عادل إمام... قصة نجاح "حقيقي"

عادل إمام... قصة نجاح "حقيقي"

21 مايو 2024
+ الخط -

اختاره عبد المنعم مدبولي ليلعب دور دسوقي أفندي في مسرحية "أنا وهو وهي"، (بطولة فؤاد المهندس وشويكار، إنتاج 1963). كان عادل إمام وقتها مُمثّلاً عادياً، واحداً من آلاف، لا اسم، ولا شهرة، ومع ذلك رفض، وقال لمدبولي إنّه لا يمثّل "كوميدي"، وإنّه حصل على جوائز جامعية عن أدواره في مسرحيات عالمية. فردّ مدبولي: جرّب! 
لعب عادل دور دسوقي أفندي، وفي ظهوره الأول على خشبة المسرح لم يُصفّق له أحد، باعتباره "كومبارس"، لا يعرفه أحد، لكنّهم صفقوا له بعد مشهده الأوّل، وكان مُجرّد ظهوره، ومشيته، وتعليقاته، عنوانَ الضحك والبهجة. كان "دسوقي أفندي" فاتحة نجومية، أو كما يقول الصنايعية "فتح انطلاقة"، لكنّه كاد أن يتحوّل إلى سجن، وقالب وحيد، حين قرّر بعض المُخرجين، استسهالاً، اختزال المُمثّل الشاب عادل إمام في "دسوقي أفندي"، فكانوا يرسلون إليه عروضاً بالحضور في ملابس "دسوقي أفندي" لأداء مشهد في فيلم، هنا أو هناك، لإضحاك الناس، وكان ذلك كفيلاً بتحقيق بعض الدخل للمُمثّل الفقير وقتها، وبعض الانتشار أيضاً، ومع ذلك، رفض عادل إمام. ومرّت عليه أيامٌ وشهورٌ بلا عمل، وبلا خمسين جنيه في جيبه، على حدّ تعبيره، من دون أن يُفكّر في تكرار شخصية دسوقي، أو التحوّل إلى مُجرّد مشهد هزلي، كان عادل إمام، كما حكى عنه صلاح السعدني مع الإعلامي مفيد فوزي، يستهدف منذ بدايته أن يكون المُمثّل الأهم في مصر والوطن العربي، ولم يكن ثمّة دليلٌ على إمكانية حدوث ذلك، سوى إيمان عادل بنفسه. 
ليس من المدهش أن يتصوّر بعض المتابعين أنّ صعود عادل إمام سببه الرئيس والوحيد، في رواية أحدهم، أنّه فنانُ سلطة، ليس مدهشاً لأنّ منجز عادل أكبر من مُجرّد شخص، أو رجل واحد، كما أنّه ليس مدهشاً لأنّنا نشأنا في ظلّ أنظمة سياسية قضت على آلاف المواهب، وأودعتهم سجون الحسرة واليأس والإحباط، لصالح آخرين من أهل الثقة، معدومي القيمة والمواهب، ولذلك، لن يبدو مقنعاً، أنّ أحدهم وصل بموهبته، أو بعمله، أو بجهده واجتهاده وذكائه، ومراقبته خطواته منذ مرحلة الحبو. تكرّرت هذه الحجج، المفهومة والمبرّرة، وغير الدقيقة، مع آخرين، أبرزهم أمّ كلثوم وعبد الحليم حافظ، اللذان واجها في حياتهما، وبعد موتهما، اتهامات بأنّ نجاحهما صنيعة نظام جمال عبد الناصر. ومات ناصر، وسقطت دولته في 1967، وجاءت دولة أخرى، امتداداً لدولته، نظرياً، لكنّها ليست كذلك، لا في سياساتها، ولا في توجّهاتها، ولا في انحيازاتها، دولة قامت على أنقاض ناصر، الشخص والمشروع، ومشت على خطه بـ "أستيكة" (ممحاة) بتعبير أحمد بهاء الدين. دولة غير الدولة، ورجال غير الرجال، وزمن غير الزمن، ورغم ذلك، لم تنتهِ حكاية أمّ كلثوم، ولم تنتهِ حكاية عبد الحليم، واستمر تأثيرهما بعد رحيلهما بنصف قرن. وما زالا حديث الجماهير والنقّاد والكُتّاب ومؤرّخي الفنّ، ولا سبب في ذلك سوى ما قدّماه؛ فنّهما، من دون أي شيء آخر. 
لا تصنع الأنظمة الاستبدادية نجاحات أحد، المُستبدّ بطبعه نرجسي، ومغرور، ومسمم، ولا يطيق نجاحات الآخرين، إنّما تستثمر الأنظمة في الناجحين بالفعل، تدعمهم لتحصل في المقابل على دعمهم، أو تهدّدهم وتبتزّهم بإعاقة مسيرتهم، فيصبح الولاء مقابل مُجرّد السماح بالعمل، هنا تفاصيل كثيرة ومُعقّدة، أخلاقية في الأساس، تتعلّق بالقدر المسموح وغير المسموح به من الانحياز لسلطة استبدادية، أو مجاراتها، لكنّها تفاصيل تخصّ صاحبها أكثر مما تخصّ مشروعه ومنجزه. وإذا كان الحديث عن نجاح عادل إمام، حجمه وتأثيره، والذي لا ينافسه فيه أحد، ممن سبقوه، فإنّ المُحدّد الأبرز هو خضوع عادل، غير المشروط، لسلطة الأغلبية، فقد اختار الزعيم، منذ اليوم الأوّل، أن يكون نجم "العاديين"، وصورتهم عن أنفسهم، كما يتمنونها، وكما لخّصها مخرج مدرسة المشاغبين جلال الشرقاوي، في تحليله ظاهرة عادل إمام، في نقاط ثلاث مكثّفة؛ الشاب الذي يرتدي الجينز، والذي تحبّه كلّ النساء ويقبلونه، والذي يضرب كل أشرار الفيلم، وينتصر.