قبل عام ونصف العام من موعدها، بدأت الانتخابات الرئاسية في الجزائر، والمقررة في (أواخر) عام 2024، تدخل بشكل تدريجي إلى مساحات النقاش السياسي في البلاد، ضمن سلسلة من الإشارات التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون بشأن هذا الاستحقاق من جهة، وإعلانات مبكرة صدرت عن شخصيات سياسية موالية ومعارضة من جهة ثانية، بشأن ترشحها هي نفسها، أو دعماً لإعادة ترشح الرئيس، إضافة إلى دعوات قوى معارضة للاتفاق على "مرشح توافقي"، في الرئاسيات المقبلة.
نقاش صامت حول رئاسيات الجزائر
لا يوجد حتى الآن ما يدفع الجيش إلى ممانعة توجه تبون إلى ولاية ثانية
خلال اللقاء التلفزيوني الذي أجراه في شهر إبريل/نيسان الماضي، لمّح تبون إلى أن هناك لوبيات في الإدارات الحكومية ومجتمع رجال المال والأعمال، تنتظر منعطف الانتخابات الرئاسية العام المقبل، بنية تحييده. كانت تلك أولى الإشارات السياسية حول وجود نقاش صامت بشأن انتخابات 2024 الرئاسية.
وخلال لقائه الأخير مع الصحافيين في الثالث من مايو/أيار الحالي، أظهر تبون رغبته في استمرار الاعتماد على نسيج المجتمع المدني، عندما أعلن رفضه إنشاء حزب سياسي يواصل دعمه ومشروعه السياسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبدا الرئيس الجزائري واثقاً من قدرته على تجميع نسيج من المجتمع المدني لإسناده في حال قرّر الترشح للرئاسة مجدداً.
في الغالب، يسبق النقاش المبكر عن الرئاسيات في الجزائر، نقاش في فضاءات محدودة عن موقف المؤسسة العسكرية، بسبب الاعتبارات التي تتدخل في المشهد السياسي في الجزائر. وتطرح في السياق أسئلة عن موقف المؤسسة العسكرية من الرئاسيات، وهو موقف في الغالب لا يخرج عن سياق دعم الرئيس الموجود في السلطة، رغبة في الحفاظ على الاستقرار (عدا بعض التململ الذي حصل في انتخابات 2004).
حملة انتخابية مبكرة لتبون
وفي الحالة الراهنة، تتداول نقاشات سياسية مغلقة أسئلة حول ما إذا كان الجيش سيتوافق مع الرئيس تبون على عهدة (ولاية) رئاسية ثانية، وهو الظاهر حتى الآن، في غياب أي مؤشرات أخرى. إذ لا يوجد ما يدفع الجيش إلى ممانعة توجه تبون إلى عهدة ثانية، بسبب الحاجة إلى عامل الاستقرار الداخلي من جهة، ولعدم توفر خيارات أخرى جاهزة، ناهيك عن أن الجيش حصل في عهد تبون على أكبر موازنة له منذ الاستقلال بـ22.3 مليار دولار في ميزانية العام الحالي.
وتطرق متابعون للشأن السياسي إلى سلسلة قرارات اتخذها تبون، تخص فئات اجتماعية واسعة، بينها قرار إدماج أكثر من 700 ألف موظف وعامل من العاملين بنظام العقود المؤقتة، وإدماج أكثر من 69 ألف معلم مؤقت في مناصبهم، وآخرها حل مشكلة حاملي شهادة الدكتوراه والماجستير وتوظيفهم برسم موازنة عام 2023.
واعتبر المحلل المتخصص في الشؤون الاقتصادية، رياض حاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن فصل هذه القرارات عن حملة انتخابية مبكرة تصبّ في صالح تحصيل منجزات لتبون، والكثير من المؤشرات التي تدل على انطلاقة التحضير للعهدة الثانية.
ورأى حاوي أن هذه القرارات "وإن كانت تلبية لمطالب هذه الفئات الاجتماعية والمهنية العالقة منذ سنوات، إلا أنها من حيث توقيتها السياسي، هي جزء من حملة لتوفير رصيد انتخابي مبكر للرئيس".
ويأتي ذلك برأيه، "خصوصاً أنّ العهدة الرئاسية الأولى لم يحقق فيها تبون الكثير من المنجزات الكبيرة، سواء بسبب أزمة كورونا، أو بسبب أولويات تعديل الدستور والانتخابات النيابية والمحلية وتركيزه على تغيير التشريعات الضابطة للاقتصاد".
وفي هذا الإطار، كان رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، قد أعلن خلال انعقاد مؤتمر الحزب بداية مايو الحالي، أن حركته ستوفر الدعم السياسي الكامل للرئيس عبد المجيد تبون في حال قرّر الترشح لولاية ثانية. وهذا يعني أن الحركة لن تقدم مرشحاً رئاسياً عنها بخلاف منافسة رئيسها بن قرينة لتبون في الانتخابات السابقة التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2019، وأنها بدأت مبكراً في تشكيل الحزام الانتخابي لتبون في الانتخابات المقبلة.
أعرب القيادي في حركة مجتمع السلم نصر الدين حمدادوش، عن انزعاجه من إبداء عبد الرزاق مقري رغبة بالترشح للرئاسة
أما رئيس حركة مجتمع السلم السابق، عبد الرزاق مقري، فأعلن في تصريحات صحافية قبل أيام، رغبته في الترشح للرئاسة، وقال إن لديه الرغبة في الترشح والقدرة على قيادة البلاد، بحكم تجربته السياسية، حتى وإن ربط ذلك بقرار المؤسسة الحزبية.
لكن حركة مجتمع السلم، التي تنحى مقري عن رئاستها منتصف مارس/آذار الماضي، ردّت سريعاً، إذ عبّر القيادي في الحركة نصر الدين حمدادوش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن انزعاج من هذا المنحى خارج مؤسسات الحركة التي يفترض أن تكون الإطار الأمثل والوحيد لأي رغبة من قياداتها في الترشح للرئاسة أو لغيرها.
فكرة المرشح التوافقي لرئاسيات الجزائر
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال ظروف البيئة السياسية في الجزائر، تحد من المبادرة المبكرة للشخصيات السياسية التي تعتزم الترشح، بمن فيهم المرشحون السابقون الذين نشطوا خلال استحقاقات رئاسية سابقة كعلي بن فليس ولويزة حنون وعبد العزيز بلعيد. من جهتهم، بادر بعض نشطاء قوى المعارضة، إلى اقتراح فكرة "المرشح التوافقي" بين قوى المعارضة، لمنافسة مرشح السلطة.
وفي هذا الإطار، قال عضو الاتحاد من أجل التغيير والرقي (معارض) عبد الكريم زغيليش، لـ"العربي الجديد"، وهو صاحب هذه المبادرة السياسية، إن "المنطق السياسي في البلدان التي تحترم نفسها، يقضي بأن يبدأ التحضير مبكراً، وقبل أكثر من سنتين، للانتخابات الرئاسية، ولذلك أعتقد أنه على العكس من ذلك، فنحن متأخرون كثيراً في الجزائر في التحضير وإطلاق النقاشات الضرورية للانتخابات، خصوصاً في مرحلة الركود السياسي الراهن في الجزائر".
عبد الكريم زغيليش: الهدف من مشروع المرشح التوافقي استغلال مرحلة الانتخابات لتنظيم المعارضة
وأشار زغيليش إلى أن فكرة المرشح التوافقي للرئاسة بين قوى المعارضة، تتلخص في أن "مشروع المرشح التوافقي للانتخابات الرئاسية عام 2024، يعطي للمعارضة أو الحراك، فرصة أو سبباً تقنياً وعملياً محدوداً في الزمن، للاجتماع والجلوس على طاولة واحدة، للاتفاق على مشروع سياسي ومشروع مجتمع وليس على شخص، والتوافق على مشروع يحمله هذا المرشح".
ووفقاً لزغيليش، فإن "الهدف من مشروع المرشح التوافقي ليس الفوز بالانتخابات، لأننا نعرف طبيعة النظام الجزائري، بل استغلال مرحلة الانتخابات الرئاسية لتنظيم المعارضة في الجزائر وتحريك الخطوط".
وبرأيه، فإنه وفقاً لطبيعة الانتخابات الرئاسية، فإن المرشح التوافقي للمعارضة الجزائرية أو للحراك الجزائري سيمكنه رفع مطالب الحراك وصوت المساجين السياسيين في وسائل الإعلام الوطنية والعالمية، لأن العالم يحتاج إلى وجه للمعارضة أو للحراك الجزائري لكي يتحدث معه". واعتبر أن "مشروع المرشح التوافقي سوف يصنع هذا الوجه".