ليبيا: هل يفتح مقتل المهدي البرغثي ملف حفتر الجنائي؟

ليبيا: هل يفتح مقتل المهدي البرغثي ملف حفتر الجنائي؟

24 ديسمبر 2023
المهدي البرغثي وزير الدفاع السابق في حكومة الوفاق الوطني الليبية (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقيادات معسكره يلتزمون الصمت حيال مقتل وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني السابقة، المهدي البرغثي، رغم مرور ثلاثة أيام على إعلان وفاته، في الوقت الذي يسود غضب مكتوم أوساط قبيلة البرغثي في بنغازي.

وكانت البعثة الأممية أكدت، الخميس الماضي، وفاة البرغثي وأحد أبنائه وخمسة من مرافقيه، معربة عن قلقها حيال مصير "أربعين شخصاً آخرين مازالوا في عداد المفقودين"، وأوضحت أنه في ظل "محدودية المعلومات الرسمية، فإن أسباب الوفاة لا تزال غير واضحة"، إشارة إلى "وجود مزاعم مقلقة حول سوء معاملة وتعذيب أثناء الاحتجاز".

ودعت البعثة السلطات الليبية المختصة إلى "إجراء تحقيق مستقل وشفاف في حالات الوفاة، وتقديم معلومات عن مصير الأشخاص الذين ما زالوا في عداد المفقودين"، إلا أن أيا من الجهات في سلطات حكومتي البلاد، حكومة الوحدة الوطنية وحكومة مجلس النواب، لم تعلن عن أي تجاوب حيال الدعوة الأممية لفتح تحقيق في الحادث.

كما لم يصدر أي بيان من جهة معسكر حفتر لتوضيح ملابسات وظروف وفاة البرغثي، رغم مرور ثلاثة أيام على تأكيد وفاته، وتداول منصات إخبارية الأنباء منذ الأربعاء الماضي.

واعتقلت مليشيا "طارق بن زياد"، التي يقودها صدام نجل حفتر، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، المهدي البرغثي، المنشقّ عن حفتر منذ 2016، إثر عودته إلى بيته بحي السلماني في بنغازي بعد غياب سبع سنوات، واتهمته بالتسلل رفقة عدد من المسلحين وآليات عسكرية لإنشاء "خلية مسلحة" لزعزعة استقرار المدينة. فيما نفت أسرة وقبيلة البرغثي ذلك، مؤكدة أنه دخل المدينة بشكل طبيعي، وعلى خلفية اتفاقات واتصالات اجتماعية لإنهاء الخلافات بينه وبين حفتر، أسفرت عن موافقة الأخير على دخوله المدينة.

وعلى الرغم من ظهور البرغثي بصحة جيدة خلال فيديو لعملية اعتقاله وبثه جهاز الأمن الداخلي في بنغازي، إلا أن المدعي العسكري التابع لحفتر، فرج الصوصاع، خرج في مؤتمر صحفي معلناً إصابة البرغثي بـ"إصابات بليغة وخطيرة" أثناء القبض عليه وبصحبته "أربعون إرهابياً"، متهماً البرغثي بمحاولة إنشاء "خلية مسلحة" في السلماني "لزعزعة استقرار المدينة بمساندة خلايا إرهابية نائمة"، على حد وصفه.

وجاءت تصريحات الصوصاع بعد أسبوع من عزل المدينة وقطع الاتصالات وشبكة الإنترنت عنها، حيث كانت مليشيات حفتر تطلق حملة اعتقالات واسعة لكل من له صلة بالبرغثي.

تهديد أهالي المهدي البرغثي

وتحدّث أحد أفراد عائلة البرغثي في بنغازي لـ"العربي الجديد" عن ظروف إبلاغهم بوفاته، وقال إن الصوصاع استدعى عم البرغثي وأبلغه بوفاته وأنه تم دفنه، رافضاً إعطاء شهادة لوفاته.

كما طلب الصوصاع من عم البرغثي عدم إقامة مراسم عزاء واسعة وأن يكون العزاء عائلياً فقط، مضيفاً "الصوصاع حاول الحديث بلهجة الناصح بعدم إثارة قضية المهدي والقبول بمصيره، لكنه في نفس الوقت كان يهدد من طرف خفي بالأوراق والتعهدات التي أجبرت قيادة حفتر شيوخ القبيلة بالتوقيع عليها للاعتراف بأن المهدي كان يسعى إلى تدبير انقلاب في بنغازي بمساعدة أنصار الشريعة".

ووفقاً لذات المصدر، طلب عدم ذكره اسمه، فإن الصوصاع ألمح في كلامه لعائلة البرغثي بإمكانية إطلاق سراح بعض أبناء القبيلة الذين تم اعتقالهم، بعد القبض على البرغثي، مرجحاً أن ذلك محاولة "لامتصاص الغضب في أوساط القبيلة، وللحد من تصعيد مقتل المهدي أمام الرأي العام".

ورغم ذلك، عبّر المصدر عن "غضب مكتوم على حافة الانفجار، وعلى الأقل أقاربنا خارج بنغازي يفكرون جدياً في التوجه لإثارة قضية المهدي البرغثي أمام القضاء الأميركي أو أي جهة دولية قضائية"، مشيراً إلى أن "صدام أرسل إلى بعض شيوخ القبيلة تهديدات، مطالباً إياهم بالضغط من أجل منع توجه أقارب المهدي المقيمين خارج بنغازي إلى القضاء الدولي".

وكانت قيادة حفتر سلمت، في 23 أكتوبر/تشرين الأول، جثث خمسة من أسرة ومرافقي البرغثي، من بينهم نجله إبراهيم، بحسب تصريح سابق أدلى به إدريس شويقي، أحد أخوال البرغثي، لـ"العربي الجديد". مشيراً إلى أن دفنهم تم على يد مليشيات حفتر بحضور أحد أقرباء المهدي فقط من دون وجود أي مراسم للعزاء والدفن.

ويرى المحامي والناشط الحقوقي، المختار بلحاج، أن حفتر "أصبح مهدداً بشكل جدي بفتح ملفه الجنائي"، مضيفاً في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "تورطه المباشر والواضح في تصفية المهدي البرغثي قد يشجع خصومه المحليين، خاصة مع سخونة ملف الانتخابات والمفاوضات الممهدة لها، في إثارة ملف التصفيات الجسدية التي تورط فيها ومليشياته عبر السنوات الماضية".

ويعج الملف الجنائي لحفتر بالعديد من الوقائع في بنغازي التي تشير إلى تورطه في تغييب عضو مجلس النواب سهام سرقيوة منذ يوليو/تموز 2019، ومقتل الحقوقية حنان البرعصي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وغيرها.

إلا أن بلحاج يرى أن قضية البرغثي تختلف "فهي أولاً تتعلق بشخصية لها ثقلها الاجتماعي والقبلي، وتعرف الأوساط العسكرية في بنغازي أنه كان عامل النجاح الأول لعملية الكرامة في بدايات انطلاقها، وبالتالي فقبيلته ترى أن مقتله انقلاب عليها، والخطر هنا يتعلق بنفوذها الواسع في أغلب مناطق بنغازي التي تقع تحت سيطرتها القبلية"، وأضاف "الأمر الآخر أن حوادث سرقيوة والبرعصي لم تظهر علاقتهما بحفتر بشكل واضح ومعلن، حيث اغتيلا في الخفاء، أما البرغثي فاعتقاله على يد مليشيات حفتر تم أمام الرأي العام وكان بصحة ممتازة أثناء اعتقاله، ولذا فإن حفتر مسؤول مسؤولية مباشرة عن مقتله".

وفيما يعتبر بلحاج أن استمرار صمت حفتر عن توضيح ظروف مقتل المهدي البرغثي "يزيد من صحة الاعتقاد على مقتله على يد مليشيات حفتر بشكل مباشر أو تحت التعذيب، ويبدو أن البعثة الأممية علمت بسبب مقتله، ولذا أشارت إلى وجود تعذيب وسوء معاملة في بيانها".

من جهته، ينتقد الأكاديمي والمهتم بالشأن السياسي، أحمد العاقل، بيان البعثة الأممية حيال مقتل البرغثي، الذي لا يراه "أكثر من ورقة ضغط على حفتر في قضايا سياسية، وربما من بينها إرغامه على القبول بالطاولة الخماسية"، في إشارة للاجتماع الخماسي الذي دعت إليه البعثة، ويضم القادة الخمسة الأساسيين في المشهد الليبي، ومن بينهم حفتر.

ويرى العاقل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قضية المهدي البرغثي "لن ينتج عنها أي تداعيات، فقبيلة البرغثي شهدت تصفيات واستبعادات عديدة في السابق على يد حفتر ولم يحدث شيء، ثم إن حفتر ورقة دولية وإقليمية، ولن يسمح حلفاؤه الذين يعتمدون عليه في حفظ مصالحهم في البلاد بالمساس به"، معتبراً أن الملف الجنائي لحفتر "سيبقى قيد الحفظ إلى أن يقرر حلفاؤه التخلص منه، وعندها سيكون من السهل إثارتها وإخراجها للرأي العام وأمام المحاكم الدولية".