فصول من الأزمات الأميركية الإسرائيلية

الأزمات الأميركية ـ الإسرائيلية... التشابه والاختلاف من العدوان الثلاثي إلى الـ2728

26 مارس 2024
لم تؤثر الأزمات فعلياً على العلاقات الوطيدة بين الحليفين (نعوم غالاي/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العلاقات الإسرائيلية الأميركية ظلت قوية على الرغم من توترات وأزمات معينة، مثل امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو ضد قرارات تدين إسرائيل في مجلس الأمن.
- فترة حكم الرئيس أوباما شهدت توترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب الاختلافات حول الاستيطان والقضية الفلسطينية، لكن دون تأثير طويل الأمد على العلاقات.
- الأزمات بين البلدين ليست جديدة وتعود لعقود، مع كل إدارة أميركية تظهر تحديات جديدة، لكن السفير الإسرائيلي السابق يؤكد على قدرة العلاقات على تجاوز هذه الأزمات.

تشهد العلاقات الإسرائيلية الأميركية من فترة إلى أخرى أزمات تبدو للوهلة الأولى كبيرة، لكنها على مدار السنوات لم تؤثر فعلياً على العلاقات الوطيدة بين الحليفين البارزين، ولا على دعم الولايات المتحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

امتناع واشنطن عن استخدام حق النقض (الفيتو)، أمس الاثنين، إزاء القرار رقم 2728 الذي يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وما تبعه من انتقادات إسرائيلية لاذعة للإدارة الأميركية وغضب إسرائيل، هو مشهد يتكرر، وكان رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاضراً في أكثر من نسخة منها، سواء في عهد الرئيس الحالي جو بايدن أو في فترة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، التي شهد حكمه علاقات متوترة جداً مع حكومة نتنياهو وشخصه، وحتى في فترة الرئيس الأسبق بيل كلينتون.

في ديسمبر/ كانون الأول 2016 امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو ضد قرار في مجلس الأمن ضد البناء في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وهي القضية التي أثارت زوبعة كبيرة في إسرائيل في حينه، وكذلك انتقادات من قبل نتنياهو لأوباما وإدارته، ووصف نتنياهو القرار بأنه "سخيف".

مرحلة أوباما في الأزمات الأميركية الإسرائيلية

شهدت تلك الفترة أيضاً العديد من الأزمات الأميركية الإسرائيلية، في حين أوضح أوباما، خلال ظهوره في شهر يناير/ كانون الثاني 2018 في كنيس يهودي في نيويورك، أن سياسته كانت داعمة لإسرائيل، وإن كانت مليئة بالأزمات.

وأوضح أوباما في ذلك اللقاء أمام الحضور في الكنيس، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية في حينه، سبب عدم استخدام الفيتو، بأن التصويت ضد قرار يدين الاستيطان "من شأنه أن يضر بمصداقية أميركا وإيمانها بحقوق الإنسان. لا ينبغي القيام بذلك فقط عندما يكون مناسباً لنا ولأصدقائنا. كي تكون صديقاً لإسرائيل، من المهم أن تكون صادقاً في هذه العلاقة. والسياسة الإسرائيلية لا تسمح بذلك في بعض الأحيان".


كان نتنياهو جزءاً من تاريخ الأزمات الأميركية الإسرائيلية

وتسبب امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو وقتئذ، بتمرير قرار مجلس الأمن. وما أشبه اليوم بالأمس، إذ سارع مسؤولون إسرائيليون في حينه إلى مهاجمة إدارة الرئيس أوباما، معتبرين أنها "تقف خلف القرار المخجل" بالتصويت ضد المستوطنات.

لكن فعلياً شهدت العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما الكثير من الخلافات منذ عام 2009، إذ جرى انتخابهما في نفس الفترة تقريباً، وحارب نتنياهو منذ ذلك الحين العديد من المواقف التي أبداها أوباما، خصوصاً ما يتعلق بالمنطقة والقضية الفلسطينية، ورفضه التوسّع الاستيطاني والذي عبّر عنه حتى منذ خطابه الأول بعد انتخابه في ولايته الأولى وطالب بوقف الاستيطان.

كذلك قام بجولة في منطقة الشرق الأوسط استثنى منها إسرائيل، بالإضافة إلى مواقف أخرى لاحقة وخطاب حول "الربيع العربي" في مايو/ أيار 2011 لم يعجب نتنياهو ولم ينسق مع إسرائيل، تطرق في إطاره إلى أن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيقوم بناء على خطوط 1967 مع تبادل الأراضي.

واعتبر نتنياهو الأمر خطيراً، وسافر إلى واشنطن على نحو عاجل حيث التقى أوباما، وشرح خلال مؤتمر صحافي مشترك أن إسرائيل لن تعود إلى خطوط عام 1967. وأفشلت حكومات نتنياهو كل محاولات أميركية في عهد أوباما للتوصل إلى اتفاقية سلام. كذلك شهدت العلاقة بين نتنياهو وأوباما توتراً كبيراً بشأن الملف الإيراني.

في مارس/ آذار 2015 نشر المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية والإقليمية ملخصاً حول الأزمات الأميركية الإسرائيلية في فترة أوباما ونتنياهو. وركز البحث على معارضة أوباما المستوطنات الإسرائيلية وأشار إليها كعامل مركزي في قضية الأزمات بين الدولتين، وهي التي انعكست أيضاً من خلال قرار مجلس الأمن عام 2016، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلّق بالقضية الفلسطينية.

ويواجه التوسّع الاستيطاني انتقادات كبيرة من قبل الإدارة الأميركية الحالية أيضاً، فضلاً عن رفضها اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين التي تغذيها حكومة الاحتلال وفرض عقوبات على عدد منهم.

ورأى الملخّص في حينه أن الإجماع الذي كان في الولايات المتحدة بشأن دعم إسرائيل تصدّع، كذلك لدى جزء من الجالية اليهودية هناك، وأن إسرائيل تتحول تدريجياً إلى قضية خلافية في النزاعات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين وتخسر دعم مجموعات رئيسية في الجمهور الأميركي.

وسبق امتناع الولايات المتحدة عام 2016 عن توجيه العديد من التحذيرات إلى إسرائيل بشأن الاستيطان لكن بلا جدوى، الأمر الذي ينعكس بصورة أخرى في المرحلة الحالية أيضاً، من خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ ضربت إسرائيل العديد من المطالب الأميركية عرض الحائط، فيما يصرّ نتنياهو على تحدي الرئيس الأميركي جو بايدن، لترويج نفسه للإسرائيليين، وخصوصاً في أوساط اليمين، على أنه الزعيم الإسرائيلي الأقوى والقائد الذي لا يرضخ لأي ضغوط حتى من قبل أهم الحلفاء وأهم الداعمين لإسرائيل.

حتى إن نتنياهو لم يتردّد في توجيه تهديد للإدارة الأميركية قبيل التصويت في مجلس الأمن، على قرار وقف إطلاق النار، بأنه سيلغي التوجه الإسرائيلي إلى واشنطن للتباحث في العملية العسكرية في رفح، وهو ما قام به فعلاً، ووجه انتقادات للإدارة الأميركية.


مايكل أورين: على إسرائيل التصرّف بحكمة والتصالح مع الخط الذي يقوده الرئيس بايدن بقدر المستطاع

ويعاند نتنياهو واشنطن راهناً في قضايا أخرى تتعلق بغزة، من ضمنها عدم مناقشة ما يُسمى "اليوم التالي" للحرب، كما تعيق إسرائيل السماح بدخول المساعدات الإنسانية على نحو أكبر، هذا عدا عن النقاش المحتدم بين الطرفين حول العملية العسكرية التي يصر عليها نتنياهو في رفح، فيما ترفض واشنطن عملية لا تضمن سلامة المدنيين.

واشنطن غير راضية عن تل أبيب

وتأتي الأزمة في فترة عبّر مسؤولون أميركيون فيها غير مرة عن أن الإدارة الأميركية غير راضية عن تركيبة الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً شركاء نتنياهو، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وترى أنهم يعيقون التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحركة "حماس" ووقف لإطلاق النار.

في غضون ذلك، تناول العديد من المعلقين الإسرائيليين الأزمات الأميركية الإسرائيلية بتوسع، منها ما كتبه السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن مايكل أورين، في "يسرائيل هيوم"، بأن الأزمة الحالية هي "الأخطر في علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة منذ 70 عاماً".

ورأى أن "على إسرائيل التصرف بحكمة والتصالح مع الخط الذي يقوده الرئيس بايدن بقدر المستطاع، من دون المس بالمصالح الأمنية الأساسية الخاصة بها، كما يرى أن عليها إطلاق حملة دبلوماسية مكثفة"، في الولايات المتحدة والعالم.

لكن السفير السابق، أشار في الوقت نفسه إلى أن هذه الأزمات الأميركية الإسرائيلية حصلت مراراً، وعدّد منها قرار الرئيس الأميركي رونالد ريغان عام 1981 تجميد تزويد إسرائيل بالسلاح إثر قصفها المفاعل النووي في العراق عام 1981، إضافة إلى غضب الرئيس جورج بوش الابن عام 2004 عندما حاولت إسرائيل بيع سلاح للصين.

كذلك أشار إلى 8 سنوات من إدارة أوباما التي كانت مليئة بالأزمات بين البلدين، لكن لا شيء يضاهي أزمة 1956، برأيه، عندما غضب الرئيس الأميركي في حينه دوايت أيزنهاور على إسرائيل عقب انضمامها إلى العدوان على السويس إلى جانب بريطانيا وفرنسا، وهدّد بفرض عقوبات عليها. ويعتقد أورين أن أزمة اليوم شبيهة بالعدوان الثلاثي 1956.