العبرية على مرمى حجر

العبرية على مرمى حجر

20 يونيو 2014
+ الخط -

لا يدور الحديث في هذا المقال عن القنوات الفضائية المصرية، وانتشارها العبثي، ولا يتعلق بمنظومة الإعلام الحكومي، صنعة الأنظمة الشمولية، أداة من أدوات الكذب والتضليل. بل على الإعلام العربي الموجّه لإسرائيل، وخرافة الريادة المصرية التي أصبحت مجرد ريادة في الردح السياسي اليومي.
على الصعيد الإعلامي، تعمل إسرائيل، بكل جدية وصمت، على اختراق البيت المصري والعربي، بوسائل إعلامها المقروءة والمسموعة والمرئية. والحقيقة أنها ناجحة بشكل كبير، إذا تم عمل استطلاعات رأي لعدد المتابعين المصريين والعرب، لإذاعة صوت إسرائيل بالعربية، التي تذيع على مدار الساعة أغاني كبار المطربين المصريين، أو القناة 33 الإسرائيلية التي تعرض معظم برامجها باللغة العربية، إضافة إلى فيلم من روائع السينما المصرية كل أسبوع، ستجد آلافاً من المصريين والعرب، يستمعون ويشاهدون ويستمتعون، إذا قرأت أن القناة الأولى الإسرائيلية ستذيع معظم مباريات كأس العالم 2014 المقامة في البرازيل مجاناً للجمهور الإسرائيلي؛ ستجد أن آلافاً من المشاهدين سيسعون إلى تركيب القمر الإسرائيلي، عاموس، ليستمتعوا بمشاهدة البطولة العالمية الأولى، مع الاستعانة بتعليق بالعربية على راديو، بعيداً عن الاحتكار التعجيزي لبث هذه البطولة عربياً.
في وسائل الإعلام الاجتماعي كمية غير بسيطة من الصفحات الإخبارية السياسية والثقافية والاجتماعية الإسرائيلية، الناطقة باللغة العربية، والتي تأسست لتوجه نحو المواطن الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي، والمواطن العربي في الأمصار الناطقة بالعربية. كما أن هناك صفحات بالعربية لرئيس إسرائيل، ورئيس الوزراء، ومعظم الوزارات الإسرائيلية، وصفحة للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وصفحات فنية واجتماعية كثيرة، وكلها يشترك في متابعتها آلاف من المصريين والعرب، بدراية أو بدون وعي، انظر من فضلك لصفحة، إسرائيل بدون رقابة، أو إسرائيل بالعربية، كي تعرف كمية المتابعين العرب، أنظر لمدى انتشار موقع المصدر الإسرائيلي، الناطق بالعربية، وكم يتابعه من المنتمين للوطن العربي.
ليست المشكلة في المتابعة بحد ذاتها، وإنما لأن متابعين كثيرين معجبون بالفعل بمحتوى وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعربية، والموجهة خصيصاً لهم، والتي تهدف إلى استقطابهم فكرياً، وليس استخبارياً، ونيل استحسانهم ومتابعتهم الدائمة. لا نقصد المعالجة السطحية لهذه الإشكالية، والتي يعزوها سطحيون كثيرون إلى تغلغل إسرائيل وتجسسها علينا عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وسقوط كثيرين من شبابنا ضحية الفخ الإسرائيلي الموسادي، فالتجسس الاستخباري لم يعد بحاجة لهذه الوسائل الساذجة التي ما زال إعلامنا يروجها، لعلنا نتذكر الإعلان المصري الكارثي، والذي تمت إذاعته بعيد ثورة 25 يناير، عن جواسيس يتجولون في شوارعنا، وكيف نقبض عليهم. القضية هنا أن دولة صغيرة زُرعت في قلب الوطن العربي، استطاعت منظومتها الإعلامية أن تتوغل وتنتشر، وتنجح في إيصال رسالة ورؤية إلى المواطن المصري والعربي. في المقابل، نجحنا، نحن، في كسر الرقم القياسي في الفشل الإعلامي الذريع. كل هذه القنوات، والإذاعات والمواقع والصفحات، والجرائد والمجلات والتطبيقات، وليس منها وسيلة واحدة ناجحة، يمكن التعويل عليها، لتصبح وسيلة إعلام موجهة للجمهور الإسرائيلي.
عشرات آلاف الشباب يتخرجون سنوياً من الجامعات المصرية، يحملون شهادة الليسانس في اللغة العبرية وآدابها، وآلاف يحملون الماجستير والدكتوراه في التخصص نفسه، ولا تجد منهم مَن يتحدث العبرية بطلاقة، سوى نزر يسير لا يُعدّ على أصابع اليدين سنوياً، لا نستفيد منهم في بناء منظومة إعلامية موجهة، فيتجه هؤلاء المقهورون إلى العمل في أي مكان، بعيداً عن تخصصهم، ومَن يعمل في تخصصه يتجه إلى مهنة الدروس الخصوصية للطلبة المستجدين في أقسام العبرية، أو يترجم من الصحف الإسرائيلية، من دون تعمّق أو فهم واعٍ، لصالح جريدة أو موقع إخباري.
حتى الآن، ما زالت جوانب كثيرة في المجتمع الإسرائيلي غامضة بالنسبة إلينا. وفي المقابل، تدرك وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماتنا واحتياجاتنا، فتذيع على قنواتها وإذاعاتها، وتنشر على صفحاتها ومواقعها ما يجذب المواطن العربي من فنون وثقافة وأدب وأخبار، ونحن ما زلنا نتحدث فقط عن العدو الإسرائيلي، الكيان الصهيوني، الاحتلال، من دون تجديد الخطاب، ومن دون التعمّق في الشأن الإسرائيلي والواقع المعاش في داخله، ومن دون استهداف الإسرائيلي بلغته.
تتمثل خرافة الريادة الإعلامية المصرية، في سياسات صفوت الشريف، وزير الإعلام المصري الأسبق، الذي جعل، هو وكل مَن جاء بعده،  من الإعلام المصري أضحوكة ومسخاً. وفي فترة غابرة من الزمان، كانت قناة النيل الدولية أحد المنابر الإعلامية الموجهة، بالإنجليزية، إضافة إلى أن جزءاً من إرسالها ناطق بالعبرية، فكان يظهر على الشاشة مقدمو نشرة إخبارية بالعبرية، ولم تحقق التجربة نجاحاً، لأنها جاءت بشكل سطحي وضحل، على الرغم من أن العاملين في هذا القسم معروف عنهم الكفاءة والطلاقة اللغوية العبرية، ومنهم مَن يعمل مترجماً فورياً. ولأن التجربة فشلت، تم إلغاء فقرة النشرة الإخبارية بالعبرية من قناة النيل، واستبدالها بموقع إلكتروني إخباري مصري بالعبرية، وأزعم أن لا أحد يتابعه من الجانب الإسرائيلي، ولا العاملين في مجال العبرية بمصر، ولم يتم تدشين المشروع إلا لأنهم لم يجدوا مجالاً مناسباً لهؤلاء العاملين المتميزين المتحدثين بالعبرية، باعتبارهم، أولاً وأخيراً، موظفون حكوميون لا يمكن الاستغناء عنهم.
أؤكد، مرةً أخرى، على مقدرة وتميّز المتحدثين بالعبرية في هيئة الإذاعة والتلفزيون المصري، أعرف بعضهم، إضافة إلى شبابٍ كثيرين خريجين من أقسام اللغات الشرقية، واللغة العبرية، في جامعات مصر، وأرى أنه يمكن الاستفادة من إمكاناتهم بمنهجية إعلامية محترفة، تتصدى لهجوم الإعلام الإسرائيلي علينا، بدلاً من توجههم للآخر ليتحدثوا معه بلغته، وبدلاً من ترك المجال مفتوحاً للإعلام الإسرائيلي، الموجه ليسيطر على عقولنا بلسان عربي مبين.

avata
avata
محمد عبد الدايم (مصر)
محمد عبد الدايم (مصر)