العلاقات التونسية الأميركية: هل غيرت إدارة بايدن موقفها من قيس سعيد؟

العلاقات التونسية الأميركية: هل غيّرت إدارة بايدن موقفها من قيس سعيد؟

18 اغسطس 2022
تشهد العلاقات التونسية الأميركية حالة مدّ وجزر منذ أشهر(سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -

تشهد العلاقات التونسية الأميركية حالة مدّ وجزر منذ أشهر، بسبب الانتكاسة التي يشهدها المسار الديمقراطي منذ الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، ويصفها معارضوه بـ"الانقلابية".

وصعّدت القيادات الأميركية من مواقفها تجاه تونس، خصوصاً في الفترة الأخيرة، بسبب رفض سعيد "نصائح" واشنطن، تحديداً ما خصّ وضع "مسار تشاركي" مع خصومه.

وآخر هذا التصعيد جاء على لسان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، منذ أسبوع، عندما اعتبر أن "حلم تونس بحكومة مستقلة أصبح في خطر"، وأن "واشنطن ملتزمة بدعم أصدقائنا في تونس، وفي أي مكان في أفريقيا، الذين يحاولون إقامة نظم ديمقراطية منفتحة تخضع للمحاسبة ولا تستثني أحداً".

وكان قيس سعيد عبّر عن رفضه الواضح لما وصفه بـ"التدخلات الخارجية" في بلاده، وبينما استقبل بنفسه السفير الأميركي في تونس، دونالد بلوم، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جدد التعبير عن استيائه من المواقف الأميركية.


 وتلا ذلك استقبال وزير الخارجية، عثمان الجرندي، القائمة بالأعمال الأميركية ناتاشا فرانشيسكي، نهاية الشهر الماضي، ليبلغها استياء بلاده من تصريحات السفير المنتظر، جوي هود، أمام الكونغرس بخصوص الأوضاع في تونس. 

لكن الأيام الأخيرة شهدت تطوراً مهماً في هذه العلاقة، من خلال تصريحات تونسية وأميركية توحي بأن هناك تطوراً بهذا الخصوص، إذ استقبل الجرندي، الإثنين، القائمة بالأعمال فرانشيسكي.  

وقالت الخارجية التونسية إن المسؤولة الأميركية نوهت بـ"عراقة العلاقات التونسية-الأميركية"، وبأن "الولايات المتّحدة الأميركية ستتولى توجيه دعوة رسمية إلى رئيس الجمهورية للمشاركة في قمّة زعماء أفريقيا التي ستنعقد من 13 إلى 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل في واشنطن، بإشراف الرئيس الأميركي جو بايدن". 

وتجدر الإشارة إلى أن المواعيد متقاربة مع الانتخابات التشريعية المرتقبة في تونس، يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وفي الشأن التونسي، تطرّق اللقاء إلى "المراحل المقبلة للمسار التصحيحي للديمقراطية ببلادنا"، بحسب بيان الخارجية التونسية.

وجاء في البيان أيضاً أن اللقاء أكد " الاستعداد لتعزيز التشاور والتنسيق بين الجانبيْن في مختلف المسائل، وذلك في إطار حوار إيجابي وبنّاء يتماشى ومتانة العلاقات الثنائية".

وتعتبر هذه التصريحات تطوراً في العلاقة المتأزمة بين البلدين. لكن اللافت هو أن الخارجية التونسية لم تكشف عن هذا اللقاء إلا مساء الإثنين، بينما جرى اللقاء الجمعة الماضي.

وشدد الرئيس التونسي، مساء الإثنين، خلال لقائه وزير الخارجية الجرندي، على "سيادة تونس وعلى الرفض القاطع لأي تدخل في اختيارات الشعب التونسي"، وهو ما يثير تساؤلات بشأن هذه التطورات، أبرزها "هل هناك "اضطراب" في المواقف بين الرئيس والخارجية، أم أنه مجرد توزيع أدوار ما بين الاستهلاك الداخلي والمواقف الخارجية؟ وهل تغيّر الموقف الأميركي بخصوص تونس بعد الاستفتاء على الدستور؟".

وفي هذا الصدد، ينفي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر (شغل منصب مدير الديوان الرئاسي مع المنصف المرزوقي)، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "تسجيل أي تغير في الموقف الأميركي تجاه تونس"، قائلاً إنه "من الواضح أن الموقف التونسي الرسمي حائر لجهة تلبية دعوة بايدن لقمة ديسمبر أو عدمها".

ورجح منصر أن "يرسل الرئيس سعيد وزير الخارجية، لأن المشاركة قد تظهره في مظهر المتلقف لهذه الدعوة في وقت تصب كل مواقفه في رفض التدخل الأميركي". وأوضح وتابع: "لا أعتقد أن هذه الدعوة تعكس تغييرا في الموقف الأميركي، بل هي دعوة بروتوكولية، خصوصا وأن هناك تواترا في التعبير عن نفس الموقف الأميركي بخصوص تونس من مسؤولين مختلفين".

وقال منصر إنه "من الظاهر أن موقف وزير الدفاع الأميركي هو ذاته موقف بايدن". ولفت إلى أن "هناك تخوفاً أميركياً من عدم الاستقرار في المنطقة، ومما يسمونه مغامرة، كما أن هناك في المقابل تخوفاً من التمدد الروسي في المنطقة، ويوجد انزعاج مما يحدث في تونس يترجمه تصريح وزير الدفاع الأميركي الذي ذكر تونس بالاسم من جملة 15 دولة أخرى، وهو ما يعني أن المسألة أصبحت موضوع أمن قومي أميركي، وهي خطوة أخرى أبلغ وأوضح من الجانب الأميركي".

ويرى المتحدث ذاته أن "رئيس الجمهورية يريد أن يتفادى أي خسائر سياسية جديدة"، معتبراً أن "صدور بيان الخارجية التونسية حول اللقاء مع القائمة بالأعمال الأميركية بتأخّر عن موعد انعقاده بثلاثة أيام ربما كان لمناقشة مضمون البيان والموافقة على محتواه، لأن الاجتماع تم نهاية الأسبوع ونشره في ذلك التوقيت لن يؤدي دوره من الناحية التواصلية".

ولفت منصر إلى أن "بيان الخارجية لم يوضح من طلب اللقاء، والظاهر أن القائمة بالأعمال بالسفارة الأميركية هي التي طلبت ذلك لتبليغ الدعوة إلى المؤتمر الذي ينوي بايدن عقده، وبالتالي لا يمكن أن يكون لقاء عتاب".

وتابع مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي: "وزير الخارجية دوره تهدئة التوترات، وهي وظيفته الأساسية، ودوره أن يبحث عن نقطة مضيئة مهما كان الظلام محيطاً، وهذا لا يكون طبعاً خارج إرادة الرئيس، لأن بيانات الخارجية هي بيانات تصدر بموافقة رئاسة الجمهورية، وهو معمول به منذ السابق".

ويتفق الخبير في العلاقات الدولية، بشير الجويني، مع منصر على أن "الموقف الأميركي تجاه تونس لم يتغير".

وقال الجويني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التغييرات في المواقف السياسية في مختلف المؤسسات الأميركية بالنسبة لتونس غير مطروحة، ولكن يجب التنبيه إلى أن واشنطن ليس لها موقف معارض لقيس سعيد إلا في إطار ما يتناقض ومصالحها، كمسألة الهجرة والمجموعات المتطرفة وفرض الأمن في منطقة شمال أفريقيا ودول الجوار".

وأشار إلى أنه "بالعودة إلى التجارب الأميركية، ليس فقط مع تونس، بل مع عدد من الدول الأفريقية ومع ليبيا، فإن تغيير التحالفات لا يعني تغيير المصالح الأميركية".
 
وأكد أن "المصالح مضمونة، سواء مع النظام القديم أو النظام الجديد، ديمقراطيين أو جمهوريين، مدنياً أو عسكرياً، فالمصالح قبل أي شيء، والسؤال إذن هل أن مصالحها تقف مع "دكتاتور مفضل" كما قالوا عن مصر، أو كما في تونس ربما؟ الفكرة الأساسية هي أن المبادئ لا تأتي قبل المصالح".

وتابع الخبير في العلاقات الدولية أنه "ليس من صلاحيات الولايات المتحدة أن تقوم بتغييرات، خصوصاً أن الخيار الاستراتيجي الأميركي هو التقليل أكثر ما يمكن من التدخل الخارجي المباشر، فالحديث عن دعم الديمقراطية مهم، ولكن دون الدخول في أشكال مصادمة مع القوى الموجودة، سواء كانت تتفق معها أو لا".

وأشار الجويني من ناحية أخرى إلى أنه "بالعودة إلى لقاءات سعيد بوزير الشؤون الخارجية في الفترة الأخيرة، والتي كانت متباعدة بشكل لافت، يتضح أن هناك مشكلاً على رأس السياسة الخارجية التونسية ونوعاً من التململ حتى داخل الوزارة بسبب هذا الأداء".

وأوضح: "بالتثبت من بيانات وزارة الخارجية بخصوص اللقاءات مع مسؤولين أجانب، يتضح أنها في كثير من الأحيان مختلفة ومتضاربة مع البيانات التي يصدرها هؤلاء، وهي محاولة فاشلة لوضع إخراج اتصالي لهذه الاجتماعات للاستهلاك الداخلي، وهذا تصرف غريب من مؤسسة سيادية كبرى في عهد التواصل".

ومنذ 25 يوليو 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين اتخذ سعيد إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحلّ مجلس النواب ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتمرير دستور جديد للبلاد عبر استفتاء يطعن فيه الكثير من القوى السياسية، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.