عن شيوخ الغرب وخطابهم المتهوّر

عن شيوخ الغرب وخطابهم المتهوّر

05 مارس 2015
الملا كريكار في صورة من التلفزيون النرويجي
+ الخط -
قبل أيّام، شاهد آلاف الاسكندنافيين مقابلة أجراها التلفزيون الرسمي النرويجي مع نجم الدين فرج أحمد، الملقّب بالملا كريكار، وهو أحد مؤسسي جماعة "أنصار الإسلام" في شمال العراق.
بوضوح قال كريكار إنّه يسعد ويفرح عندما يشاهد لقطات الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو". وقد يقول قائل: هذا رأي الرجل وهو حر في التعبير عنه. لكن ما هو ثمن هذا الموقف بالنسبة لمئات الآلاف من المسلمين في الدول الاسكندينافية؟ لا يبدو كريكار مهتماً، فيكمل كلامه التلفزيوني رافعاً قبضة يده اليمنى لإثبات جديته: "حدودنا حدود الدم... حدود متفجرات". يهلل كريكار لمن سماهم "أبطالاً مجاهدين" وهو يشير إلى منفذي اعتداء فرنسا.
يعيش كريكار منفياً في أقصى شمال النرويج بعيداً عن التجمعات السكانية، بعدما قضى عامين وبضعة أشهر في السجن بسبب تهديده العلني لسياسيين وناشطين أكراد.
كريكار الذي هدّد كثيراً في المقابلة، وتمنى وصول التفجيرات "عند باراك أوباما"، ليس وحيداً، فمثله مثل الكثير من الشيوخ الذين يطلون في وسائل الإعلام الغربية. يطلّ هؤلاء بلبساهم الديني، ويصرّون على التكلّم باللغة العربية، ويخرجون على المشاهدين بأحكام قرآنية، لن يفهمها أحد من المتلقين الاسكندينافيين، حتى المسلمون بينهم. ثمّ يصرّ قسم كبير من هؤلاء على تشويه صورة الإسلام. على التهديد، من دون التفكير بانعكاس ذلك على المشاهد، كيف سينظر الموظف السويدي مثلاً إلى زميله المسلم في العمل بعد كل هذه الحدّية والعنف في الكلام.


[إقرأ أيضاً: راسموس: الدنماركي الذي تحدّى العنصرية]

يغيب خطاب السياسة والمقارنة عن أحاديث هؤلاء، مثلما يغيب الواقع وفقهه عن بالهم وهم ينظرون إلى الكاميرا متناسين مصالح ملايين البشر في الغرب. وبالرغم من أن بعض هؤلاء المشايخ يخرجون على القنوات والصحف ليكفروا الغرب ومع ذلك يتمسكون بالإقامة في هذه البلاد "الكافرة". لكن هذا التناقض تحديداً هو ما يجذب الإعلام الذي يقدّم هؤلاء الشيوخ كـ"ممثلي الجاليات المسلمة".
وفي غمرة الحماسة يعلق في ذهن المشاهد المتلقي قراءة الشك والريبة بمواطنين آخرين، مسلمين، يقدمهم كريكار وغيره، كمهاجرين في سبيل الانتقام ولا شيء غيره. سياسة المقارنة المنطقية بين جريمة أندرس بريفيك اليميني المتشدد وقتله لأكثر من 74 شاباً وشابة في جزيرة خارج أوسلو لا يعني هؤلاء المطلّين على الإعلام بقدر ما يعنيهم غياب أي نقاش منطقي وسليم عن حدود حرية التعبير والرأي. حرية التعبير المقدسة والمهمة في الغرب لأسباب كثيرة أبرزها التاريخ الطويل من الطغيان والحكم المطلق وتحكم الكنائس بحياة الشعوب.
كل ذلك لا يعني هؤلاء الشيوخ الذي يطلّون علينا من دون أي كلام منطقي أو أي إشارة إلى القوانين أو العنصرية الموجودة في الغرب. يهاجمون ويهددون فقط.
هؤلاء للأسف يطلقون النار على أقدامهم وأقدام مئات آلاف الشباب العرب والمسلمين في الغرب. وقد يبدو كل شيء مصادفة، لكن من يعرف طبيعة الإعلام الغربي وتغليفه الاستشراقي لصورة المسلمين سيعرف بأن لا شيء فيه صدفة بين تغييب واستحضار في خدمة تطويع عقل المتلقي.


المساهمون