تحسّن خادع للعملة الأفغانية

تحسّن خادع للعملة الأفغانية

10 أكتوبر 2023
تحسن العملة الأفغانية يأتي على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة (فرانس برس)
+ الخط -

سجلت العملة الأفغانية (أفغاني) الأداء الأفضل بين العملات العالمية خلال الربع الماضي من العام الحالي، حين ارتفعت بنسبة 9%، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف ارتفاع البيزو الكولومبي، ثاني أكثر العملات العالمية ارتفاعا في نفس الفترة والذي ارتفع بنسبة 3% فقط، وبذلك فإن العملة الأفغانية تكون قد ارتفعت بنسبة 14% منذ بداية العام الحالي محققة المركز الثالث بين العملات العالمية الأكثر ارتفاعا خلف عملتي كولومبيا وسريلانكا.

وبحسب تقارير غربية كانت العملة الأفغانية هي الأفضل أداءً في العالم في الربع الثالث من هذا العام، حيث ساعدت تدفقات المساعدات الأجنبية والضوابط الصارمة على رأس المال الأفغاني في التعافي من أدنى مستوياتها التاريخية التي وصلت إليها بعد استيلاء "طالبان" على السلطة، قبل عامين.

ويأتي هذا التحسن في العملة الأفغانية على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها البلاد بعد عامين من خروج القوات الأجنبية، وهي الصعوبات التي أدت إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وتباطؤ النمو.

وطبقا لبيانات تقرير "الآفاق الاجتماعية والاقتصادية لأفغانستان لعام 2023" الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد حدث انهيار للناتج المحلي الإجمالي الأفغاني بنسبة 20.7%، حيث قدر حجم الناتج المحلي الحقيقي بنحو 17 مليار دولار في العام 2022، وهو ما أبقى أفغانستان ضمن لائحة أفقر دول العالم، وذلك على الرغم من تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية نسبيا خلال العام الماضي، مثل استقرار سعر الصرف وازدياد الصادرات وارتفاع الطلب على العمالة وانخفاض معدلات التضخم.

وتشير البيانات كذلك إلى أن معدل النمو الاقتصادي للبلاد قد انخفض بنسبة 3.6% في العام الماضي، كما يتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 % في العام الحالي، وفي حال حدث هذا الانخفاض فإنه سيدفع بالبلاد إلى قاع أكثر بلدان العالم فقرا.

كما تشير بيانات التقرير كذلك إلى أن عدد الأفغان الذين يعيشون تحت خط الفقر قد ارتفع من 19 مليوناً في العام 2020 إلى 34 مليونا عام 2022 من بين 40.7 مليون نسمة هم اجمالي عدد سكان البلاد، وقد أدت موجة الجفاف الشديد غير المسبوق إلى فقدان الغذاء وسبل العيش والوصول إلى الخدمات الأساسية لنسبة كبيرة من الأسر، الأمر الذي اضطر البعض إلى بيع منازلهم أو أراضيهم أو أصولهم المدرة للدخل بينما لجأ آخرون إلى تشغيل أطفالهم.

الاقتصاد رهين المساعدات الخارجية

أدت مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية وزيادة التجارة مع الجيران الآسيويين إلى دفع العملة الأفغانية إلى قمة التصنيف العالمي خلال الربع الماضي، وساهم استمرار تدفق المساعدات الخارجية ليس فقط في تحسين قيمة العملة المحلية ولكن أيضا في تجنب الانهيار الكامل للاقتصاد، وقد بلغت المساعدات الخارجية لأفغانستان 3.7 مليارات دولار في العام 2022، ساهمت الأمم المتحدة بمبلغ 3.2 مليارات دولار منها، مما ساهم في تحسن المؤشرات الاقتصادية وفي مقدمِها سعر الصرف.

ويشير ذلك بوضوح إلى أن استقرار سعر الصرف في العام الماضي وتحسنه في العام الحالي لا يعودان لتحسن الأداء الاقتصادي بقدر ما يعودان إلى حجم المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى عزل الاقتصاد عن النظام المالي العالمي ومحدودية التعاملات على النقد الأجنبي، وسيطرة الدولة على كافة المعاملات الخارجية، بخاصة بعد حظر استخدام الدولار والروبية الباكستانية في المعاملات المحلية وتشديد القيود على جلب العملات الأجنبية، وبالتالي فنحن لسنا أمام أداء طبيعي للعرض والطلب على النقد الأجنبي ولا قيمة حقيقية للعملة.

ومما يؤكد ذلك استمرار اتساع عجز الميزان التجاري الأفغاني، حيث تناقصت الصادرات السلعية إلى 883 مليون دولار في نهاية العام الماضي مقارنة بحوالى 1.04 مليار دولار في العام 2020، بينما تزايدت الواردات السلعية إلى 5.63 مليارات دولار عام 2022 مقارنة بنحو 5.55 مليارات دولار في العام 2021، أي أنّ العجز التجاري زاد في أفضل أحواله عن 4 مليارات دولار سنويا، وذلك على الرغم من الكبت الحكومي للواردات.

كما ساهم تهريب النقد الأجنبي عبر الحدود الباكستانية في خلق هذا التحسن في قيمة العملة الأفغانية، حيث ساعد في توفير البنك المركزي الأفغاني مبيعات بمقدار 16 مليون دولار أسبوعياً لمساندة العملة المحلية، وكذلك في رفع المركزي للحد الأقصى للسحب الشهري بالدولار للشركات إلى 40 ألف دولار بدلاً من 25 ألفاً.

ويشير ما سبق بوضوح إلى أن استقرار العملة المحلية والمؤشرات الاقتصادية الأفغانية تبقى رهينة للمساعدات الخارجية، والتي يهدد تناقصها بتلاشي نمو اقتصاد البلاد، الأمر الذي سيزيد حدة الأزمة الاقتصادية الموروثة من الأنظمة السابقة، لا سيما في ظل سيطرة القطاع العام والحكومة على النشاط الاقتصادي، ومعاناة القطاع الخاص من مشاكل انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي وضعف المؤسسات والبنية التحتية، فضلا عن انتشار الفساد وسوء بيئة الأعمال وصعوبتها.

الحصار المالي يضغط على الاقتصاد

صادرت الولايات المتحدة الأميركية احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي الأفغاني والمقدرة بنحو 7 مليارات دولار بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم منذ عامين تقريبا، ولا شك أن تجميد هذه الأموال يعيق الحركة الاقتصادية للبلاد لا سيما في ظل الصعوبات الجمة التي يواجهها وصعوبة استمرار المساعدات الخارجية، وسيساهم الإفراج عن الأصول الأفغانية العالقة على مستوى بنك التسويات الدولية والبالغة 3.5 مليارات دولار في تحسين الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين، كما سيسهم في تمويل التنمية الحقيقية للبلاد.

ومن هنا يمكن القول إن مشكلة الاقتصاد الأفغاني سياسية إلى حد كبير، فالحكومة بحاجة للاعتراف الدولي ودمج الاقتصاد على الأقل في المحيط الاقليمي، والتخطيط للتخلي المتدرج عن المساعدات الخارجية التي من المؤكد أنّها ستبدأ في التناقص، وبدء خطة تنموية حقيقية تنطلق من الإمكانيات المحلية، وفي مقدمِها العنصر البشري الذي يحتاج إلى جهود كبيرة في التعليم والتدريب للوفاء بالاحتياجات الاقتصادية المتطورة.

قد تنجح المساعدات الخارجية وإجراءات كبت الطلب على العملة الأجنبية في تحسين قيمة العملة الأفغانية مؤقتاً وفي المدى القصير، ولكن يبقى الاستقرار السياسي وتطوير القدرات الاقتصادية المحلية وإفساح المجال للقطاع الخاص ومكافحة سوء الإدارة الحكومية والفساد، عوامل حاكمة ليس فقط للخروج من ضغوط الأزمة الاقتصادية الحالية، لكن أيضاً لضمان استمرارية تحسن المؤشرات الاقتصادية وفي مقدمِها سعر الصرف.

المساهمون