الفيلم أهمّ من مهرجان وجائزة

17 مايو 2024
ستيفن سبيلبيرغ: ثروة طائلة لكنّ الأفلام مهمّة ومفيدة (تريستن فيوينغز/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التركيز المفرط على الجوائز والمهرجانات العالمية يُعتبر تحديًا لصناعة الأفلام والنقد السينمائي، متجاهلاً الجوانب الفنية والجمالية للأعمال السينمائية.
- إيرادات شباك التذاكر تُعد معيارًا أفضل لتقييم الأفلام مقارنةً بالجوائز، مؤكدةً على أن النجاح التجاري والفني للأفلام ليسا متناقضين.
- يُشير النص إلى نقص في النقاش الجاد والمعمق حول المحتوى السينمائي في العالم العربي، مما يدعو إلى إعادة تقييم المعايير المهنية للنقاد والصحافيين السينمائيين.

 

أتكون أهمية فيلمٍ سينمائي، بجوانبه المختلفة، منبثقةٌ من نجاحاتٍ في مهرجانات وجوائز فقط، وإنْ تكن المهرجانات عالمية، وتُصنَّف فئة أولى أو ثانية، والجوائز تمنحها جهات غربيّة، يصفها البعض بـ"المرموقة"؟ لماذا يُصرّ نقّاد وصحافيون ـ صحافيات سينمائيون عربٌ، من دون تناسي آخرين وأخريات "يهتمّون" (الأصحّ أنّهم يعملون فقط) بالشأن السينمائي، على أن إثبات "أهمية" فيلمٍ متأتٍ من تلك النجاحات، فتُسرَد المهرجانات والجوائز (أو العكس) أولاً، قبل تناول الفيلم فنّياً وجمالياً ودرامياً وتقنياً، أي نقدياً، بأسلوبٍ يستحقّه الفيلم ومخرجه، والمهنيّون والمهنيّات جميعهم الذين يشاركون في تحقيقه، بأسلوبٍ يرتقي إلى نقاشٍ وحوارٍ، لا إلى استسهال وتسطيح؟

هذا غير عابر. بل هذا مُسيءٌ إلى مهنتي صناعة السينما ونقد نتاجاتها، خاصة عندما يصدر من صحافيين وصحافيات سينمائيين عربٍ، وممن يعتبر نفسه "ناقداً"، يُفترض بهم وبهنّ جميعاً إدراك أنّ الفيلم أولاً، والباقي، رغم أهمية مستوياتٍ عدّة فيه، لاحقٌ. كيف يسمح "ناقدٌ" (أهو ـ هي ناقدٌ، فعلاً؟)، أو من يدّعي أنّه باحثٌ أو أكاديمي أو مثقّف (هنا الطامة الكبرى)، لنفسه قولاً، مُوارباً أو مُباشراً، مفاده أنّ "أهمية" هذا الفيلم أو ذاك تُثبتها جولاته في مهرجانات، وحصوله على جوائز، وربما أيضاً إيرادات شبّاك التذاكر، مع أنّ التوقّف عند هذه الإيرادات، المحلّية والدولية، أفضل من السابق عليها، ولو قليلاً، لأنّها تُشير إلى مدى جماهيريته، والجماهيرية غير ملتزمة أفلاماً تجارية أو استهلاكية فقط، فغالبية أفلام الأميركي ستيفن سبيلبيرغ مثلاً تؤكّد هذا: جماهيرية ـ إيرادات كبيرة لأفلامٍ تقول مُفيداً، في الصورة والرواية والحالة والذات البشرية والتأمّل والأسئلة الحياتية، وغيرها. إيرادات أفلامه تبلغ نحو عشرة مليارات دولار أميركي، بينما تُقدَّر ثروته الشخصية بنحو خمسة مليارات دولار أميركي. استعادة أفلامه، أو بعضها على الأقلّ، كفيلةٌ بتبيان المقصود.

 

 

هذا يحصل في أقوالٍ وكتاباتٍ أحياناً، لكنْ دائماً في بياناتٍ صحافية لا علاقة لها بالسينما، كفنّ وصناعة وثقافة. بيانات تُشبه تقارير أمنية، مكتوبة بأخطاء لغوية وتحريرية، والأولوية فيها لمعلومات كهذه: مهرجانات، جوائز، إيرادات (ليس دائماً)، نجوم يمثّلون فيها، قبل أنْ تُذكَر أسماء المخرجين والمخرجات. لكنْ، أنْ يرتكب ناقدٌ خطأ كهذا، في مقالةٍ أو تصريح، فمصيبةٌ مهنية لا يُمكن تبريرها وقبولها إطلاقاً. جولةٌ في مهرجانات ونيلُ جوائز لا يعنيان أبداً أنّ الفيلم مهمٌّ أو بارعٌ أو حسنٌ (يُمكن استخدام أيّ وصفٍ آخر ينضوي في السياق نفسه)، وأهمية هذا كلّه (مهرجانات، جوائز، إيرادات)، يجب أنْ تلحق الفيلم كنصّ سينمائي، لا أنْ تسبقهما (النصّ والفيلم).

يُدرك كاتب هذا كلّه سلفاً أنّ هناك عدمَ تنبّهٍ إلى المكتوب، وعدمَ نقاشٍ يتناول مضمونه، وبعض "النقّاد" يظنّ أنّ "شتيمةً"، تتوارى خلف مفردة أو جملة يدّعي مستخدمها أنْ لا علاقة لها بالشتيمة، نقاشٌ. أو أنّ تعليقاً سريعاً، بل متسرّعاً، يكون نقاشاً، والتعليق يحصل في فيسبوك تحديداً، وفي غيره من ترّهات وسائل التواصل الاجتماعي، إذْ يكتفي صاحب التعليق بقول معلومةٍ، فيكشف بقوله هذا تشاوفاً وتباهياً بما يُدركه، بدلاً من إثارة نقاشٍ جدّي، وإنْ يكن في فيسبوك، كأنّ ما يُدركه هو ـ هي لا يُدركه آخرون وأخريات، فيقول المعلومة فقط، من دون أيّ نقاشٍ يستحقه هذا الموضوع أو ذاك.

مقالةٌ في صحيفة، وتعليقٌ في فيسبوك يظنّ كاتبهما ـ قائلهما أنّهما يُلبّيان نقاشاً مطلوباً، بينما المفردات المستخدمة غير معنيّة بأي نقاشٍ. هناك إهمال ولامبالاة وروتين، وهذه كلّها مصائب يعانيها كثيرون وكثيرات (وإنْ من دون إدراكٍ منهم ـ منهنّ لها)، يعملون في "النقد" (هذا، بحدّ ذاته، يطرح سؤالاً أساسياً عن المهنة، كما عن أصولها ومفرداتها ومعناها وناسها) والصحافة السينمائيّين العربيّين (هذا أيضاً يحتاج إلى إعادة تحديد مهنيّ، لأنّهما جزءٌ ضروريّ ومهمّ في صناعة السينما)، كما في إعلام مرئي عربيّ، أخطر من كلّ وسيلة أخرى في صُنع انهيارات عربية جمّة.

المساهمون