درس للجواسيس العرب

درس للجواسيس العرب

02 ديسمبر 2015

بولارد بعد إطلاق سراحه في نيويورك (20 نوفمبر/2015/Getty)

+ الخط -
أفرجت السلطات الأميركية، في 20/ 11 /2015، عن الجاسوس اليهودي الأميركي، جوناثان بولارد، بعد ثلاثين عاماً أمضاها في السجن. وكان هذا الجاسوس قد اعتُقل في سنة 1985، بتهمة خيانة بلده، وتسريب آلاف الوثائق المصنفة "سرية للغاية" إلى المخابرات الإسرائيلية. واحتوت تلك الوثائق معلومات استخبارية فائقة الأهمية عن دول كثيرة، بينها دول عربية. وفي سنة 1987، أنزلت المحكمة العسكرية الأميركية عقوبة صارمة بحق هذا الضابط، ولم تشفع له التدخلات الاسرائيلية والوساطات اليهودية الأميركية في تخفيف العقوبة، أو إصدار عفو جزئي عنه. وكانت ذريعة اللوبي اليهودي، آنذاك، أن هذا الضابط تجسس لمصلحة دولة صديقة، هي إسرائيل، وليس لمصلحة دولة عدوة.
مثّل الحكم القضائي الأميركي بحق بولارد صفعة لجميع مَن كان، وما زال، يزعم أن اللوبي اليهودي الأميركي يسيطر على القرار السياسي للولايات المتحدة، ورسالة إلى كل يهودي أميركي يرغب في أن يكون مزدوج الولاء. واللافت أن السلطات الأمنية الأميركية سارعت، بعد اعتقال بولارد، إلى إعادة فحص ملفات كبار الموظفين اليهود في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والجيش وأجهزة الأمن، ونزعت التصريح الأمني من أحد كبار الموظفين اليهود في وزارة الخارجية، لأن ثلاثة من أبنائه يعيشون في إسرائيل، ثم أُرسل إلى منزله ليتقاعد بهدوء، ولم يحتج اللوبي اليهودي على هذه الإجراءات البتة. ولو حدث مثل هذا الأمر في دولةٍ أخرى، غير الولايات المتحدة الأميركية، لكان اعتُبر معادياً للسامية، ولهاج اليهود ضده بصخب إعلامي مشهود. وحاولت إسرائيل، بجميع قواها، أن تفرج عن بولارد ففشلت، ورغبت في أن تقايضه بالأسرى الفلسطينيين، فوجدت جداراً ممانعاً. ثم منحته الجنسية في سنة 1995، لتسهيل انتقاله إلى سجن إسرائيلي فلم تنجح هذه الحيلة. وغير بعيد من هذا ما حدث في سنة 1953، حين اقتيد اليهوديان، جوليوس روزنبرغ وزوجته إيثل غرينغلاس، إلى الكرسي الكهربائي، وأُعدما بعدما أدانتهما المحكمة بالتجسس للاتحاد السوفياتي، وبيعه أسراراً نووية. ولم يتمكن اللوبي اليهودي من ثني الرئيس آيزنهاور عن التوقيع على الإعدام.
قصة جوناثان بولارد درس لجميع الجواسيس العرب، المخفيين منهم والمكشوفين؛ درس في أن إسرائيل لا تألو جهداً في استرجاع جواسيسها اليهود المعتقلين هنا وهناك، لكنها لا تعير وزناً للعملاء، ولا تفعل أي شيء لإنقاذهم، فهم مجرد مرتزقة، يتجسّسون لمصلحتها لقاء المال. هذا ما فعلته لإنقاذ إيلي كوهين من حبل المشنقة في دمشق ففشلت، لكنها نجحت في تخليص شولا كوهين في لبنان، وعزام عزام في مصر، ولاحقاً ألحنان تاننباوم في لبنان أيضاً، علاوة على عناصر الموساد الذين اغتالوا محمد بوشيخي في النرويج وناجي العلي في لندن. أما عملاؤها فمصيرهم يقرّره ما فعلته أصابعهم: المذلة والسجون. فشريف الفيلالي مات في سجنه في مصر، وارتمى في المزابل كل من عدنان ياسين ومصعب حسن يوسف من فلسطين، وأعداد لا تحصى من العملاء في لبنان، أشهرهم أحمد الحلاق (أُعدم) وأمين عباس الحاج (رئيس حرس كميل شمعون) وعلي الجراح ومحمود قاسم رافع وأديب العلم والعقيد منصور دياب وزياد الحمصي وروبير كفوري ومروان فقيه الذي ورث العمالة من والده كامل، وجودت الخوجة وحسن شهاب وكثيرون غيرهم.
حين انسحبت القوات الإسرائيلية، بصورة غير منسقة من جنوب لبنان في سنة 2000، فرّ أنطوان لحد إلى إسرائيل، وذُعر إتيان صقر (أبو أرز) الذي انقلبت محاليق عينيه، وسقط مغشياً عليه، فتبعه إلى تل أبيب، حذو النعل للنعل، ليعيش في مذلة وهوان. أما جوناثان بولارد فسيكون لدى الإسرائيليين أحد حُماة دولتهم، وواحداً من مقاتليها البواسل. وهكذا يصبح الجاسوس بطلاً، كاللص الذي بات شريفاً، بعدما أصاب ثراء من سرقاته. أما العميل فله الخزي الدائم وارتجاف الأطراف والهلع في كل لحظة.

دلالات