لا حلول قريبة لأزمة الكهرباء في العراق... الإنتاج رهينة غاز إيران

لا حلول قريبة لأزمة الكهرباء في العراق... الإنتاج رهينة الغاز الإيراني

31 مارس 2024
أزمة انقطاع الكهرباء سنوات طويلة رفعت الطلب على المولدات (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خبراء الطاقة في العراق يعبرون عن تشاؤمهم بشأن الاعتماد المفرط على الغاز الإيراني لإنتاج الكهرباء، مما يؤدي إلى أزمات في التوفير بسبب التجارب السابقة.
- وزارة الكهرباء العراقية توقع عقداً لتوريد الغاز من إيران لمدة 5 سنوات لدعم استمرارية عمل محطات الإنتاج ومواجهة الطلب المتزايد.
- الحكومة العراقية تسعى لتنويع مصادر الغاز لحل أزمة الطاقة، بما في ذلك التعاقد مع تركمانستان والتحرك نحو استقبال الغاز من قطر، لتقليل الاعتماد على الواردات.

بدا خبراء الطاقة في العراق غير متفائلين كثيراً بتمديد استيراد الغاز من إيران لإنتاج الطاقة الكهربائية ووعود حكومة بلادهم بأن الصيف القادم سيكون أفضل من ناحية التجهيز، لا سيما أن الخبرات السابقة أثبتت أن الارتهان للغاز الإيراني وعدم تنويع مصادر إنتاج الكهرباء تسببا في أزمات خانقة على مدار السنوات الماضية ولجوء الكثيرين إلى المولدات.

وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية، الأربعاء الماضي، توقيع عقد لتوريد الغاز من إيران لمدة 5 سنوات، بمعدلات ضخ تصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً، مشيرة إلى أن "ذلك يهدف لإدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، وريثما يكتمل تأهيل حقول الغاز الوطنية وسد حاجة الكهرباء".

وتعتمد معظم محطات الكهرباء في العراق على الغاز الطبيعي لإنتاج التيار الكهربائي، بينما تتجدد بين الحين والآخر أزمة الانقطاعات. وفي الوقت الحالي، يصل مقدار إنتاج العراق من الكهرباء نحو 26 ألف ميغاواط، بينما تقدر حاجة البلاد بنحو 36 ألف ميغاواط، وهذا الرقم يواصل الارتفاع مع اتساع رقعة المشاريع والسكان، الأمر الذي خلق عجزاً في توفير الكهرباء وتسبب في انقطاع الكهرباء، لا سيما خلال فصلي الشتاء والصيف، نحو 10 ساعات يومياً.

وأعلنت وزارة الكهرباء، نهاية الشهر الماضي، فقدان 4 آلاف ميغاواط بسبب شح الغاز المورد من إيران، وقالت إن "الغاز الإيراني توقف بشكل كامل عن محافظات الفرات الأوسط وبغداد، ما تسبب في تحديد أحمال المنظومة الكهربائية وتراجع إنتاجها"، مشيرة إلى توقف خطوط الكهرباء بين العراق وإيران، مبينة أن إيران عزت ذلك إلى موجة البرد الأخيرة.

لكن وزارة الكهرباء قالت في بيانها،الصادر قبل أربعة أيام بخصوص توقيع عقد توريد الغاز الإيراني لخمس سنوات، إن ضخ الكميات المتفق عليها سيتفاوت حسب حاجة منظومة الكهرباء في العراق لصالح إدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة.

وخفضت إيران صادرات الغاز إلى العراق بشكل متقطع خلال السنوات الأخيرة، وذلك استجابة للنقص الحاد لديها في الغاز في فصل الشتاء. وفي بعض الأحيان، توقف تدفق الغاز الإيراني بشكل كامل، ما أدى إلى أزمات كهرباء في العراق.

وقال مدير مركز العراق للطاقة فرات الموسوي إن "أهم المشاكل التي تواجه منظومة الطاقة الكهربائية في البلاد سببها انحسار الغاز المورد من إيران، لا سيما في أوقات ذروة الأحمال صيفا وشتاء".

وأضاف الموسوي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "مشكلة الطاقة الكهربائية تتكرر بسبب الغاز الإيراني لأسباب فنية، موضحا أن "من المشاكل الفنية في العقد تضمنه حق إيران بوقف تصدير الغاز متى ما تحتاجه للاستخدام المحلي".

وأشار إلى أن الغاز الإيراني من المفترض أن يساهم في إنتاج 8 آلاف ميغا واط من الكهرباء، ومن المفروض أن تورد إيران للعراق 50 مليون متر مكعب يومياً، ولكن ما يصل لا يتجاوز ربع الكمية، مبينا أن هذه المشكلة تتحملها الحكومات العراقية السابقة التي أبرمت عقود استيراد الغاز من إيران، فضلا عن عدم بحثها عن بدائل للغاز الإيراني.

وخلال السنوات السابقة، مثل تأخر تسديد العراق مستحقات الغاز للجانب الإيراني بسبب العقوبات الأميركية سببا في تكرار توقف إمدادات الغاز للعراق، ولكن العراق تجاوز حالياً هذه المشكلة بعد تسديد الديون السابقة والاتفاق على آلية جديدة لتسديد المستحقات عبر تصدير النفط الخام.

وأوضح مدير مركز العراق للطاقة أن منظومة الطاقة الكهربائية تعتمد على 3 مصادر من الطاقة وهي الغاز من إيران، والغاز المستثمر من الحقول العراقية، والوقود السائل الذي ينتجه العراق.

وأشار إلى أن حكومة محمد شياع السوداني تعاقدت مؤخراً مع تركمانستان لاستيراد 20 مليون متر مكعب يومياً، لكنه استبعد أن تساهم هذه الخطوة وحدها في الحد من المشكلة، لأن الغاز التركمانستاني يُورّد للعراق عبر إيران أيضا.

وتوقع الموسوي استمرار مشكلة الكهرباء بسبب عدم امتلاك العراق أماكن لتخزين الغاز المستورد واستخدامه وقت الحاجة، لافتا إلى أن العراق لم يتحرك لغاية الآن لإنشاء هذه الخزانات بسبب ارتفاع تكاليفها.

ولفت الموسوي إلى أن العراق تحرك بشكل متأخر نحو الغاز القطري، مبينا أن بغداد تعمل حالياً على إنشاء منصة عائمة على الخليج لاستقبال الغاز من قطر، ولكن هذه المنصة تحتاج إلى عامين لتكون جاهزة للعمل.

إرادات متنفذة لصالح إيران

من جانبه، يرى الخبير النفطي والاقتصادي نبيل المرسومي أن هناك "إرادات متنفذة في العراق تعمل على إبقاء قطاع الكهرباء رهينة الغاز الإيراني".

وقال المرسومي في حديث مع "العربي الجديد": إن "الطلب الكلي الحالي على الكهرباء يبلغ 36 ألف ميغاواط، بينما يبلغ حجم الطاقة المنتجة 26 ألف ميغاواط".

وأوضح أن هناك فجوة كبيرة بين الانتاج والطلب وأنها ستستمر وتتسع في السنوات المقبلة، مرجحا أن تصل حاجة الاستهلاك في العراق إلى 70 ألف ميغاواط بحلول العام 2050.

كما توقع المرسومي أن يبقى العراق يعتمد على الغاز الإيراني خلال السنوات المقبلة، بسبب عدم وجود إرادة حقيقية لوقف الاعتماد على إيران في هذا المجال، إلى جانب البطء في استغلال الغاز المحلي، حيث لا يزال العراق ثالث أكبر دولة في حرق الغاز.

وقال إن "جهات متنفذة تستهدف تعطيل إنتاج الغاز العراقي، وهو ما حصل خلال الهجمات الصاروخية التي طاولت حقل خورمر في كردستان، وهذه الجهات تسعى لتعطيل اعتماد العراق على الغاز المحلي".

في السياق، رأى الباحث العراقي حسين العامل أن "أزمة الكهرباء تخضع لإدارة سياسية، لأن الجهات المتنفذة في الدولة حالياً هي القريبة من إيران، وبالتالي فإنها ستقف بوجه أي خطوات من شأنها إيجاد البدائل عن الغاز الإيراني ولو كان على حساب استمرار مشكلة الكهرباء".

وقال العامل لـ"العربي الجديد" إن "الصيف المقبل سيكون شبيهاً بمواسم الصيف السابقة من حيث أزمة الكهرباء". ولم يستبعد تكرار الاحتجاجات في الشارع العراقي بسبب استمرار الأزمة.

خسائر عراقية بسبب الغاز الإيراني

بدوره، قال الباحث في الشأن الاقتصادي عمر الحلبوسي إن العراق تكبد خسائر مالية كبيرة بسبب اعتماده على الغاز الإيراني، موضحا في حديث لـ"العربي الجديد" أن "العراق يمتلك الكثير من مصادر الغاز (الغاز الطبيعي المصاحب، والغاز الحر)، واحتياطياته من الغاز تأتي في المرتبة الحادية عشر عالمياً، وفي حال استثمارها، فإنها ستكون كافية لسد احتياج العراق إضافة إلى تصديره".

وأشار إلى أن العراق يحرق يوميا أكثر من 17 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب لإنتاج النفط، وبذلك يخسر سنوياً جراء هدر الغاز أكثر من ثلاثة مليارات دولار.

واعتبر أن "استثمار الغاز العراقي سيحقق انتقالا نوعيا على كافة الأصعدة وتجعله من مصنعي ومصدري الغاز، مشيرا إلى أن التدخلات الخارجية تعطل عجلة الاستثمار في الغاز العراقي".

وأضاف أن "العراق يستورد سنوياً الغاز من إيران بمبالغ تصل إلى 6.5 مليارات دولار، علما أن إيران تبيع العراق الغاز أعلى من السعر الذي تطرحه الدول الأخرى".

لكن نائب وزير النفط الإيراني لشؤون الغاز مجيد جكني قال، في تصريح على هامش توقيع اتفاق تمديد عقد تصدير الغاز إلى العراق، وفق ما نقلت وكالة "غرنا" الإيرانية، إن إيران صدرت نحو 52 مليار متر مكعب من الغاز إلى العراق بقيمة 15 مليار دولار منذ عام 2017.

المساهمون