لبنان النائي بنفسه

لبنان النائي بنفسه

03 ابريل 2015
+ الخط -
أعلن رئيس حكومة لبنان، تمام سلام، في كلمته أمام مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ، موقف بلاده الرسمي من أحداث المنطقة وتطوراتها، لا سيما من "عاصفة الحزم" التي بدأتها عشر دول عربية وإسلامية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، تحت عنوان الدفاع عن اليمن وحماية الشرعية فيه، وهو موقف عبّر فيه سلام عن وقوف لبنان مع الإجماع العربي، إلا أنه رفض فيه الانضمام إلى أيٍّ من محاور المنطقة، مشدداً على "سياسة النأي بالنفس" التي ابتدعها النظام اللبناني أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عهد الرئيس ميشال سليمان حيال الوضع في سورية. يومها، وأمام الانقسام اللبناني الداخلي بين مؤيد للنظام السوري، وآخر مؤيد لثورة الشعب السوري، انعكاساً للانقسام بين فريقي 8 و14 آذار، اتخذت حكومة الرئيس ميقاتي مبدأ "النأي بالنفس" على المستوى الرسمي، حتى يبقى لبنان في منأى عمّا يجري في سورية، وهي سياسة، مع تحفّظ كثيرين عليها، إلا أنها استطاعت أن تحفظ لبنان من الانزلاق إلى أتون الازمة السورية، وإن كان حزب الله انخرط حتى شحمة أذنيه بالصراع، قتلاً وقتالاً، إلى جانب النظام، فيما كانت مجموعة أخرى غير منظمة أو منضبطة تعلن وتجاهر بوقوفها إلى جانب النظام السوري، حتى أن بعضها شارك فعلياً، أيضاً، بالقتال إلى جانب ثورة الشعب السوري.
 
يعود رئيس الحكومة الحالي، تمام سلام، إلى المبدأ نفسه، سياسة النأي بالنفس. ولكن، هذه المرة، بالنسبة إلى ما يجري في اليمن، وبالنسبة لقرار السعودية شنّ عاصفة الحزم. ويأتي هذا الموقف للحكومة اللبنانية، في وقت تموضعت فيه القوى السياسية اللبنانية في شكل يكرّس حالة الانقسام والاستقطاب، القائمة منذ قرابة عشر سنوات في لبنان، لتعكس حجم التوتر والاستقطاب الإقليمي أيضاً.
فبعد انطلاق عاصفة الحزم، أبدى كل من رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، والجماعة الاسلامية موقفاً واضحاً بالوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية ودول التحالف في عاصفة الحزم، محملين جماعة الحوثي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. في مقابل ذلك، شنّ حزب الله وأمينه العام، حسن نصر الله، هجوماً عنيفاً على المملكة، واتهم قيادتها بالعمل من أجل الهيمنة على اليمن والمنطقة، وسفك الدم اليمني، ما استدعى رداً سريعاً من الحريري. في حين اكتفى زعيم التيار الوطني الحر، ميشال عون، بالصمت ولم يعلق على الأحداث سلباً أو إيجاباً، وذلك كله جعل الموقف الرسمي اللبناني أكثر إرباكاً، خصوصاً وأن حكومة الرئيس تمام سلام تعتبر حكومة وحدة وطنية، تتمثل فيها أغلب القوى السياسية. وإلى الآن، استطاعت هذه الحكومة أن تحتفظ بهذا الموقف "النائي" بلبنان عن هذه المحاور، إلا أنه من غير المعلوم إلى متى يمكن أن يستمر هذا الموقف، بل هذا الوضع في لبنان، مع ارتفاع منسوب حدة الاستقطاب وانسداد أفق الحلول لمعظم أزمات المنطقة.
لعلّ أول ضحايا الاستقطاب المتجدد في لبنان على خلفية اليمن، هذه المرة، استمرار الفراغ والشغور في سدة الرئاسة الأولى، والتي ناهزت، حتى اليوم، عشرة أشهر، من دون أن تلوح في الأفق أية بارقة أمل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبالتالي، يعمق ذلك، أيضاً، أكثر فأكثر الهوّة بين اللبنانيين، وفي بنية النظام السياسي اللبناني. ولعلّ الضحية الثانية الحوار الذي يجري بين حزب الله وتيار المستقبل، من أجل تخفيف التوتر والاحتقان. وعلى الرغم من تأكيدات صدرت عن الجهات المعنية بمواصلة الحوار، وعدم تأثره بالنبرة الحادة والعالية التي استخدمت في مواقف هذه الجهات، إلا أن عدم انتهاء الجلسات الحوارية إلى شيء جدّي حقيقي يطمئن اللبنانيين، واستمرار صدور المواقف الحادة، وطول الأزمة في اليمن أو سورية أو العراق، وتطورها إلى أشكال أخرى من المواجهة التي يمكن أن يقال إنها باتت مفتوحة بين السعودية وإيران، سيجعل الحوار مادة للملهاة لا تنتج شيئاً، بل قد يكون لها مردود سلبي في لحظة الحقيقة، ليبقى الضامن الحقيقي لاستقرار لبنان، ويظلّ لبنان جزءاً حقيقياً وفعلياً وفاعلاً في محيطه العربي، وليس في سياسة نأي هنا أو دس للرأس في الرمال هناك، أو تنفيذ أجندات إقليمية طامحة في مكان آخر.