تقرير: توسع الصين اقتصادياً بأفريقيا يهدد النفوذ الأميركي

تقرير: توسع الصين اقتصادياً بأفريقيا يهدد النفوذ الأميركي

10 يونيو 2015
الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الرئيس الصيني شي بينغ(أرشيف/Getty)
+ الخط -

كشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة قريبة من مراكز صنع القرار في أميركا، أن توسع الصين في الاستثمارات بأفريقيا، من شأنه أن يهدد نفوذ أقوى دول العالم ويمس أمنها القومي.

والتقرير الذي صدر في أبريل/نيسان الماضي، عن مؤسسة راند، ووصلت "العربي الجديد" نسخة منه، جاء استجابة لطلب الجيش الأميركي وبتمويل منه أيضاً، وفحص عدة أوجه للمشهد الأمني الدائر والآثار المحتملة على المشروع الأميركي المنخرط في أفريقيا والمسمّى "القوة المسلحة والمصادر المتطلبة لدعم مشروع أفريكوم".

وسلط التقرير، الذي حمل عنوان "توسيع الصين للعلاقات مع أفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي للولايات المتحدة"، الضوء على تأثيرات التمدد الصيني في القارة السوداء وآثاره على الولايات المتحدة الأميركية.

يمتد العالم العربي في قلب وأجنحة أفريقيا ممثلاً في إحدى عشرة دولة تحمل الثقل السكاني الأكبر للدول العربية، ولم تغب تلك الدول يوماً عن المشهد الدائر في الصراعات الدولية والتنافس الدولي بين الكبار على مناطق النفوذ الاقتصادي والعسكري.

في 6 فبراير/شباط 2007 أعلنت إدارة بوش (الإبن)عن إنشاء قيادة عسكرية موحدة جديدة وهي قيادة أفريقيا أو كما تُسمَّى اختصاراً أفريكوم، لدعم الأهداف الأمنية الأميركية في أفريقيا ومياهها المحيطة بها، وقد بدأت العمل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام كقيادة تابعة للقيادة الأميركية لأوروبا ثم أصبحت قيادة مستقلة في 1 أكتوبر 2008.

وكان من أهم أسباب إنشاء هذه القيادة هو تنامي العلاقات الصينية الأفريقية في العقد الأخير، فالصين تعد أكبر شريك تجاري مع أفريقيا بعد أن تخطت أميركا وفرنسا، وكان التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا قد قفز من 10.6 مليارات دولار عام 2000 إلى 150 مليار عام 2010 وتخطى 165 مليار دولار عام 2011، وفي عام 2013 تجاوز 200 مليار دولار.

وحسب تقديرات ساقتها مجلة فورتشن الأميركية فقد يصل الرقم إلى 385 مليار خلال العام الجاري، كما تعد الصين المستورد الرئيسي للنفط الأفريقي، أضف إلى ذلك تدخل الصين في الصراعات السياسية في أفريقيا ومساهمتها في بعثات الأمم المتحدة.

ويكشف التقرير كيف يمكن للتداخل الصيني سريع النمو مع الدول الأفريقية أن يؤثر على دور الجيش الأميركي في القارة الأفريقية، كما يقدم توصيات سياسية للولايات المتحدة وقادة الجيش، وبعد تقديم تأريخي للعلاقات الصينية الأفريقية في الفصل الأول، يبدأ التقرير في فصله الثاني بوصف المصالح الاستراتيجية (الاقتصادية والسياسية والأمنية) والتصورات التي تقود السلوك الصيني في أفريقيا.

ولدى الصينيين ثلاثة مصالح اقتصادية رئيسة في القارة الأفريقية باعتبارها مصدراً للموارد الطبيعية المتنوعة وسوقاً متنامياً لاستيراد السلع الصينية وللاستثمار الصيني وفرصة كبيرة لزيادة التوظيف.

كما تشمل تعزيز صورة الصين ونفوذها دولياً وعزل تايوان، والتصدي لإشكالية المعايير الدولية المعوقة للصين ودعم استقرار شركاء الصين الاقتصاديين، ثم المصالح الأمنية الصينية في أفريقيا والتي يدفعها الاهتمام الصيني المتعاظم في حماية النمو الاقتصادي وزيادة النفوذ السياسي.

وفي الفصل الثالث يقدم التقرير وصفاً للنشاطات الاقتصادية والسياسية والعسكرية للفاعلين الصينيين في أفريقيا، والشركات العامة التابعة للحكومة الصينية والقطاع الخاص الصيني والمتراوح بين الشركات العملاقة وصغار التجار الصينيين، والمدفوعة بالمصالح المحددة بالفصل السابق مع إعطاء اهتمام خاص بواردات الموارد الطبيعية وصادرات السلاح والقروض والاستثمارات والتداخلات السياسية والنشاطات العسكرية.

ويذكر واضعو التقرير أرقاماً ضخمة للتبادل التجاري الصيني الأفريقي؛ تجعل الصين أكبر دولة على الإطلاق تتاجر مع أفريقيا مجتمعة، رغم أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي ككيان اقتصادي واحد، ثم تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بأقل من نصف حجم التجارة الصينية الأفريقية.

اقرأ أيضاً: الصين تهزم ألمانيا وفرنسا وتصبح ثالث أكبر مصدر للأسلحة

وفى مجال القروض والمساعدات المالية والائتمانية تأتي الولايات المتحدة الأميركية في الصدارة ثم البنك الدولي ثم فرنسا ثم الصين.

ولم تترك الصين تجارة السلاح، حيث تنامت الصادرات الصينية من السلاح إلى أفريقيا من منتصف الثمانينات، وكانت دولة مصر هي البعد الرئيسي للمعدات العسكرية الصينية بما فيها 80 طائرة مقاتلة (F-7) وست غواصات من طراز روميو وثلاث فرقاطات و13 زورق هجوم سريع.

ورغم تدني الأداء التكنولوجي لأنظمة التسليح الصينية مقارنة بالأداء الروسي والشرق أوروبي، فقد أصبحت الصين أكبر مورد منفرد للأسلحة الصغيرة والخفيفة في أفريقيا، حيث تمثل صادراتها إلى أفريقيا 25% من الواردات الأفريقية عام 2011، وتمثل أيضاً 17% من الصادرات الصينية الإجمالية للسلاح في نفس العام (طبقاً لمعهد أستوكهولم الدولي لبحوث السلام).

وفى الفصل الرابع، يستعرض التقرير المصالح الاستراتيجية الأميركية في أفريقيا (حسبما حددتها مصادر حكومية وأكاديمية): الاستقرار، الحكم المبني على الدستور والديمقراطية، تحسين حقوق الإنسان وحق التقاضي، النمو الاقتصادي الأفريقي، زيادة التجارة (وتشمل الموارد الطبيعية) والنفاذ إلى الأسواق الأفريقية، والتغلب على الجماعات المتطرفة والإجرامية والإرهابية العابرة للحدود، والنفاذ إلى مواقع العمليات الحربية، وحق التحليق الجوي إذا احتاج الأمر لذلك.

بينما المصالح المشتركة بين القوتين تتمثل في أنهما تتشاركان المصلحة في استقرار الدول الأفريقية، فالاستقرار الأفريقي هو شرط أساسي للربح الاقتصادي (الذي تبحث عنه كلا الدولتين في علاقتهما بأفريقيا)، كذلك دعم الاستقرار الدبلوماسي وصورة القائد العالمي الذي تتمنى كلا الدولتين رسمها لنفسها، وتتشاركان كذلك المصلحة في مواجهة المتطرفين والشبكات الإجرامية العابرة للحدود، والتي بالطبع تستفيد من تضارب المصالح الذي يحدث بين القوتين الكبيرتين.

ولدى الولايات المتحدة عدة مصالح تجارية ودبلوماسية تتنافس مع المصالح الصينية، فكلا البلدين يرغبان في الوصول إلى المصادر الطبيعية والبترول الأفريقي، لكن مُحرّر التقرير يقر بأن هذه التنافسية موجودة أيضاً بين الولايات المتحدة ودول أخرى كفرنسا وبريطانيا، ولا حاجة لها بأن تكون مصدراً لتوتر ثنائي بين الولايات المتحدة والصين.

وفي المحصلة خرجت الدراسة بأن الصين لا تمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي في أفريقيا، ثم يوجه التقرير عدة توصيات للقيادات الأميركية، منها:

* وضع العلاقات الصينية الأفريقية في سياقها المناسب.

* تجنب تصعيد المنافسة (ذات المستوى القليل) إلى توتر استراتيجي على المستوى الثنائي فالمصالح المشتركة أكبر، ولا توجد بيئة مشابهة للحرب الباردة.

* الوضع في الاعتبار أن المقاربة الصينية لأفريقيا من المحتمل أن تكون مقاومة للتحولات الكبيرة. فالعلاقات الصينية الأفريقية مبنية على أسس اقتصادية وهى بذلك ليست قابلة للتحولات السريعة.

* ملاحظة حدود النفوذ الصيني، فالنفوذ الصيني ليس بلا حدود، فالدول الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأميركية لديها القدرة على مساندة الدول الأفريقية في مواجهة التحديات الأمنية بطرق تفتقدها الصين، فالدول الأفريقية لديها روابط سياسية وأمنية وثقافية مع الدول الغربية سوف تدوم.

* تنشيط دبلوماسية الولايات المتحدة والمشاركة الاقتصادية مع أفريقيا بدلاً من التنافس مع

الصين في أفريقيا، فالمستوى الذى وصلت إليه الصين في العلاقات الثنائية مع الدول الأفريقية يجب على الولايات المتحدة أن لا تحاول مماشاته بل عليها تعميق روابطها مع الدول الأفريقية على المستوى الرفيع والمتوسط.

* التفريق بين رد الفعل على أزمة جيش التحرير الشعبي وإمكانيات تشكيل الظروف الأمنية، فقيادة أفريقيا (أفريكوم) يجب أن تقيم بعناية إمكانيات جيش التحرير الشعبي للنمو في أفريقيا في ضوء العمليات المحتملة.

* عزل العلاقات الصينية-الأميركية في أفريقيا عن التوترات الجيوسياسية الأوسع، فصناع القرار الأميركي عليهم أن يجاهدوا لمنع الخلافات حول المصالح الأمنية في أفريقيا، من تعكير العلاقات الأميركية الصينية الأوسع نطاقاً.

ورغم أن المنافسة شديدة، كما تبدو من سطور التقرير والأرقام، إلا أن حرص الناصحين وصانعي القرار الأميركي على عدم استعداء أو إغضاب المارد الأصفر واضح وجلي، والتقليل من حجم الخطر (على عكس ما هو معتاد في هذه المواضع)، ومحاولة استكشاف وصنع طرق جديدة للبقاء في القارة السمراء دون الدخول في منافسة مع الصين هي النصيحة الغالبة على التقرير، فالخوف سيد الأخلاق.


اقرأ أيضاً: شركات الأسلحة تراهن على اضطرابات الشرق الأوسط

دلالات

المساهمون