جون ستيوارت وهندسة المشاعر العامة

جون ستيوارت وهندسة المشاعر العامة

08 يوليو 2022
ساهم ستيوارت في إطلاق شهرة عدد من الكوميديين (مايكل ريفز/Getty)
+ الخط -

حاز الكوميديان ومقدم الأخبار الساخرة، جون ستيوارت، هذا العام على جائزة مارك توين للكوميديا الأميركيّة بنسختها الـ23، إذ تُمنح كل عام لكوميديان على مجمل أعماله ومساهمته في الرقي بالفنون الكوميديّة.

حفل التكريم الذي بث أخيراً كان أقرب إلى مساحة للامتنان: كوميديون ومقدمو برامج ساخرة وممثلون، أبدوا امتنناهم لستيوارت الذي دفعهم إلى الأمام وآمن بهم عبر برنامجه "ذا ديلي شو"، الذي بدأ بتقديمه عام 1999، ثم غادره عام 2015، وأطلق عبره شهرة ستيفن كولبير صاحب برنامج "ذا لايت شو"، وجون أوليفير صاحب برنامج "لاست ويك تونايت".

ما يلفت في هذا الحفل هو حضور باسم يوسف ضمن الضيوف، إذ يتحدث الأخير عن تجربته مع ستيوارت، ومحاولته "نسخ" برنامجه في مصر، وأثر "البرنامج اليومي" الذي كان يبث على "سي أن أن" في نسخة دولية على العالم. يخبرنا يوسف كيف كان يشاهد ستيوارت وهو صغير، من دون أن يفهم بدقة ما يحصل، سوى أن "فوكس" قناة مليئة بالأكاذيب، والديمقراطية في أميركا تحوي كثيراً من العيوب.

يحكي يوسف عن برنامجه "البرنامج"، وكيف تعرض إلى الملاحقة والمقاضاة، وهرب إلى الولايات المتحدة. ويوضح، متهكماً ومازحاً، كيف تعرض إلى الخديعة كونه استمع إلى نصيحة ستيوارت، ولم يتوقف عن العمل مع تغير الحكم في مصر، في حين كان بإمكانه أن ينضم إلى الإعلام الرسمي ويكسب الملايين.

حضور باسم يوسف يبدو أقرب إلى احتفاء بدور هذا النوع من الأخبار والكوميديا في العالم، ليس فقط في الولايات المتحدة، خصوصاً أن مساحة الحرية والسخرية المباحة في هذه البرامج، غير موجودة في العالم العربي، ناهيك عن مستوى الاحتراف الذي تُقدّم به. هنا يمكن أن نفهم إصرار يوسف على عدم تقديم برنامجه من "الخارج"، فإن لم يكن يعمل من "الداخل" ومعرّض لما قد يتعرض له المواطنون الذين يستمعون إليه، فلن يمتلك الأثر نفسه. كما نرى مثلاً في برنامج جون أوليفر. هناك لعب مع القانون، ومحاولات لكشف عجزه، هذا المناخ نفسه غير موجود في المنطقة، بالتالي تبقى هذه البرامج منتجات "أجنبية" لا تمكن مقاربتها محلياً.

سينما ودراما
التحديثات الحية

عاد ستيوارت إلى العمل العام الماضي، بعد أن وقع صفقة مع "آبل تي في"، ليقدم برنامجاً عنوانه "ذا بروبلم وذ جون ستيوارت"، لكنه لم ينل الشعبية الكافية، خصوصاً أن هذه المنصة مدفوعة، وليست متوفرة للجميع. كما أن السوق امتلأ بالبرامج المشابهة. لكن، وهنا ما يلفتنا، لا تعني جائزة مارك توين النهاية بالنسبة للكوميدي، هي ليست جائزة إنجاز العمر، كحال إحدى فئات جائزة أوسكار التي تعني مجازياً أنها مكافأة على الماضي واحتفاء به. ففي حالة الكوميديا، الشأن مختلف، الضحك مستمر، مهما بلغ أحدهم من العمر، فالنكتة تحتاج حذقاً لا يرتبط بجسد صاحبه، بل ببلاغته.

وصف بيت ديفدسون، الكوميدي الشاب، جون ستيوارت بأنه "صوت المنطق الذي يمثل جيلاً"، في حين وصفه آخرون بأنه مهندس المشاعر العامة. هذه العبارات ترتبط بالمناخ الذي يعمل ضمنه ستيوارت. والأهم، تؤكد أهمية الكوميديا ودورها في "المجتمع". وهنا نقتبس من باسم يوسف نفسه الذي يرى أن هذه البرامج الساتيرية، على رأسها برنامج ستيوارت، كانت وما زالت مصدر الأخبار بالنسبة للكثيرين. هي متحيزة نعم، لكنها متخففة من الجدية. وبالطبع، لن نحاول المقارنة بما هو موجود في منطقتنا، ففي بعض البلدان العربيّة يمكن فيها لنكتة أن تطيح بصاحبها وتخفيه عن وجه الأرض.

اللافت في تجربة ستيوارت أنه ليس كوميدياً فقط، بل معلقاً سياسياً، وهذا ما جعل كلمة "ثقة" تكرر في الحديث عنه؛ فتقديم الأخبار بصورة بعيدة عن التأطير والأيديولوجيا، شأن شبه مستحيل في زمننا هذا. لكن يبدو أن الكوميديين وحدهم من يمكن الثقة بهم. نعم بعضهم سيئ، وبعضهم غير عقلاني، لكنهم، كما هو واضح، الأقدر على إعطاء المنطق صوتاً، فصحيح أنه لا يمكن لكوميدي أن يكون رئيس جمهورية في اقتباس محور لديفيد شابيل، لكنه بالتأكيد صوت الديمقراطيّة في أي مكان توجد فيه.

المساهمون