عجز مالي متفاقم في مصر يقلق المستثمرين

عجز مالي متفاقم في مصر يقلق المستثمرين

13 مارس 2024
تدهور الجنيه أمام الدولار يزيد مخاوف رجال الأعمال من تضرر أنشطتهم (الأناضول)
+ الخط -

تظهر مؤشرات الموازنة العامة لمصر للسنة المالية المقبلة 2024/2025 التي تحل في الأول من يوليو/تموز المقبل تحديات جمة، في ظل العجز المالي المتفاقم الذي يقدر بنحو 1.3 تريليون جنيه (26.2 مليار دولار)، بينما تحاول الحكومة طمأنة مجتمعات الأعمال بعدم فرض ضرائب جديدة وإفساح المجال أمامها لقيادة النمو الاقتصادي.

تقدر إيرادات الموازنة المقبلة بنحو 2.5 تريليون جنيه، فيما تصل المصروفات المتوقعة إلى 3.8 تريليونات جنيه. ويبدو العجز المتوقع في تمويل الموازنة هائلاً، في ظل ارتفاع المصروفات العامة بنسبة 23%، عن العام المالي الجاري الذي ينقضي بنهاية يونيو/حزيران المقبل، بينما يعد محمد معيط وزير المالية، مجتمع الأعمال باعتماد الحكومة على رفع إيرادات الموازنة بشكل أساسي على الإيرادات غير الضريبية.

يبدو وزير المالية في اجتماع موسع عقده مع قيادات جمعيتي رجال الأعمال المصريين والأفارقة واتحاد الصناعات والغرف التجارية، مساء الاثنين، متفائلا بقدرة الحكومة على تحسين الأوضاع الاقتصادية، التي تشهد أزمة خانقة وارتفاعاً هائلاً في معدلات التضخم وركود القطاع الإنتاجي غير النفطي والأسواق، بينما يزداد هاجس رجال الأعمال من تراجع قيمة العملة، وشح الدولار، وارتفاع الفائدة على الجنيه إلى مستوى 32%.

تظهر مخاوف رجال الأعمال المصريين من أن يتحول القطاع الخاص إلى ضحية مرة أخرى للسياسات الحكومية

يؤكد الوزير في حواره المجتمعي حول مشروع الموازنة، الذي سيقدمها للبرلمان خلال أيام، أن الحكومة، ستلتزم بألا تتجاوز الاستثمارات العامة لكافة جهات الدولة بدون استثناء تريليون جنيه خلال السنة المالية المقبلة، لإفساح المجال للقطاع الخاص.

تبدو تصريحات الوزير متطابقة لتعهدات أعلنها رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، عقب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لتعويم سعر الصرف والحصول على قروض بقيمة 9.2 مليارات دولار، لإنقاذ الاقتصاد المصري من التعثر، مع ذلك تظهر مخاوف رجال الأعمال من أن يتحول القطاع الخاص إلى ضحية مرة أخرى.

ويعاني القطاع الخاص من تراجع دوره في الاقتصاد، لمصلحة شركات الحكومة والجيش والجهات الأمنية، وفي ظل أزمة مالية طاحنة، تدفع إلى تزايد معدلات التضخم إلى مستويات قياسية جديدة وزيادة أسعار الفائدة بالبنوك، أصبح مطالباً برفع مساهمته في النمو من مستوى 20% إلى ما يزيد عن 60% خلال الفترة المقبلة.

يقدم وزير المالية في حواره المزيد من الوعود لمجتمع الأعمال، لتشجيعهم على قيادة الاقتصاد، مؤكداً التزام الحكومة بوضع سقف لدين أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية، لا يمكن تجاوزه إلا بموافقة البرلمان ومجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، والاتجاه بمعدل الدين للناتج المحلي إلى مسار نزولي وخفضه لأقل من 80%، خلال السنوات الثلاث المقبلة.

يشير معيط إلى تعزير الشفافية في النفقات الضريبية وإصدار وثائق المخاطر المالية، ورفع توزيعات الأرباح التي تؤول للخزانة العامة من كل الشركات وهيئات الدولة، واستقرار السياسات الضريبية وعدم زيادة الأعباء الضريبية على المستثمرين طوال العام المقبل، والتزام الحكومة بضخ المزيد من الاستثمارات في قطاعي الصحة والتعليم، مقابل ترشيد الإنفاق في القطاعات الأخرى.

لكن كلمات الوزير تظهر قلقاً بين رجال الأعمال، حيث اعتادت الشركات الخاصة طوال السنوات الماضية على دعم نشاطها من خلال مشاركة الحكومة في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية الضخمة، التي أنفقت عليها نحو 10 تريليونات جنيه، خلال الفترة من 2016 إلى 2022، استفادت منها شركات ومصانع القطاع الخاص، عبر الإسناد غير المباشر من الجهات العسكرية والحكومية لتنفيذ المشروعات القومية الكبرى.

يبرر الوزير الأمر بأن الدولة ملتزمة بما اتفق عليه مع صندوق النقد، بخروج الدولة من 75 نشاطا إنتاجيا وخدميا لمصلحة القطاع الخاص، مع الإسراع في طرح الأصول العامة للبيع للقطاع الخاص المصري والأجنبي، لتوجيه 50% من إيراداته، لبدء مسار خفض الدين الحكومي وأعباء خدمته، بالإضافة إلى الفائض المتوقع، بنسبة 3.5% من الناتج المحلي من الموازنة الجديدة.

يؤكد وزير المالية أن لدى الحكومة مساحة كبيرة للإنفاق المرن في مواجهة الصدمات، مستهدفاً إزالة مخاوف المستثمرين من تداعيات استمرار الحرب في غزة، وتراجع معدلات المرور والعوائد من قناة السويس والسياحة، بما يرفع تكاليف التشغيل والمخاطر الجيوسياسية، بعد 4 سنوات من الأزمات الخارجية المتوالية، بدأت بانتشار جائحة كورونا، والحرب الروسية في أوكرانيا.

تتناقض كلمات الوزير مع تصريحات سبق أن أطلقها البنك المركزي، بوقف المبادرات الخاصة بدعم الفائدة على قروض القطاعات الإنتاجية بالدولة، التزاماً بتعهدات مسبقة مع صندوق النقد بإبعاد البنك المركزي عن دعم الفائدة لمصلحة عملاء دون غيرهم.

تتناقض كلمات الوزير مع تصريحات سبق أن أطلقها البنك المركزي، بوقف المبادرات الخاصة بدعم الفائدة على قروض القطاعات الإنتاجية بالدولة

كما قصرت وزارة المالية مبادرات دعم الفائدة على مبلغ بقيمة 150 مليار جنيه، يدفع خلال الفترة من 2022 لمدة 5 سنوات لقطاع الصناعة دون غيره، بما أثر سلباً على نمو الاستثمارات السياحية والزراعية والمشروعات الصغيرة، وفقا لتقارير الغرف الصناعية وجمعيات المستثمرين ورجال الأعمال.

جدد مجد الدين المنزلاوي، رئيس لجنة الصناعة في جمعية رجال الأعمال، طلب المستثمرين استمرار مبادرة التمويل منخفض التكلفة للصناعة، والتي ستقترب من نهايتها مع انقضاء العام المالي المقبل.

وشدد كريم إسماعيل عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة على ضرورة دعم صغار المصدرين لمساعدتهم في تعزير تنافسية منتجاتهم المتجهة للأسواق الدولية.

يتوجه وزير المالية إلى البرلمان بمشروع الموازنة، لتمريره قبل بداية العام المالي، بعد مناقشات محدودة بين المجتمع المدني ورجال الأعمال، متخطياً الآثار السلبية التي تعاني منها الميزانية التي أوشكت على الانتهاء.

تظهر مؤشرات الميزانية، خلال الأشهر الثمانية الماضية، زيادة العجز الكلي من 5% إلى 6.7%، عن نفس الفترة من العام الماضي، متأثرة بارتفاع أسعار الفائدة، والتي أدت إلى زيادة المصروفات العامة بنسبة 52%، وفقا لتصريحات وزير المالية.

يعد الوزير أن تساهم صفقة بيع مدينة رأس الحكمة الواقعة على مساحة 40 ألف فدان على الساحل الشمالي، في تغطية العجز المتوقع في الإيرادات العامة

يعد الوزير أن تساهم صفقة بيع مدينة رأس الحكمة الواقعة على مساحة 40 ألف فدان على الساحل الشمالي للبلاد إلى صندوق الإمارات السيادي، بنحو 35 مليار دولار، في تغطية العجز المتوقع في الإيرادات العامة، والنزول بمعدل الدين المحلي الإجمالي إلى أقل من 94%، ومعدل أفضل من المستهدف في العجز الكلي والفائض بنهاية العام المالي الحالي 2023-2024.

يأمل الوزير أن يخفف عن رجال الأعمال والأسواق بتثبت التعريفة الجمركية، أو التخفيف منها، متخطيا الزيادة الهائلة التي حلت بها مع تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار بنسبة 60% خلال الأسبوع الماضي، عقب التعويم الرابع لسعر الصرف، بما رفع سعر الدولار الجمركي من مستوى 31 جنيهاً إلى السعر السائد للدولار بالسوق حالياً عند نحو 49 جنيهاً.

المساهمون