هل تمرض أميركا بسبب عطسة الصين

06 سبتمبر 2023
ماذا ينتظر الاقتصاد الأميركي في ما تبقى من العام؟ (أسوشييتد برس)
+ الخط -

تمكنت الولايات المتحدة من تجنب الركود الذي كان متوقعاً لها في السابق، إلا أن بعض المحللين بدأوا في التحذير من تغير الأوضاع بسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني، وأيضاً ما يحدث في سوق العقارات الصينية المتأزمة.

وأظهرت بيانات جديدة صدرت يوم أمس الثلاثاء تسجيل قطاع الخدمات في الصين أدنى مستوى له منذ ثمانية أشهر في أغسطس/ آب الماضي، ما يعني احتمال تحول التباطؤ في ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى رياح معاكسة للاقتصاد الأميركي رغم إظهار الأخير مرونة فائقة، على مدار الأشهر الأخيرة، وفقًا للخبراء الاقتصاديين في ارنست آند يونغ بالمملكة المتحدة.

والصين هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. وإذا تباطأ اقتصاد الصين، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب الصيني على السلع والخدمات الأميركية، ما يضر بالمصدرين الأميركيين، ويؤدي إلى فقدان فرص عمل في الولايات المتحدة.

والصين هي أيضًا مستثمر رئيسي في الولايات المتحدة. ويمكن أن يؤدي تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى انخفاض الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، ما قد يضر بالشركات الأميركية وما تكون على استعداد لخلقه من وظائف.

كما تعد الصين لاعبا رئيسيا في الأسواق المالية العالمية، ومستهلكا رئيسيا للسلع الأولية مثل النفط والنحاس والصويا، بالإضافة إلى دورها في صناعة التكنولوجيا العالمية، ما يزيد من تبعات أي تباطؤ يشهده الاقتصاد الصيني، لا على الاقتصاد الأميركي فحسب، وإنما أيضاً على العديد من الاقتصادات الكبرى حول العالم.

وكتب غريغ داكو، كبير الاقتصاديين في "إرنست آند يونغ"، مذكرة حول هذا الموضوع، جاء فيها أنه "في حين أن هناك تفاؤلا متزايدا بشأن  تحقيق الاقتصاد الأميركي "الهبوط الآمن" المنشود، فإن التحديات العالمية لا تزال تحلق في الآفاق مع ظهور الاضطرابات الاقتصادية في الصين كخطر كبير".

وأردف داكو موضحاً أن النشاط الاقتصادي الصيني قد ضعف بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، وأن الضغوط في قطاع العقارات عادت للظهور من جديد، ما يشكل أخطارًا سلبية على توقعات الاقتصاد الكلي والشركات هناك.

وتباطأ النمو الاقتصادي السنوي في الصين إلى معدل سنوي 2% في عام 2022، وهو أدنى معدل له منذ عام 1976. وعلى الرغم من ذلك، اعتقد الكثيرون أن هذا الأمر سيتغير في عام 2023، حيث كان من المتوقع أن تنحسر قيود كوفيد. لكن إعادة الفتح كانت أبطأ من التوقعات، حيث طال الإغلاق في بعض المناطق، وتأخر النشاط في استعادة حيويته بعد الفتح.

وفي الربع الثاني من العام، نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني بمعدل سنوي 6.3%، وهو ما كان دون توقعات وول ستريت، وأرجعه البعض لتباطؤ الاستثمار العقاري وتقلص ثقة المستهلكين، ما دفع الشركات في وول ستريت إلى تخفيض توقعاتها للنمو الإجمالي هذا العام، رغم أنه بشكل عام، يمثل الانكشاف التجاري للاقتصاد الأميركي على الصين نسبة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأظهرت الأبحاث الأخيرة التي أجراها بنك "ويلز فارغو" أن التباطؤ في الصين، لن يكون له إلا تأثير "متواضع" على النمو في الولايات المتحدة. وفي السيناريو الذي استكشفه "ويلز فارغو" باستخدام نموذج من "أكسفورد إيكونومكس"، توقع البنك نموًا ثابتًا للاقتصاد الصيني في عام 2024، وانكماشًا بنسبة 2.6% في عام 2025، قبل الانتعاش إلى معدل نمو سنوي قدره 2.7% في عام 2026.

ووفقا لـ"ويلز فارغو"، فإن "صدمة النمو" الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد الصيني ستؤدي إلى انخفاض قدره 0.1%  فقط في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في عام 2024 وانخفاض قدره 0.2% في عام 2025.

وكتب جاي بريسون، كبير الاقتصاديين في "ويلز فارغو"، قبل أسبوع أن التأثيرات المقدرة على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو واليابان ستكون أكبر قليلاً، لكن لا يمكن وصفها بأي حال من الأحوال بأنها مهمة.

ويعترف فريق الاقتصاديين في "ارنست أند يونغ" أيضًا بأن التعرض التجاري المباشر للاقتصاد الأميركي للصين صغير إلى حد ما، إلا أنهم أكدوا أن "التشديد المالي العالمي المحتمل، المرتبط بمخاوف النمو في الصين، من شأنه أن يؤدي إلى تضخيم التأثر بمشكلات الاقتصاد الصيني".

ووفقًا للخبراء الاقتصاديين يمكن أن تؤدي الظروف المالية المتشددة إلى خلق سلسلة من ردود الأفعال، تتقاطع فيها أسعار الأسهم المنخفضة مع عائدات السندات المرتفعة، ما يزيد من تقلبات السوق، وسط تراجع معنويات المستهلكين والشركات. وتؤدي هذه البيئة عادةً إلى تفضيل المستهلكين للادخار بدلاً من الإنفاق، وبالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي.

وأضاف خبراء الشركة البريطانية بأنه "في الوقت الحالي، يواصل الاقتصاد الأميركي إظهار المرونة، ولكن من المرجح أن يصبح النشاط الاقتصادي حساسا بشكل متزايد للصدمات الخارجية، مع تباطؤ الطلب المحلي بشكل أكبر، وتوفير قدر أقل من الحماية للنمو".

المساهمون