التفاوض السابقة قائلاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أفق الوصول إلى صفقة لا يزال بعيد المنال ما دام نتنياهو يسير على النهج ذاته، فهو فقط يبحث عن تنازلات من حماس، وأحياناً يعطي بعض الإيجابيات الشكلية والمحدودة، التي لا تؤثر في جوهر المفاوضات". وأضاف أبو عامر أن "مصلحة نتنياهو الشخصية تتمثل في استمرار الحرب، وبالتالي، ما دامت مصلحته تتحقق في هذا الأمر، سيبقى يتعنت ويراوح مكانه ما لم يحدث انفجار للوضع الداخلي في إسرائيل يدفعه لإعادة صياغة موقفه من جديد، أو أن يكون هناك ضغط أميركي قوي وفاعل باتخاذ إجراءات عملية على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري بحجب المساعدات ووقف الغطاء الدولي".

المساهمون