مدفع رمضان.. طلقات تنشر الفرح في قطر

مدفع رمضان.. طلقات تنشر الفرح في قطر

03 ابريل 2022
يبث العرض البهجة في الحاضرين (معتصم الناصر)
+ الخط -

عديدة هي العادات والمفردات التراثية التي ترافق شهر رمضان من المشرق إلى المغرب، ومن العادات التي يتلهف الجميع لقدومها وعودتها بفرح وابتهاج مدفع رمضان.

ويعتبر مدفع الإفطار عادة رمضانية تراثية تكاد جلّ الدول الإسلامية تشترك فيها، ومن بينها قطر، إذ يعمد عدد من الجهات إلى اتخاذ مكان مميز له طيلة الشهر، ومن بينها سوق واقف التراثي والمؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا".

وتتحول هذه القذيفة، التي كانت تثير الذعر والخوف أيام الحرب، إلى قذيفة تنشر الفرح والانشراح أيام السلم، مثل الطلقات المدفعية التي تطلق عند استقبال كبار الضيوف، أو أيام الاحتفالات الوطنية الكبرى.

وقال مدير الشؤون الثقافية والفعاليات في المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" خالد عبد الرحيم السيد، لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن مدفع رمضان من ضمن الفعاليات الرئيسية لـ"كتارا" في رمضان، موضحاً أن مدفع رمضان له مكانة خاصة في نفوس المواطنين والمقيمين، ويستقطب جمهوراً غفيراً قبيل لحظات أذان المغرب في رمضان، نظراً لرمزيته الكبيرة، كما أن القطريين لهم ذكريات مع هذه العادة الحميدة التي ارتبطت في الوجدان مع وقت الإفطار، إذ كان الذين يتعذر عليهم سماع صوت الأذان تتيح لهم طلقة المدفع معرفة نهاية يوم الصوم، وإيذاناً بالطعام والشراب.

الباحث في التراث القطري خليفة السيد قال إن للمدفع استخدامات شتى، منها الإعلان عن دخول شهر رمضان وانصرافه، ودخول عيد الفطر، وفي المناسبات، أو عندما يحل بالبلد ضيف كبير، بالإضافة إلى احتفالات الزواج في "العرضة"، والاستعداد للحرب.

وأشار إلى أنه "بفضل الهدوء الذي كان يسود الأرجاء في السابق، فلا هدير لمحركات السيارات أو المكيفات، فإن دوي طلقة المدفع المجلجلة كان يسمع من بعيد"، لافتاً إلى أنه "كان في مدينة الدوحة مدفع واحد، بالإضافة إلى مدينتي الوكرة والخور".

تتحول هذه القذيفة التي كانت تثير الذعر والخوف أيام الحرب، إلى قذيفة تنشر الفرح والانشراح أيام السلم، مثل الطلقات المدفعية التي تطلق عند استقبال كبار الضيوف، أو أيام الاحتفالات الوطنية الكبرى

وذكر السيد أن طلقة المدفع كانت تسمى "الواردة"، وتطلق طلقة واحدة عند أذان المغرب للإخبار بنهاية يوم الصوم، وأيضاً قبيل أذان الفجر (الإمساكية) من أجل إعلام الصائمين بالإمساك عن الطعام والشراب، مشيراً إلى أنه في العيد كانت تطلق إما 3 أو 7 طلقات.

ونظراً للتقدم والتطور الذي عرفه المجتمع، أشار الباحث في التراث القطري إلى أن مدفع رمضان أضحى معلماً من معالم التراث، و"بات المواطن وحتى المقيم يصحب أبناءه قبيل أذان المغرب إلى سوق واقف أو (كتارا) من أجل مشاهدة المدفع وسماع دوي طلقته".

وعن حكاية مدفع رمضان، يقول الكاتب والباحث في التاريخ علي عفيفي علي غازي إن الروايات اختلفت في تأريخ حكاية مدفع الإفطار، فتقول رواية إن السلطان المملوكي خشقدم (1460 ـ 1467) كان يجرب مدفعاً جديداً، وتصادف ذلك وقت غروب الشمس بالقاهرة في أول يوم من شهر رمضان عام 865هـ/ 1467م، وعلى ما يبدو أن السلطان قد استحسن الفكرة، فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يومياً وقت أذان المغرب في رمضان.

وبين علي عفيفي علي غازي أنه في رواية أخرى أن محمد علي باشا والي مصر (1805 ـ 1848)، أثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة، انطلقت قذيفة مصادفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، ليستخدم المدفع بعد ذلك في التنبيه لوقتي الإفطار والسحور.

وفي رواية ثالثة، قال علي غازي إن بعض جنود الخديوي إسماعيل (1863 ـ 1879) كانوا ينظفون أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة وقت أذان المغرب في أحد أيام شهر رمضان، ومن هنا جاءت الفكرة.

وكان القطريون مع اقتراب الغروب، وتحلقهم حول مائدة الإفطار، يرددون عبارة "ثارت الواردة أو ما ثارت"، كناية عن طلقة المدفع التي يدوي صوتها في الآفاق، معلنة دخول وقت الإفطار.

قذيفة مدفع رمضان أو "الواردة" كانت مفردة متداولة إلى وقت قريب، ويتزامن وقت إطلاقها مع صوت الأذان، وكانت تتيح للذين توجد بيوتهم بعيداً عن المساجد معرفة إعلان أذان المغرب، وذلك من أجل التحقق والتيقن التام حرصاً على عدم ضياع فريضة الصوم.

وكانت النساء يطلبن من الصغار الخروج إما إلى الحوش أو الصعود فوق سطح البيت لحظات قبل الغروب لترقب سماع صوت القذيفة، أو مشاهدة وميضها ودخانها المتصاعد في السماء، وإبلاغهن بدخول وقت الإفطار.

وإذا كان مدفع رمضان، في السنوات الأخيرة، موجوداً في كل من سوق واقف والجهة الجنوبية لـ"كتارا"، فإنه في السابق كان ينصب في عدد من المناطق، من قبيل قلعة الكوت بجانب مصلى العيد بالجسرة، ومنطقة السلطة القديمة ومنطقة الريان الجديد والخليفات، وإلى عهد قريب على الكورنيش (قرب ساحة البريد).

وحالياً، عندما يحين موعد أذان المغرب في أيام شهر رمضان، ينصب المدفع في كل من سوق واقف و"كتارا"، وسط الحضور الذين يأتون لرؤيته من جميع الشرائح، خاصة الأطفال، وعلى جانبيه أربعة عسكريين بزيهم الرسمي عن اليمين وعن الشمال، وقد وقفوا في ترتيب عسكري خلفه ينتظرون الآمر بإعطاء شارة إطلاق القذيفة مع انطلاق صوت أذان المغرب.

وما إن يأتي الأمر للعسكريين بصوت جهوري من القائد قائلاً: "مدفع.. ارمِ"، حتى يجلس أحد العساكر على كرسي المدفع ويهوي بقبضة يده على أحد أزراره عند سماع "اضرب"، معلناً انطلاق القذيفة التي يجلجل صوتها في الفضاء راسمة من فوهة المدفع وهجاً أصفر ممزوجاً باللون الأحمر، سرعان ما تتلاشى لتعلوها كومة من الدخان تختفي تدريجياً في الفضاء.

يتبع هذا العرض القصير تصفيق الصغار ابتهاجاً وسروراً بالمشهد الرائع، ثم يتسابق بعدها الأهالي لالتقاط صور تذكارية مع المدفع، لتبقى معهم ذكرى رمضانية يتقاسمون لحظاتها الجميلة في ما بينهم.

(قنا، العربي الجديد)

المساهمون