الدولة اليهودية وديمقراطية الاحتلال

الدولة اليهودية وديمقراطية الاحتلال

23 يونيو 2014
+ الخط -
في عام 1971، تم تدشين حركة "كاخ" اليمينية العنصرية، على يد الحاخام المتطرف مئير كهانا الذي قدم إلى إسرائيل في العام نفسه. وكلمة "كاخ"، هي اختصار عبارة "كهانا إلى الكنيست" في العبرية، ورفعت شعار "فقط هكذا"، واستهدفت إعلان إسرائيل دولة شريعة يهودية، وطرد الفلسطينيين من كامل أرضهم، ورفض حقوقهم المدنية والتاريخية. وبعد شد وجذب مع المجتمع، ولجنة الانتخابات المركزية، طيلة 13 عاما، فازت الحركة بمقعد واحد في الكنيست عام 1984، تقلده زعيم الحركة كهانا، ثم في عام 1988 أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في إسرائيل شطب الحركة مجددا من قائمة الأحزاب، بسبب برنامجها العنصري، وبعد مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل على يد أحد أفراد الحركة، أعلنتها إسرائيل تنظيماً إرهابياً، وقبلها عام 1990 اغتيلَ مئير كهانا في نيويورك.
تهدف هذه المقدمة إلى الإشارة إلى أن إسرائيل تحاول أن تنفض عن نفسها تهمة العنصرية، وأنها، كما تعلن، تريد أن تبدو دولة لكل مواطنيها. لكن الواقع والتاريخ يؤكدان أنها دولة عنصرية في المقام الأول، تحتل أرضاً، وتطرد أهلها، وترفض عودتهم، وتجبر من بقي فيها على التسليم بأنها دولة يهودية وديمقراطية، وإلا مصيرهم الطرد مثل غيرهم، والحقيقة أنها دولة احتلال، ترفع قيماً أبعد ما تكون عن المواطنة وحقوق الإنسان. ليس كهانا وحده  العنصري المتطرف، بل كل قادة إسرائيل كذلك، فقد عبّر بشكل جلي عن التناقض بين اليهودية ديناً والديمقراطية فكراً سياسياً، باعتباره أن إسرائيل لا يمكن أن تكون إلا دولة شريعة يهودية، ومن يرفض ذلك، لا مكان له فيها.
لم يكن الإلحاح الإسرائيلي على مسألة يهودية الدولة في جولة المفاوضات الحالية مع السلطة الفلسطينية أمراً جديداً، أو مفاجئاً، فهذه المسألة إحدى أهم ركائز الخطط الصهيونية، منذ تبلورت في المؤتمر الصهيوني الأول في سويسرا عام 1897. بعد قيام إسرائيل، وُضعت يهودية الدولة أساساً للمواطنة في فلسطين المحتلة، فقد ورد التأكيد على يهودية الدولة ضمن وثيقة إعلان قيام إسرائيل، التي صدرت عام 1948.
طوال عقود، تقلد في معظمها اليمين المتشدد في إسرائيل مقاليد الحكم، ومن ثم المفاوضات مع فلسطين والعرب، تكرر حديث قادة إسرائيل عن ضرورة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ما يعني بوضوح ضياع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والتخلص من المواطنين الفلسطينيين في الداخل، في تناقض واضح لما تعلنه إسرائيل من أنها دولة لكل مواطنيها.
وتهدف إسرائيل من ترويجها مسألة يهودية الدولة إلى جذب مزيد من اليهود في العالم إليها، والأبعد من ذلك، أنها تهدف إلى إضفاء هالة من الشرعية على هدف صهيوني قديم، وبالتالي، ترسخ ما تدعيه من شرعية تاريخية على أرض فلسطين، تواجه بها أي مسعى إيجابي، يثمر جديداً في عملية السلام.
المثير في تمسك إسرائيل بمسمى دولة يهودية هو إرفاقه بالديمقراطية، لتعلن عن نفسها "دولة يهودية وديمقراطية"، وهو مسمى متناقض تمامًا، فكيف تكون دولة ما ديمقراطية، وهي تجبر كل من يعيشون فيها على اعتناق فكر ديني واحد، شريطة منحهم حقوق المواطنة، والأدهى أنها تحتل أرضاً، وتسعى إلى إجبار أهلها على اعتناق فكرها ودينها الأحادي، وإلا يكون مصيرهم الطرد من أرضهم التي وُلِدوا فيها وعاشوا عليها.
إذاً؛ تعتبر إسرائيل حالة استثنائية، اعتمدت فيها الصهيونية، كحركة استعمارية علمانية، على الدين كحجة تاريخية لتبرير احتلال الأرض وطرد السكان، ورفض عودة اللاجئين والتوسع في الاستيطان والسيطرة. هذا الخلط الفاضح بين الدين والسياسة هو حجر الأساس الذي تستند إليه إسرائيل، في وجودها على أرض فلسطين، اعتماداً على تزييف الحقائق، باعتبار أن ما تحتله من أرض عربية، وما تسعى إلى احتلاله، إنما هو جزء من دولة مستقلة ذات سيادة، أقيمت كدولة يهودية على أرضٍ، بفعل الحق الطبيعي والتاريخي للشعب اليهودي في أن يعيش مستقلاً في دولة ذات سيادة. مازال التأكيد على هذا المنحى الصهيوني، سارياً حتى الآن في كل التشريعات المتعلقة بالجنسية والهوية، وقوانين الانتخابات، وحرية العمل وغيرها، إذاً فالمواطنة في إسرائيل، تعتبر من وجهة نظرها، حقاً حصرياً لليهود فقط، سواء أكانوا على الأرض أم خارجها، كما قال ديفيد بن غوريون عام 1950.
avata
avata
محمد عبد الدايم (مصر)
محمد عبد الدايم (مصر)