سؤال فرج فودة

14 يونيو 2022
+ الخط -

لماذا فرج فودة؟ لماذا سطع، ولماذا أثار الجدل، ولماذا نستعيد ذكراه، ولماذا قتلوه؟ فرج فودة ليس مفكرا، أو صاحب إسهام فارق. هذا بديهي، لسنا أمام حسن حنفي أو نصر أبو زيد أو غيرهما من أصحاب المشروعات الفكرية. نحن أمام كاتب "شاطر"، وناشط سياسي "شجاع"، إلا أن ميزة فودة التي حملها، طوال حياته، فحملته حيّا وشهيدا، أنه وجد السؤال، ونجح في طرحه.
واجه فرج فودة صعود الإسلاميين، في زمن الصحوة، وتصوّراتهم في شؤون الدين والدولة والاجتماع والعمران، والتي وجدها غير مصرية، وغير إسلامية، وغير حقيقية، والأخطر من ذلك كله أنها غير سياسية بأي مستوى، ولا ترتكن على أي شيءٍ سوى الدعاية، ظاهرة صوتية، دعائية، شعاراتية، بامتياز، فتساءل فودة: ما البرنامج؟ لم يجد الإجابة، بل طالبه الطرف الآخر بأن يجيب هو عن سؤال البرنامج بوصفه مسلما، في تهكّم العاجز الذي لم يمنع فودة من مواصلة السؤال: ما البرنامج؟ ماذا لديكم؟ كيف ستواجهون مشكلات البطالة.. التضخّم.. التعليم.. الصحة.. ولا إجابة، من يوم فودة إلى يومنا.
جاء السؤال، على بداهته، صادما، ومهينا، لم يتعوّد خصوم فودة السؤال، فهم، طوال الوقت، أصحاب الحق الديني والحصري في تقديم الإجابات، ولكن.. هل كان ذلك، وحده، كافيا لقتل فودة؟ هل كانت أفكار محمد الغزالي أو محمد عمارة أو حتى مرشد الإخوان المسلمين، مأمون الهضيبي، وراء قتله؟ لقد اختار فودة أن يناظر الغزالي وعمارة، تحديدا، وطلب ذلك من رئيس الهيئة المصرية للكتاب، سمير سرحان، حين عرض عليه فكرة المناظرة، وعلّله بأنه يحترمهما، ولم يمنعه ما حدث من جمهور الإسلاميين في مناظرة معرض القاهرة للكتاب من تكرار التجربة بعدها بأسبوعين، ووافق على مناظرة عمارة، تحديدا، مرّة أخرى، في الإسكندرية، في لقاءٍ نظمته جماعة الإخوان المسلمين. ويعرف كل من قرأ فودة أنه ممتلئ بأفكار الغزالي وعمارة، وغيرهما من الإصلاحيين. يستشهد فودة في كتبه بآراء محمود شلتوت ومحمد الغزالي وعبد المنعم النمر، بل والفقيه الإخواني سيد سابق، في موضع الاحتفاء والتوافق. ولا تختلف أفكار فودة الدينية، عنهم، سوى في شؤون الحكم والسياسة.. لعبته، وشغلته.
لم يكن هؤلاء، في تقديري، قتلة فودة، وإن كانت مادة مناظرته معهم، وغيرها من مداخلاته، أحد محفزّات ارتكاب الجريمة وتبريرها وتمريرها. وبالمناسبة: أحد أكثر الندوات التي يستشهد بها مؤيدو قتل فودة ندوة كانت تديرها نوال السعداوي، رحمها الله. وتأوّل القتلة كلام فودة، وصرفوه إلى الكفر، ووصموه بالردّة، وحكموا عليه بالقتل، ونفذوا.
لم تكن كلمات فودة هي التهمة، بل المبرّر، لم يكن الطريق هو الذي أودى به، بل الطريقة، لم يكن سؤال القتلة، ماذا فعل فودة؟، بل كيف فعلها؟ والدليل أن أحدًا لم يقتل من كرّروا الكلام نفسه، أو سبقوه إليه، وأغلب آراء فودة صياغات ذكية لآراء مسبوقة، أو تجاوزوه. لم يُقتل أحد حسين أحمد أمين الذي تأثر به فودة في كتاباته الإسلامية، أو محمد سعيد العشماوي الذي أخذ فودة عنه (أو منه) بعض أفكار "الحقيقة الغائبة"، أو رفعت السعيد الذي قال مثل فودة وأكثر، أو فؤاد زكريا.. فلماذا قتلوا فودة من دون غيره؟
كان خطاب فرج فودة المعادل العلماني لخطابات الإسلاميين، في زمانه. يؤلّف محمد عبد السلام فرج "الفريضة الغائبة"، فيلعب فودة اللعبة نفسها، وبلغة أكثر رشاقة، و"حرفنة"، ويكتب "الحقيقة الغائبة". يتعامل فودة مع التاريخ وفق "منهج عبد السلام"، وغيره من الشعوبيين، الانتقاء نفسه، الاجتزاء نفسه، حضور النتيجة قبل البحث، غياب المعرفة لصالح الأيديولوجيا. ويصل فودة، بالمنهج نفسه، والمراجع نفسها، إلى نتيجة مضادّة، من هنا، يأتي الغيظ.. الغضب.. الحنق.. الجنون، لقد أفسد فودة على الإسلاميين لعبتهم، واجههم بأدواتهم، فند آراءهم بأقلامهم، فكّك أوهامهم بمراجعهم، ووصل إلى جمهورهم بهم، وسألهم، بوضوح، فلم يجيبوا. تساوت الرؤوس، وكادت رأس فودة أن تعلو، فكان لزاما أن تطير. ألف رحمة ونور عليه.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان