تقارب دمشق وتونس: قيس سعيّد يسرّع التطبيع مع بشار الأسد

تقارب دمشق وتونس: قيس سعيّد يسرّع التطبيع مع بشار الأسد

06 مارس 2023
أرسلت تونس طائرات إغاثة إلى مطار حلب (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

بدّلت تونس منذ تولّي قيس سعيّد للسلطة فيها، من طريقة تعاطيها مع النظام السوري، بعد قطيعة لأكثر من عقد، حيث شرعت في إجراءات من شأنها رفع التمثيل الدبلوماسي بين تونس ودمشق، في تساوق مع محاولات أطراف عربية لإعادة تعويم هذا النظام في المحيطين العربي والإقليمي، تحت غطاء التضامن مع سورية بعد كارثة الزلزال.

وأشارت وكالة "سانا" للأنباء، أمس الأول، إلى أن وزير الخارجية في حكومة النظام فيصل المقداد "بحث السبت خلال اتصال هاتفي مع وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار العلاقات الثنائية بين سورية وتونس وسبل تطويرها وتعزيزها".

ونقلت عن المقداد "تقديره لتضامن تونس، قيادة وحكومة وشعباً مع سورية في مواجهة الزلزال"، مثمناً "رغبة الرئيس التونسي قيس سعيّد برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين". ووفق الوكالة فقد "اتفق الوزيران على متابعة تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإجراء الزيارات المتبادلة في الفترة القادمة".

قلل حوراني من أهمية الانفتاح العربي على نظام الأسد

من جانبها، قالت وزارة الخارجية التونسية، في بيان، إن "المحادثة مثّلت مناسبة جدّد فيها الوزيران الرغبة في عودة العلاقات الثنائية الأخوية بين تونس وسورية إلى مسارها الطبيعي، ولا سيما من خلال الترفيع في مستوى التمثيل الدبلوماسي وتبادل زيارات مسؤولي البلدين".

واتخذت دول عربية الزلزال، الذي ضرب الشمال السوري فجر السادس من الشهر الماضي، مناسبة لتسريع مسار تعويم نظام بشار الأسد، من خلال إرسال وفود ومساعدات للمتضررين من هذا الزلزال، الذي "أعاد علاقات دمشق مع محيطها العربي"، وفق المستشارة في رئاسة الجمهورية لدى النظام السوري بثينة شعبان.

طائرات إغاثة تونسية لسورية 

وأرسلت تونس طائرات إغاثة، تتضمن فرق إنقاذ وحماية مدنية وأطباء ومساعدات غذائية، إلى مطار حلب الخاضع لسيطرة النظام السوري. وفي 9 فبراير/ شباط الماضي، قالت الرئاسة التونسية، في بيان، إن سعيّد قرّر رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سورية، مجدداً تأكيد وقوف بلاده إلى جانب دمشق.

وكانت تونس قد قطعت علاقاتها بالنظام السوري في عام 2012 على خلفية الثورة وقمعها دموياً. وطرد الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، سفير النظام السوري لدى تونس في ذلك العام، وسحب أي اعتراف بنظام الأسد، قبل أن تعيد تونس، في زمن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، إلى سورية بعثة دبلوماسية محدودة في 2017. وفي العام ذاته، سقطت لائحة برلمانية تطالب بإعادة العلاقات مع سورية، بعد تصويت 68 نائباً فقط بالموافقة، في مقابل 6 ضد، فيما امتنع 27 نائباً عن التصويت على مشروع القرار. يشار إلى أن التصديق على القرار يُتخذ بموافقة 109 من 217 نائباً.

وشهدت العلاقة بين البلدين نوعاً من التقارب أواخر عام 2018، عبر استئناف حركة الطيران بين البلدين. وكانت تونس من الدول الداعمة للسوريين المطالبين بالتغيير في بلادهم، حيث استضافت في 2012 المؤتمر الدولي لـ"أصدقاء سورية". إلا أنّ من الواضح أنّ سعيّد بصدد المشاركة في محاولات إعادة تأهيل نظام الأسد من خلال رفع التمثيل الدبلوماسي وتبادل الزيارات الرسمية بين تونس ودمشق.

ولا يستغرب الباحث السوري ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، تقارب تونس مع النظام السوري، فـ"المقدمات التي مضى فيها سعيّد في تونس تنتهي إلى الاصطفاف مع النظام الدكتاتوري المستبد في الشام". وقال: لما استقر الحكم لقيس سعيّد بطش بالأحرار، وضيّق على الناس بدعوى الإصلاح، فأصبح مثله مثل بشار الأسد وغيره من المستبدين، ومن الطبيعي أن يتقارب مع الأنظمة التي تتوافق مع خطه.

الانفتاح العربي على سورية لا قيمة سياسية له

وفي السياق، قلل الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام" رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، من أهمية ما أسماه "الانفتاح العربي على نظام الأسد"، معتبراً أنه "لا قيمة سياسية له".

لكنه استدرك: "لكن ربما يتحول (الانفتاح) إلى فعل مؤثر نتيجة التراكم المتدرج بفعل الملفات المشتركة بين كل دولة والنظام، وعلاقة الدول من خارج المنظومة العربية مع تلك الملفات".

الهاشمي: التطبيع تم بدفع من لوبي داخل سلطة الانقلاب

وزار دمشق عقب وقوع الزلزال لأول مرة وزيرا خارجية مصر سامح شكري والأردن أيمن الصفدي، إضافة إلى وفد برلماني عربي، في خطوة غير مسبوقة منذ 2011، حين جمّدت الجامعة العربية عضوية سورية، بسبب قمع النظام المطالبين بالتغيير السياسي بالبلاد.

لكن المعطيات السياسية المتوافرة تفيد بأن جهود بعض الأطراف لتعويم نظام الأسد مرة أخرى، وخاصة في المحيطين العربي والإقليمي قد يكون محكوماً عليها بالفشل بسبب الرفض الأميركي لأي محاولة بهذا الاتجاه. وتصرّ واشنطن على تطبيق القرار الدولي 2254 الذي رسم خريطة حل واضحة للقضية السورية، إلا أن النظام السوري يرفض التعامل بإيجابية مع هذا القرار.

اختلاف في تونس حول استعادة العلاقات 

في المقابل، أثار قرار سعيّد تطوير العلاقات الدبلوماسية مع سورية ورفع مستوى التمثيل في دمشق، خلافات في الساحة التونسية بين مؤيد ومندد.

واعتبر المقرر في لجنة حقوق الانسان والعلاقات الخارجية بالبرلمان المنحل، والقيادي في ائتلاف الكرامة المعارض، زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما يحدث هو "تطبيع سلطة الانقلاب مع نظام بشار، وجاء ذلك بدفع من لوبي نافذ داخل سلطة الانقلاب وأجنحتها السياسية، كحركة الشعب، أو حتى من خارجها كتنظيم حزب العمال بقيادة حمة الهمامي".

وأضاف أن "استجابة نظام قيس سعيّد لهذا الأمر مراوغة منه في إطار البحث عن تحالفات جديدة، وعن مساحات أكثر داخل مربع التحالفات السياسية خارج تونس، خصوصاً أن هذا النظام يتخبط في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة".

في مقابل ذلك، قال رئيس المجلس الوطني لحركة الشعب عبد الرزاق عويدات، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا القرار سليم، وإعادة للأمور إلى نصابها، وفيه استجابة لطلب التونسيين وانتصار لسيادة تونس، على اعتبار أن قطع العلاقات لا مبرر له منذ البداية. حتى إن دولاً عربية وخليجية، من التي عارضت ما يحدث في سورية، لم تقطع علاقتها بها".

وبيّن أن "إعادة العلاقات مع سورية هو قرار لمصلحة الجالية التونسية المقيمة هناك، التي تضررت من قرار المقاطعة. كما سيكون لاستعادة العلاقات تبعات إيجابية على التعاون الاقتصادي بين البلدين، باعتبار سورية بلد حقق اكتفاءه الذاتي من الحبوب، ولديه بنك للبذور الممتازة كما يمكن التعاون معه في العديد من المجالات".