هكذا يدفع الاقتصاد الإسرائيلي ثمن التعديلات القضائية

25 يوليو 2023
قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي تُمنى بخسائر فادحة نتيجة احتدام الصراع وحراك الشارع (Getty)
+ الخط -

أقرت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، يوم الاثنين، بالقراءة الثالثة والأخيرة، تعديل قانون أساس القضاء، إلغاء حجة المعقولية، الذي يقيد إمكانيات المحكمة العليا في الرقابة على والتدخل في قرارات السلطة التنفيذية والسياسات الحكومية، بعد تأييد 64 عضو كنيست، من دون أي صوت معارض، في ظل مقاطعة كتل المعارضة جلسة التصويت.

وهذا أول تعديل للخطة الحكومية الآيلة إلى تقييد السلطة القضائية في إسرائيل والتي كان أعلنها وزير القضاء ياريف ليفين بداية نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم.

وجاء إقرار تعديل القانون بعد فشل محاولات التوفيق بين التحالف والمعارضة، من قبل جهات عدة في الأيام والساعات الأخيرة قبل التصويت، منها مقترح رئيس الدولة، ومقترح رئيس نقابة العمال العامة "الهستدروت"، ومبادرات أكاديمية أخرى.

وتعالت في الأيام الأخيرة، أصوات محذرة من مغبة إقرار القانون ومخاطر هذه الخطوة، خاصة على تماسك الجيش، بعد إعلان عدد كبير من قوات الاحتياط في سلاح الجو، والمخابرات العسكرية، ووحدات السايبر، ومؤخراً من قوات المشاة، نيتها وقف التطوع في قوات الاحتياط، ومن إمكانية تراجع مكانة إسرائيل الدبلوماسية، والضرر في العلاقات مع الإدارة الأميركية، وكذلك تحذيرات خبراء الاقتصاد من الضرر البالغ لإقرار القانون.

عواقب ونتائج سن القانون ستكون بالأساس على المدى المتوسط والبعيد، وممكن أن تلحق ضرراً بتماسك ووحدة المجتمع اليهودي، وتآكل المناعة القومية، وتوسع الانقسام داخل المجتمع الصهيوني، وتصدعات داخل الجيش.

ماذا عن الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية؟

في جانب الاقتصاد، ستكون النتائج فورية ومباشرة وملموسة، وستطال الاقتصاد الكلي والجزئي. 

بالنسبة للنتائج الاقتصادية المباشرة، فقد تطور الاقتصاد في العقدين الأخيرين بشكل كبير، وارتفعت مستويات الناتج المحلي للفرد الواحد إلى قرابة 50 ألف دولار.

والاقتصاد يستند كلياً تقريباً إلى التصدير للأسواق العالمية، وعلى الاستثمارات الخارجية، بسبب حجم الاقتصاد المحلي الصغير، ونوعية الصناعات، التي باتت منذ منتصف التسعينيات تحاكي احتياجات الأسواق العالمية، أكثر من الاستهلاك المحلي الذي يستند بالأساس إلى استيراد السلع والمنتجات.

وقد بلغت صادرات السلع والخدمات عام 2022، وفقاً لتقرير وزارة الاقتصاد، قرابة 166 مليار دولار، بارتفاع 15% عن عام 2021.

كما شكّلت صادرات الخدمات نحو 52% من مجمل الصادرات (تشمل خدمات صناعة التقنيات الحديثة، والبرمجة، والخدمات المالية والسياحة)، منها 23.2% خدمات برمجيات و8.4% خدمات البحث والتطوير.

بالمجمل، يشكل قطاع التقنيات الحديثة، على تنوعه، تقريباً 50% من صادرات الخدمات، وقرابة 35% من جباية الضرائب.

أما من حيث التقسيم الجغرافي للصادرات، فكانت حصة الولايات المتحدة الأكبر، وبلغت 37.4% من مجمل الصادرات، والأسواق الأوروبية 36.8% والأسواق في آسيا 23.6%.

تجدر الإشارة إلى أن تركيبة الاقتصاد والصناعة تجعله عرضة لضرر فوري ومباشر لسن قانون إلغاء حجة المعقولية، والخطة الحكومية لتقييد السلطة القضائية، ونتيجة للتصدع في المجتمع الإسرائيلي، وتآكل مكانتها الدولية.

التحذيرات من العواقب السلبية لإقرار قانون إلغاء حجة المعقولية بدأت قبل سن القانون بأيام. بحيث حذرت شركات تصنيف الائتمان العالمية إسرائيل من تبعات سن القانون. وقد نشرت هيئة البث الإسرائيلية "كان 11" يوم 22 الجاري أن شركات تصنيف الائتمان العالمية طلبت توضيحات من الحكومة الإسرائيلية، في ظل تواصل تشريعات تقييد القضاء بشكل أحادي الجانب، والتصعيد في حركة الاحتجاج.

وأشارت القناة، وفقاً لمسؤولين مطلعين على المحادثات، إلى أن الأحداث في كيان الاحتلال تتناقض مع الرسائل التي تلقتها شركات تصنيف الائتمان العالمية في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك المحادثات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مفادها أن هناك جهداً للتوصل إلى تفاهمات، وأن سن القوانين سيكون بإجماع واسع.

وقد استندت وكالات التصنيف الائتماني إلى هذه الرسائل في قرار عدم خفض التصنيف الائتماني في الأشهر السابقة.

وفي أعقاب التوجه لسن القانون، درست وكالات التصنيف إصدار "قرارات خاصة" بشأن دولة الاحتلال خارج النصاب والمواعيد المحددة لنشر القرارات المتعلقة بالتصنيف والتحذيرات، وفقا لقناة "كان 11".

كذلك نشرت القناة "12" الإسرائيلية بعد سن القانون أن خبراء اقتصاديين بارزين، منهم رؤساء أقسام اقتصاد وإدارة في جامعات مركزية، قلقون جداً من هذه الخطوة، وباتت لديهم قناعة بأن شركات تدريج الائتمان ستغير التقييم لحالة الاقتصاد الإسرائيلي، إلى تقييم سلبي، خاصة بعد تراجع الشيكل وتراجع المؤشرات في أسواق الأسهم إثر سن القانون.

اقتصاديون يحذّرون من الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي

على سبيل المثال، حذر البروفيسور أفييا سبيفاك، نائب محافظ بنك إسرائيل السابق وعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة بن غوريون، من عواقب التشريعات أحادية الجانب.

وقال: "قد تكون الوعود التي أعطيت لشركات الائتمان في السابق نوعاً من أنواع التحايل أو الخدعة"، لمنع خفض تدريج الائتمان، وتوقع أن يكون ردهم قاسياً، ولو تأخر بعض الشيء، ويتناسب مع خدعة نتنياهو التي سترتد على الاقتصاد الإسرائيلي.

الاقتصادي ديفي ديشتنيك، وهو عضو هيئة التدريس في كلية الإدارة في جامعة تل أبيب، ومن قادة احتجاج الاقتصاديين على خطة تقييد القضاء، قال: "أخشى حدوث تسونامي من التعيينات غير الملائمة. ولن أتفاجأ إذا رأينا شركات الائتمان تصدر تقارير خاصة سلبية عن إسرائيل قريباً".

من جهته، البروفيسور تسفي إيكشتاين، عميد كلية الإدارة في مركز متعدد الأهداف في هرتسليا ونائب عميد بنك إسرائيل سابقاً، قال: "لا تقتصر العواقب على التصنيف الائتماني فقط. ستكون العواقب على المدى الطويل مدمرة حتى من دون أي تشريع إضافي".

وثمة خشية بين الخبراء على أكثر من مستوى، لكن الأبرز هو الخوف من خفض تدريجي للتصنيف الائتماني الذي سيؤدي إلى رفع الفائدة على الدين الخارجي، وسيرهق خزينة الدولة، لكنه أيضاً سيؤدي إلى رفع الفائدة المصرفية المرتفعة أصلاً، بسبب التضخم المالي، وسيؤدي إلى تآكل إضافي في مستويات الدخل والقدرة الشرائية، بما يشكل سبباً لتباطؤ اقتصادي جدي.

وفي تقرير مطول لموقع "واينت" الإخباري، تناول آثار سن القانون على الاقتصاد، جاء أن سن القانون رفع بشكل كبير من احتمال حصول ضرر جسيم في الاقتصاد الإسرائيلي، ومخاطر حدوث أزمة مالية، خاصة في قطاع صناعة التقنيات الحديثة. فحين تكون هناك خشية حقيقية من اتخاذ خطوات غير عقلانية في إسرائيل، ستتجنب الشركات الكبرى الاستثمار في إسرائيل، وقد تقلل من نشاطها الحالي. ويضيف التقرير أن الضرر لحق فعلاً بالاقتصاد، في جميع الحالات.

ويوضح التقرير أن قسماً كبيراً من شركات التقنيات الحديثة، قامت بترتيبات مسبقة، وسحبت مليارات الدولارات من الكيان في الأشهر الأخيرة. كما تفيد ردات أفعال هذا القطاع على سن القانون بأن "هذه كانت البداية فقط"، وأنه من المتوقع نقل العديد من المليارات الإضافية إلى خارج الكيان في الأسابيع المقبلة.

هذا بغض النظر عن أن البيانات الرسمية أشارت فعلاً إلى انخفاض الاستثمارات الجديدة، خاصة الاستثمارات الأجنبية، بنسبة 90% في الأشهر الأخيرة، على عكس الوضع في دول متقدمة أخرى.

وقد نشر موقع "كلكاليست" الاقتصادي قبل يومين من سن القانون، نتائج استطلاع أجراه مركز "ستارت أب نايشن (مركز أمة شركات المخاطرة)"، أن 68% من شركات التقنيات الحديثة تنوي ترك دولة الاحتلال، أو نقل أموالها إلى الخارج، وأن قرابة 10% بدأت فعلاً بعمليات إعادة التموضع والانتقال إلى بلدان أخرى، وأن 30% تنوي أن تقوم بذلك في الوقت القريب.

وفي مقابلة مع رئيس نقابة مراقبي الحسابات قبل أيام مع موقع "واينت"، صرح بأن نتائج خطة تقييد القضاء باتت ملموسة جداً في قطاع الأعمال عامة، بحيث دخلت العديد من الشركات في ضائقة مالية حقيقية في الأشهر الأخيرة، وأن هناك صعوبة في جني الأموال، بما يمكن أن يؤدي إلى انهيار المئات من الشركات.

والضرر في محور الاقتصاد ترجم مباشرة وفوراً بعد سن القانون، عبر تراجع أسواق الأسهم، وانهيار سعر صرف الشيكل مقابل العملات الأجنبية، وفي قرارات ومواقف الشركات الكبرى الإعلان عن الإضراب العام.

وتترجم هذه الأضرار على المدى المتوسط والبعيد بازدياد التباطؤ الاقتصادي، وارتفاع غلاء المعيشة اللذين قد يؤديان معاً إلى رفع معدل البطالة، وتراجع مداخيل الدولة، ومفاقمة العجز المالي للحكومة.

وعلى عكس أزمات اقتصادية سابقة، مثل أزمة كورونا في السنوات الأخيرة، أو انهيار الاقتصاد الإسرائيلي بداية الانتفاضة الثانية، وأزمة استيعاب المهاجرين الجدد بداية تسعينيات القرن المنصرم، والتي استطاعت الحكومات التعامل معها جميعها نتيجة لمساعدات خارجية قادمة أساساً من الإدارة الأميركية والمؤسسات اليهودية العالمية، وتغيير مبنى الاقتصاد الإسرائيلي، وتجنيد استمارات وديون خارجية، سيكون صعباً على الحكومة الحالية التعامل مع أزمة اقتصادية ومالية خانقة، نتيجة لمواقف المؤسسات اليهودية العالمية، غير الداعمة للخطة الحكومة، وبسبب موقف الإدارة الأميركية المعارض، ونتيجة الأزمات الاقتصادية العالمية التي تطال غالبية الدول الغربية.

من هنا، تذهب التوقعات إلى أن تكون حدة الأزمة الاقتصادية الحالية أصعب وأعمق من الأزمات السابقة، وهي بمثابة كرة ثلج متدحرجة سيصعب على حكومة الاحتلال معالجتها، خاصة في وجود وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

المساهمون