تحسين الاقتصاد ومكافحة الغلاء وإعادة الاعتبار لليرة .. كلمة السر في الانتخابات التركية

08 مايو 2023
هل يقول الاقتصاد كلمته في انتخابات تركيا القادمة (فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، يخيّم الأداء الاقتصادي على الأجواء، وتتصدر الحالة الاقتصادية بشكل واضح وعود المرشحين وأجنداتهم، وكذلك هواجس الناخبين الذين يكتوون منذ شهور طويلة من نار التضخم والغلاء وتراجع قيمة الليرة التركية وتآكل القدرة الشرائية للمواطن.

وعلى الرغم من سطوة الاقتصاد في هذه الانتخابات التي ستجري يوم 14 مايو/أيار الجاري، لكن البعض يرى أنّه، نتيجة للاستقطاب السياسي الشديد، ربما لا يكون للاقتصاد تأثير كبير على توجهات الناخبين الملتزمين حزبياً.

وتعاني تركيا الآن من معدلات تضخم عالية تزيد عن 51%، بحسب الأرقام الرسمية للحكومة، فيما يقدر الاقتصاديون المستقلون التضخم بأرقام أعلى من ذلك بكثير وتصل إلى 112%. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تجاوز معدل التضخم في تركيا حاجز 80% وهو مستوى قياسي منذ عام 1998. 

تعاني تركيا الآن من معدلات تضخم عالية تزيد عن 51%، بحسب الأرقام الرسمية للحكومة، فيما يقدر الاقتصاديون المستقلون التضخم بأرقام أعلى من ذلك بكثير

وخلال الأسابيع الأخيرة، أخذت الانتخابات الرئاسية التركية طابع استفتاء حول تأييد أو معارضة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يواجه للمرة الأولى معارضة موحدة بعد 20 عاماً على توليه السلطة. وفي سن 69 عاماً، عاد أردوغان، ليظهر مبديا تصميما على البقاء خمس سنوات إضافية على رأس هذا البلد البالغ عدد سكانه 85 مليون نسمة.

المتنافسون على الرئاسة التركية

ينافس أردوغان في الانتخابات ثلاثة مرشحين بينهم خصمه الرئيسي كمال كلجدار أوغلو (74 عاماً) مرشح تحالف من ستة أحزاب معارضة، تشمل اليمين القومي وصولاً إلى اليسار الديمقراطي ويهيمن عليه حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. وتلقى "كمال" كما يقدم نفسه على الملصقات الدعائية مؤخراً دعماً غير مسبوق من حزب الشعوب الديمقراطي اليساري والمؤيد للأكراد الذي دعا للتصويت لصالحه. 

وتتوقع الاستطلاعات، أن الانتخابات الرئاسية ستكون حامية، ويؤكد الطرفان أنهما قادران على الفوز بها من الدورة الأولى، وإلا فسيتم تنظيم دورة ثانية في 28 مايو/أيار. 

يعد أثر الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في 6 فبراير/شباط وأوقع أكثر من 50 ألف قتيل وعدداً غير معروف من المفقودين في جنوب البلاد، عاملا لم يعرف تأثيره إلى الآن في هذه الانتخابات، فقد واجهت الحكومة مزاعم بالتأخر في بدء عمليات الإغاثة في المناطق المنكوبة التي بات سكانها موزعين الآن في أماكن أخرى أو لاجئين في خيم وحاويات، وقد نفت الحكومة تلك المزاعم، مؤكدا إدارة الملف بشكل احترافي.

برامج الاقتصاد عامل حاسم في الانتخابات

تبقى البرامج الاقتصادية عامل حسم قوي في الانتخابات المقبلة، وقبل استعراض البرامج الانتخابية للكتل الانتخابية، يجب الإشارة في البداية إلى الأداء الاقتصادي لتركيا خلال الـ 20 عاماً الماضية، فقد شهدت تركيا طفرة اقتصادية خلال العقد الأول من حكم أردوغان، ممّا أدّى إلى تكوين طبقة وسطى جديدة مزدهرة. لكن منذ العام 2013، ينتقل الاقتصاد من أزمة إلى أخرى. ووفقاً للبنك الدولي، فإنّ الناتج المحلّي الإجمالي لتركيا - الذي يعدّ مقياساً لثروة أي بلد - انخفض إلى مستوى السنوات الخمس الأولى لوصول أردوغان إلى الحكم.

ومع وصول نسبة التضخّم الرسمية إلى أكثر من 85 في المئة العام الماضي، تبددت مدّخرات ملايين الأُسر، وبالكاد تتمكن عائلات كثيرة من تأمين مصادر إنفاقها حتى نهاية الشهر.  

وبالنظر إلى متوسط الأشهر الـ 12 من العام المنصرم، فقد ارتفع التضخم بنسبة 70.20%، وكذلك أسعار المنتجين المحليين بنسبة 113.73%، وفقاً لهيئة الإحصاء التركية. 

وقضت الأزمة الاقتصادية على أكثر من نصف قيمة الليرة التركية، حيث قفز سعر صرف الدولار بنسبة 41.6% منذ يناير/كانون الثاني من العام الماضي. 

تداعيات الزلزال

أدّت الزلازل التي ضربت تركيا إلى تعميق التحديات الاقتصادية، وتسببت بخسائر بقيمة 103.6 مليارات دولار، أيّ ما يعادل نحو 9% من الحجم المتوقع لاقتصاد البلاد هذا العام، بحسب تقديرات حكومية. 

كذلك، بلغ عجز الحساب الجاري التركي، أو فجوة الصرف الأجنبي، ما يقرب من 50 مليار دولار العام الماضي، أي ما يزيد عن 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

تبنى أردوغان برنامجاً يقوم على أسعار الفائدة المنخفضة والتوسع الائتماني، مخالفاً بذلك العقيدة الليبرالية الجديدة، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الليرة

وفي الربع الأول لعام 2023، تجاوز عجز الموازنة التركية 13 مليار دولار، مقارنةً بـ 2.46 مليار دولار خلال مارس العام الماضي. كما اتسع العجز التراكمي لعام 2023، إلى 250 مليار ليرة (13.027 مليار دولار) حتى الآن، بسبب تداعيات الزلازل المدمرة بالأساس. ومنذ عام 2019، اتسمت السياسة الاقتصادية التركية بالتحولات المتكررة.  

برامج أردوغان الاقتصادية

في البداية، تبنى أردوغان برنامجاً يقوم على أسعار الفائدة المنخفضة والتوسع الائتماني، مخالفاً بذلك العقيدة الليبرالية الجديدة، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الليرة، وارتفاع معدلات التضخم وزيادة عجز الحساب الجاري والديون الخارجية، نظراً لاعتماد تركيا الكبير على الواردات.

تلى ذلك مرحلة حاولت فيها تركيا موازنة هذه التأثيرات، فركّزت الحكومة على برنامج ليبرالي تقليدي جديد، تمثّل في أسعار فائدة عالية لجذب رأس المال الأجنبي واستقرار قيمة الليرة، وترافق ذلك مع انكماش الائتمان من أجل محاربة التضخم والمديونية. 

وعلى الرغم من أن العامين الفائتين من حكم أردوغان كانا صعبين على المواطن التركي، بسبب الأعباء الاقتصادية المتزايدة، إلا أن حزب العدالة والتنمية ما زال يعوّل على ما يعتبره إرث أردوغان الاقتصادي الناجح، والعودة إلى السياسة الاقتصادية التي سبقت هذين العامين.

في المقابل، ترسم المعارضة اقتصاداً يسترشد بالسياسات التقليدية ويتكامل مع الاقتصاد الغربي، أي عكس سياسة أردوغان خلال السنتين الأخيرتين، إلا أنّ المعارضة لم تطرح سياسة اقتصادية بديلة تفصيلية، ولم تقدم آليات تنفيذية للكثير من الوعود الاقتصادية التي أطلقتها. وهناك إجماع على أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات فإنه سيواجه وضعاً اقتصادياً ضاغطاً، تبعاً لتداعيات الزلازل ومحاولة التعافي الاقتصادي. 

ووفق ما تم الإعلان عنه من قبل حزب العدالة والتنمية، فإن برنامجه الاقتصادي للمرحلة المقبلة يكشف عن عودة إلى سياسات أكثر تقليدية بشأن اقتصاد السوق الحر. 

وهناك من يتحدث عن أنه سيكون مشابهاً جداً للبرنامج المنصوص عليه في البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية لعام 2002، وبعبارة أخرى يعود حزب العدالة والتنمية إلى أصوله، ويتخلى عن الاقتصاد البدعي.

يعوّل أردوغان على إعلانه عن نيته إعطاء دور كبير في إدارة الاقتصاد لنائب رئيس الوزراء ووزير المالية السابق محمد شيمشك، الذي ظل نائباً لرئيس الوزراء حتى عام 2018.

في الشهور الماضية عمدت الحكومة التركية إلى ما يسمى "اقتصاد الانتخابات"، أي زيادة الإنفاق الحكومي وتقليل الجباية، كرفع الحد الأدنى للأجور وتسهيل القروض وجدولة الديون ودعم بعض الشرائح، وهو ما اعتبره المعارضون وسيلة لكسب ود الناخبين عبر رشوتهم بطريقة غير مباشرة.

في الشهور الماضية عمدت الحكومة التركية إلى ما يسمى "اقتصاد الانتخابات"، أي زيادة الإنفاق الحكومي وتقليل الجباية، كرفع الحد الأدنى للأجور وتسهيل القروض وجدولة الديون

كما يسعى تحالف الجمهور إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، وزيادة النمو السنوي بنسبة 5.5% من عام 2024 إلى عام 2028، وتحقيق ناتج محلي إجمالي قدره 1.5 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2028، واعتماد سياسة تطوير قطاع الصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، وإنشاء مشروع قناة إسطنبول.  

الاقتصاد التقليدي

تعدّ العودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية تعهداً انتخابياً رئيسياً لكتلة المعارضة التركية، جعل تحالف المعارضة التضخم قضية ذات أولوية كنقطة ارتكاز في انتقاد الحكومة وهدف اقتصادي حيث تتعهد بتقليله إلى 10% في غضون عامين. 

وقدّم تحالف المعارضة الكثير من الوعود الاقتصادية، ولكن الانتقاد الأبرز لها أنها لا تقدم آليات وسياسات واضحة لتحقيق وعودها. 

وتربط المعارضة التركية العودة إلى النظام البرلماني بتحسن الاقتصاد، معتبرة أنّ ذلك سيعيد إحياء تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا. 

كما يراهن تحالف الأمة المعارض على اسم علي باباجان، الذي ترأس الاقتصاد في أوج عهد حزب العدالة والتنمية، وهو يحظى باحترام كبير من قبل المستثمرين الأجانب. ويعتزم التحالف، بحسب رويترز، تعيين باباجان نائباً للرئيس للشؤون الاقتصادية إذا فاز في الانتخابات الرئاسية. 

وتتعهد المعارضة، بتحقيق معدل نمو اقتصادي عند 5% على الأقل على مدى 5 سنوات، ومضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل إلى 18 ألف دولار، بالإضافة إلى خلق ما لا يقل عن 5 ملايين وظيفة جديدة والحد بشكل كبير من معدل البطالة. 

ذلك فضلاً عن استعادة استقلالية البنك المركزي وواجبه الأساسي في ضمان استقرار الأسعار، وجعل أسعار الفائدة تتماشى مع واقع السوق، وتنشيط القطاع الزراعي التركي في مواجهة تضخم أسعار المواد الغذائية المقلق، ومعالجة الفوارق في الدخل في البلاد كذلك، وتحفيز قطاعي الصناعة والسياحة لتعزيز إيرادات العملة الصعبة وتضييق عجز الحساب الجاري.

ومنذ أيام أوردت وكالة "بلومبيرغ" تقريرا حول أداء الاقتصاد التركي ما بعد الانتخابات الرئاسية، وأيضاً أداء الليرة التركية، حيث أكد التقرير في مقدمته أن الأوضاع الاقتصادية في تركيا ستظل غير مستقرة، أياً كان الفائز في الانتخابات. 

وأكدت الوكالة أن الليرة التركية ستضعف بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات التركية المقبلة، وقدر خبراء القيمة العادلة لليرة بنحو 24 ليرة لكل دولار، ويقولون إنّ هناك حاجة إلى تخفيض قيمة العملة 15 - 25%.

وأكد محللون أنّه في حال فوز المعارضة، ستشهد الأسواق تقلبات كبيرة حتى تعلن الحكومة الجديدة إطاراً اقتصادياً جديداً وتُملأ المناصب الرئيسية في الإدارة.

تربط المعارضة التركية العودة إلى النظام البرلماني بتحسن الاقتصاد، معتبرة أنّ ذلك سيعيد إحياء تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا.  

كذلك، أشار الخبراء إلى أنّه إذا تمسكت إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان بالسلطة، فقد تشهد الليرة انخفاضاً غير منظم في قيمتها. 

وأضاف المحللون أنّ السيناريو الآخر الذي قد يدفع الليرة إلى الانخفاض هو قرار البنك المركزي سحب تدخلاته في العملة التي كانت تدعم السوق. 

وتزيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 14 مايو/أيار من حالة عدم اليقين، إذ إنّ الانتخابات ستحسم ما إذا كانت تركيا ستواصل سياساتها الاقتصادية غير التقليدية تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان أم ستعود إلى الاقتصاد الحر كما وعدت المعارضة التركية. 

المساهمون