نجوم تونس تنطفىء وحيدة: بالمرض والإفلاس والنسيان

نجوم تونس تنطفىء وحيدة: بالمرض والإفلاس والنسيان

08 اغسطس 2015
الصغير أولاد أحمد قبل أن يقعده المرض (العربي الجديد)
+ الخط -
"منية تعيش أيامها الأخيرة إن لم تكن ساعاتها الأخيرة. هي في آخر أطوار المرض ولا ينفعها الآن دعم من وزارة الثقافة أو من أيّ إنسان"، تقول السيدة مفيدة الورتاني، أخت الممثلة منية الورتاني. وتضيف في حديث لـ "العربي الجديد": "عندما استحقّت أختي دعماً لم تجده والآن لا معنى لأيّ شيء".

تصارع الممثلة منية الورتاني سرطان الرئة منذ سنة. هي التي اكتشفته في وقت متأخّر. لكنّها واظبت على العلاج الكيميائي الذي كلّفها أموالا طائلة. والورتاني وجه تلفزيوني ومسرحي معروف في تونس. قدّمت العديد من الأعمال الناجحة. وكان مرضها السبب الرئيسي وراء غيابها عن الدراما الرمضانية مؤخّرا رغم حضورها الدائم خلال السنوات السابقة.

منية الورتاني هي واحدة من الفنانين والمثقفين الذين كبّلهم المرض، جمعتهم سابقاً الشهرة والأضواء ويجمعهم اليوم المرض والنسيان.

أسماء كثيرة
الفنانة نعمة والممثلة دلندة عبدو وفنانة الغناء الشعبي فاطمة بوساحة والشاعر الصغير أولاد أحمد، والممثل أحمد السنوسي وآخرون كثيرون يشتركون مع الفنانة منية الورتاني في أوضاعهم الصحيّة الصعبة، وفي تكبّدهم صعوبات مادية تمنع بعضهم من الحصول على العلاج اللازم، وإن اختلفت الأمراض وتفاصيل أوضاعهم الاجتماعية.

ربما يجد البعض أنّ الفنان الذي يهب حياته لفنّه وجمهوره يستحقّ في المقابل اهتماماً ووقفة مميّزة، وخصوصاً من المسؤولين الرسميين في السلطة. على اعتبار أنّ فنّاني أيّ بلد إنّما يعكسون صورتها في الخارج والداخل، وبالتالي فهم لا شكّ يستحقّون ألا تتنكّر لهم حكوماتهم.
في المقابل، يردّ آخرون بأن لا أحد يستحقّ معاملة خاصّة، وأنّ على الدولة أن لا تميّز مواطناً عن آخر، مهما كان ظرفه أو صفته. هكذا عاد الجدل حول هذا الموضوع هذه الأيام في تونس، وخصوصاً بعد تدهور صحّة العديد من الفنانين المشهورين.

دلندة عبدو
تتحدث سلوى عن أختها الممثلة دلندة عبدو قائلة إنّها "منذ سنتين لا تغادر الفراش إلا نادراً". وتضيف في حديث لـ "العربي الجديد": "لم يكن سهلاً فهم مرضها، وعند اكتشافه تبيّن أنّ الحلّ هو إجراء عملية جراحية خطيرة وغير محبّذة، خصوصاً لدى المتقدّمين في السنّ".
تستنكر الشقيقة الغاضبة هجران مسؤولي وزارة الثقافة والفنانين لأختها، تحديداً بعد تدهور صحّتها مؤخّراً: "دلندة فنّانة حسّاسة جداً، تجد في كلّ مرة الأعذار لزملائها لكنّني لا أجد مبرّرا لمن لا يتّصل بها ولو هاتفياً لمواساتها". تذكر هنا زيارة وزير الثقافة السابق مهدي المبروك، وتكريمها من قبل الوزير الأسبق مراد الصقلي، وتوضح: "لم تهتم الوزيرة الجديدة بحال أختي ولم ترسل أحداً يدعمها ولو معنويا".

اقرأ أيضاً: شارلي وينستون من قرطاج: جئتُ حتى لا ينتصر الإرهاب

دلندة عبدو ممثلة من زمن الأبيض والأسود، انطلقت مسيرتها المسرحية منذ العام 1947. عرفها التونسيون من خلال أعمال تلفزيونية وإذاعية ومسرحية عديدة. كانت من أولى ممثلات فرقة مدينة تونس للمسرح، واشتهرت بأداء دور المرأة العجوز حتّى عندما كانت في العشرينيات من العمر. من أشهر أعمالها مسرحيات "بابا وحماتي" و"عائشة القادرة". في الإذاعة اشتهرت بدور "أمّك فونة" في "دار عمي سي علالة"، وفي التلفزيون كان دور "هناني" في "محل شاهد" أبرز أعمالها.

تعيش دلندة عبدو حالياً من راتب بسيط جزاء عملها سنوات طويلة في الإذاعة التونسية. تقول أختها إنّه "لا يكفي لتوفير علاجها".

وزارة الثقافة؟
يقطن معظم الفنانين المعروفين في العاصمة التونسية. وهم بذلك يتبعون إدارياً المندوبية الجهوية للثقافة بالعاصمة. يتّجه بعضهم إليها عند الحاجة والمرض، ويخجل بعضهم الآخر فينزوون في بيوتهم. يقول المندوب الجهوي للثقافة بتونس، محمد الهادي الجويني، في حديث لـ "العربي الجديد": "نحاول أن نلعب دورا يصل بين وزارة الثقافة وبين الفنانين.

وقد تدخّلت الوزارة في بعض الأحيان. ساعدنا الفنانة الكبيرة منية الورتاني عند اكتشاف مرضها، لكنّ الإمكانات محدودة ولا يمكن عمل الكثير، خصوصاً إذا كانت تكاليف العلاج باهظة جداً".

وترصد وزارة الثقافة ضمن موازنتها اعتماداً خاصاً منذ سنوات لتغطية حاجات بعض الفنانين الذين يمرّون بأوضاع اجتماعية صعبة. لكنّه مبلغ لا يكفي لتغطية أبسط الحاجات. ووزيرة الثقافة لطيفة الأخضر أعلنت في أبريل/نيسان الماضي عن خمس أولويات لوزارة الثقافة منها ملفّ مساعدة الفنانين، لكن لم يعلن عن أيّ قرار أو تطوّر منذ ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: "سامايا" الجورجية تبهر جمهور "قرطاج"

الجويني يؤكّد أنّ الوزيرة تتّجه نحو "الدعوة إلى سنّ قانون يحمي المثقفين والمبدعين بصفة عامة من غدر الزمن والمرض". وتقدّم وزارة الثقافة منحة إلى الفنان ليتجاوز العقبات المادية بحسب وضعه والملفّ الذي يقدّمه، و"تتمّ دراسة الملف خلال فترة لا تتجاوز 24 ساعة بالنسبة إلى الحالات العاجلة".

رئيس الحكومة
في مستهلّ شهر أغسطس/آب، زار رئيس الحكومة التونسية الشاعر الصغير أولاد أحمد الذي يعاني من مرض عضال منذ فترة. وأكد رئيس الحكومة خلال الزيارة على "دور الدولة في رعاية مثقفيها ومبدعيها". وأعلن عن "تكوين لجنة حكومية لتطوير الإطار القانوني للتغطية الاجتماعية والرعاية الصحية لفائدة الفنانين والمبدعين". كما تضمّنت جلسة عامة لمجلس نواب الشعب منذ أيام قليلة دعوات إلى وزارة الثقافة ومؤسسات الدولة، لتوفير دعم للفنانين الذين يعانون أمراضاً خطيرة تتطلب علاجا باهظاً يعجزون عن توفيره.

ومع تدهور صحة العديد من الفنانين، أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات تطالب الحكومة بالتكفّل بمصاريف علاجهم، ناشرين صورهم ومذكّرين بأعمالهم، بينما طالب آخرون بتوعية الفنانين إلى ضرورة الانخراط في نظام التغطية الاجتماعية؛ وهم في أوج عطائهم والتفكير منذ صغرهم في "اليوم الأسود". فيما تبدو النقابات الفنية غائبة كليّاً عن الصورة.

اقرأ أيضاً: حكايات هزّت تونس

المساهمون