إسرائيل تبحث سبل التصدي لأوامر المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت

21 مايو 2024
نتنياهو في الكنيست بعد قرار مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية (أورين بن هاكون/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية يعتزم إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، مما أثار مفاجأة وتوتر في العلاقات الدبلوماسية لإسرائيل.
- إسرائيل تحاول منع تنفيذ الأوامر بالضغط على الدول الأعضاء وتحريك الدعم الأمريكي لفرض عقوبات على المحكمة، مستندة إلى مبدأ التكامل واستقلالية قضائها.
- الوضع يعكس تحدياً دولياً لإسرائيل قد يعزز موقف نتنياهو داخلياً، لكنه يواجه نقداً داخلياً ويهدد بتحديات دولية تؤثر على الاقتصاد والعلم والتجارة، بالإضافة إلى خطر اعتقال نتنياهو وغالانت.

تخشى إسرائيل عدم توقّف الأمر عند المستوى السياسي وأن يطاول الجيش

تفحص وزارة الخارجية إقامة غرفة عمليات لتحريك جميع ممثلي إسرائيل

فوجئت إسرائيل بتصريحات خان خاصة أنها أجرت اتصالات لمنع ذلك

تبحث دولة الاحتلال الإسرائيلي سبل التصدي لاعتزام المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كريم خان إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت. وفوجئت إسرائيل بتصريحات خان، خاصة أنها أجرت من وراء الكواليس اتصالات مكثفة مع مكتبه من أجل إقناعه بعدم وجود صلاحية للمحكمة للتعاطي مع هذا الموضوع، وفق ما أوردته وسائل إعلام عبرية اليوم الثلاثاء. وكان من المنتظر أن يزور خان إسرائيل في الأسبوع المقبل، وأن يصل فريق من مكتبه قبل ذلك خلال هذا الأسبوع، وهي الزيارة التي ألغيت في اللحظة الأخيرة.

ونقلت القناة 12 العبرية عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمّهم، قولهم إن إعلان خان موقفه على الملأ لم يكن بنية طيبة، وإن التوقيت ليس صدفة، وقد يرتبط أيضاً بقرارات محكمة العدل الدولية المرتقبة في الدعوى التي تطالب بوقف الحرب على غزة. كما نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن أوامر من هذا النوع ستمسّ بالجهود الرامية للتوصل إلى صفقة مع حركة حماس تعيد المحتجزين الإسرائيليين. وتخشى إسرائيل عدم توقّف الأمر عند المستوى السياسي، وأن يطاول شخصيات في جيش الاحتلال من ضباط وجنود، فضلاً عن مسؤولين في المؤسسة الأمنية.

وسارع المسؤولون الإسرائيليون منذ الأمس للتنديد بإعلان المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية اعتزامه إصدار أوامر اعتقال، وتسعى للضغط على الدول الأعضاء في المحكمة، لتعلن عدم التزامها بتطبيق الأوامر في حال صدورها، بذريعة "مبدأ التكامل"، بحيث تزعم إسرائيل أنها دولة ديمقراطية، لديها جهاز قضائي مستقل وقوي، ويمكنه النظر في مثل هذه القضايا، وهي الذريعة التي لطالما استخدمتها إسرائيل باسم الديمقراطية المزعومة. كما تعمل إسرائيل على تحريك التواصل مع الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، للضغط بدورهم على الإدارة الأميركية من أجل فرض عقوبات تعطّل عمل المحكمة الجنائية الدولية.

غالانت: لا نعترف بسلطة المحكمة

وفي السياق، كتب وزير الأمن الاسرائيلي يوآف غالانت عبر حسابه على منصة إكس، اليوم الثلاثاء، إن "محاولة عكس الترتيب الصحيح لن تنجح. مقاربة المدّعي العام بين حماس وإسرائيل، محتقرة ومثيرة للاشمئزاز. دولة إسرائيل ليست طرفاً في المحكمة ولا تعترف بسلطتها". وأضاف غالانت أنه "يجب رفض محاولة المدّعي العام حرمان دولة إسرائيل من الحق في الدفاع عن نفسها وتحرير مختطفيها، بشكل قاطع"، زاعماً أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "يقاتل وفقاً لقواعد القانون الدولي، مع بذل جهود إنسانية فريدة من نوعها، لم يُتخذ مثلها في أي نزاع مسلّح".

من جهته، قال متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إن تل أبيب تدعو "دول العالم المتحضر" إلى رفض طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق اثنين من قادتها وإعلان عدم احترامها لأي مذكرات من هذا القبيل. ورداً على سؤال عمّا إذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو وزير الدفاع يوآف غالانت سيتجنبان زيارة أي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية إذا صدرت مذكرتا اعتقال بحقهما، قال "لننتظر ونَرى"، بحسب ما نقلت وكالة رويترز. من جانبه، قال نتنياهو في حديثه مع شبكة إيه بي سي: "لا أخشى السفر حول العالم بعد قرار المدعي العام، وعلى المدعي العام أن يشعر بالقلق إزاء وضعه ووضع المحكمة، وآمل ألا يقبل القضاة التوصيات".

وأجرى نتنياهو في الأيام القليلة الماضية، أي قبل صدور القرار، مكالمات كثيرة مع جهات سياسية ودبلوماسية وقضائية، ويواصل إجراء المشاورات بشأن كيفية التعامل مع احتمال إصدار أوامر الاعتقال، كما تقوم وزارة الخارجية الإسرائيلية بفحص عدة خطوات في محاولة لمنع إصدار الأوامر. وتفحص وزارة الخارجية إقامة غرفة عمليات من أجل تحريك جميع ممثلي إسرائيل حول العالم لإيصال رسالتها، وعلى رأسها أنه ليس من المعقول وضع نتنياهو وغالانت في الخانة نفسها مع قيادات حركة حماس يحيى السنوار ومحمد ضيف ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، وأن مثل هذا الإجراء يمس جداً باحتمالات إعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة.

كما ستعمل الخارجية الإسرائيلية على تجنيد دول للإعلان أنها تعتمد على المحاكم الإسرائيلية بتولي الأمر بموجب مبدأ التكامل، وأيضاً حث العديد من الدول على مناشدة المحكمة الجنائية الدولية بعدم إصدار أوامر الاعتقال. وستجري إسرائيل محادثات مع وزراء خارجية بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، باعتبارها من أكثر الدول دعماً للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك إرسال رسائل إلى مسؤولين كبار حول العالم. ومن المتوقع أن يسافر وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى باريس قريباً، ويلتقي نظيره الفرنسي ويبحث معه الموضوع.

تحرّك المحكمة الجنائية الدولية هدية لنتنياهو؟

وركّزت وسائل الإعلام العبرية اليوم على إدانة موقف خان، وعلى المقاربة بين المسؤولين الإسرائيليين وقادة حماس، معتبرة أن الأمر مهين، متناسية أن حماس حركة مقاومة في حين ترتكب دولة الاحتلال الإسرائيلي عمليات إبادة جماعية في غزة. وفي المقابل، لام الكثير من الكتاب أيضاً الحكومة الحالية ونتنياهو على طريقة إدارتهم للأمور، معتبرين أنهم سبب في تشكيل موقف خان، فيما رأى آخرون أن هذه الأوامر هدية لنتنياهو على الصعيد الإسرائيلي الداخلي.

وكتب الصحافي والكاتب المختص في شؤون الأمن القومي رونين بيرغمان في صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الثلاثاء، أن تصريح المدّعي العام كان يمكن أن ينتهي بمحاسبة قادة حماس وحدهم، لكن خان الذي اعتبرته إسرائيل (في وقت سابق) متعاطفا معها، غيّر مواقفه تجاهها منذ الاجتياح البري لغزة. ورأى الكاتب أن المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية لم يدركوا مدى خطورة الوضع، وبدلاً من إشراك خبراء قضائيين وقانونيين كباراً، وقسم الاستشارة القضائية في الحكومة، فضّلوا تنحيتهم جانباً بسبب خلافات سياسية، وأشار إلى أن التقارير بشأن احتمال إصدار أوامر اعتقال بدأت تتوالى قبل نحو ستة أسابيع وأن نتنياهو دخل في حالة توتر كبير، في حين كان خبراء في وزارة القضاء الإسرائيلية على قناعة بأنهم سيتمكنون هذه المرة أيضاً من إلغاء أو تأجيل الأوامر.

وذكر الكاتب أن إسرائيل لم تتعامل بحكمة مع هذا الموضوع، وتمسّكت بمزاعم أن كل العالم ضد إسرائيل، وأن النتيجة كانت ستبقى على حالها، حتى لو تحركت بشكل مختلف. وأشار الكاتب إلى أنه في ظل التعطش للانتقام، بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كان المستشارون القضائيون في "عالم آخر"، فبدل أن يهتموا بأن تتماشى القرارات الإسرائيلية مع القانون الدولي، إلا أنهم في العالم الحقيقي حالت العلاقات السيئة بين نتنياهو ومكتب الاستشارة القضائية للحكومة دون ذلك. كما أشار الكاتب إلى مسؤولية عدد من السياسيين الإسرائيليين في الوصول إلى هذا الوضع، بسبب تصريحاتهم حول غزة.

ورأى المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل أن المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان دفع إسرائيل إلى واقع لم تتعامل معه من قبل، وأن تبعاته قد تكون هدّامة. واعتبر أن القيادة الإسرائيلية ستواجه لأول مرة تحدياً دولياً جدياً على خلفية قرارها الاستمرار بالحرب في غزة. وعلى المدى البعيد، في حال صدور الأوامر وتطبيقها، ستجد إسرائيل نفسها داخل أزمة دبلوماسية قد يكون لها تأثير بعيد المدى على الاقتصاد الإسرائيلي، والعلم، والتجارة، ومجالات أخرى. كما ستعرّض الأوامر نتنياهو وغالانت إلى خطر اعتقالهما لدى زيارتهما لدول أعضاء في المحكمة.

ورأى أن كريم خان سعى بالأساس إلى إصدار أوامر ضد القيادة الإسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، وأنه أضاف قادة حماس إلى الدعوى بالأساس من أجل خلق تمثيل زائف للحياد والتوازن. وقد تؤثر هذه الخطوة، برأي هارئيل، على ما يحدث في محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي تبحث بدورها قراراً لوقف الحرب، مضيفاً أن رفض نتنياهو لذلك سيضع إسرائيل على مسار عقوبات دولية ضدها. واتهم الكاتب المحكمة بازدواجية المعايير، لينضم بذلك إلى موقف الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت بنيامين دروري، الذي اتهمها بالنفاق.

واعتبر دروري في مقاله اليوم، أن تصريح المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية عبارة عن "إرهاب قضائي"، ولكن "النفاق الدولي لا يعفي القيادة الإسرائيلية من الحضيض الجديد الذي أوصلت إسرائيل إليه"، وأشار إلى أن سلوك العديد من القيادات الإسرائيلية دفع أيضاً نحو هذا القرار، خاصة ما يتعلق بتصريحات حول الإبادة، والتي استمرت حتى بعد جلسة محكمة العدل الدولية. في المقابل، ثمة من يرى أن تصريح خان يمثّل هدية لنتنياهو، ومنهم الكاتب في صحيفة هآرتس روغيل ألبير، الذي كتب اليوم أنه من الصعب تصديق التقارير حول شعور نتنياهو بالتوتر والصدمة، فما حدث بمثابة هدية كبيرة له في المجال الأساسي الذي يشغله ويحدد توجهاته في اتخاذ وعدم اتخاذ القرارات، وهو بقاؤه السياسي الشخصي.

وأوضح الكاتب أن أغلبية كبيرة في أوساط الإسرائيليين تؤيد بالمطلق كل العمليات التي يقوم بها نتنياهو في غزة، وإن كانت هناك انتقادات فتأتي بالأساس من اليمين، والذي يطالب بعمليات أكثر عنفاً. ورأى ألبير أنه كان من السهل جداً على نتنياهو إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن المحكمة في لاهاي تتهم فعلياً جميع الإسرائيليين بالجرائم المنسوبة إليه، والزعم أن "كل العالم ضدهم، وكل العالم معادٍ للسامية ويدعم حرق الأطفال اليهود"، وأنه في "عالم لا يفرّق بين السنوار ونتنياهو، سيكون من السهل عليه (نتنياهو) إقناع الإسرائيليين بأنه من واجبهم التعبير عن محبتهم له".