تحديات رئيسية تنتظر الرئيس الإيراني الجديد أبرزها العقوبات وكورونا

20 يونيو 2021
الاقتصاد الإيراني يواجه الكثير من التحديات (Getty)
+ الخط -

يواجه الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، الذي أعلن عن فوزه يوم الجمعة، 4 تحديات اقتصادية إضافة إلى مكافحة الفساد، وهي: التضخم، ورفع العقوبات الأميركية، وزيادة السيولة في الاقتصاد، والتعامل مع تداعيات كورونا على النمو الاقتصادي والبطالة.

إذ إن الاقتصاد كان حاضراً بشكل غير مسبوق في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي أجريت يوم الجمعة الماضي، وفاز فيها المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي. إذ احتل الاقتصاد حيزاً كبيراً من تصريحات المرشحين الإيرانيين السبعة والمناظرات الثلاث التي دارت بينهم على التلفزيون الإيراني. 

والجميع كان معترضاً على الوضع الاقتصادي، ويقدم وصفته لحل الأزمة الاقتصادية، والكلمة الفاصلة في هذه الانتخابات كانت للاقتصاد، فمن اختار المقاطعة وعدم المشاركة فيها من شرائح إيرانية كانت الأزمة تتصدر قائمة أسبابهم ودوافعهم، وكذلك بين الذين اختاروا التصويت أيضاً هناك من توجه إلى صناديق الاقتراع على أمل أن تحمل تغييراً لوضعهم الاقتصادي بتغيير الحكومة. 

يرى مراقبون أن الأزمة الاقتصادية الإيرانية بلغت مرحلة لا يمكن استمرارها من دون إيجاد حلول أساسية، بعضها ينبغي أن تكون عاجلة لإحداث تغيير اقتصادي سريع، يشعر به المواطن الإيراني، مثل كبح الأسعار ومنع ارتفاعها الجنوني.

وانطلاقاً من هذه القراءة للوضع الاقتصادي الإيراني، فإن الاقتصاد يشكل أولوية قصوى للحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة الرئيس إبراهيم رئيسي، لتنتظرها في العمل بمقتضى هذه الأولوية تحديات اقتصادية جسام، تتداخل خيوطها وتتشابك تفاصيلها.

 

بشكل عام، يواجه الاقتصاد الإيراني، اليوم، حالة غير مستقرة، تثير قلقاً لدى القطاعات الاقتصادية، وخاصة القطاع الخاص والمستثمرين، لضبابية الموقف وعدم القدرة على توقع ما يمكن أن يحدث في قادم الأيام. وهنا يرى الخبراء أن إنهاء هذه الوضعية يتوقف على مصير العقوبات الأميركية بالدرجة الأولى، فضلاً عن عملية جراحية اقتصادية شاملة وعاجلة، ليساهم كل ذلك في إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد الإيراني.

وأمام الحكومة الإيرانية المقبلة تحديات كبيرة معقدة ومركبة، مواجهتها تستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة، ومن الصعب تأجيلها، أبرزها أربعة تحديات، لكن هناك تحديات أخرى، وهي تحظى بأهمية كبيرة على المدى البعيد، مثل إجراء إصلاحات بنيوية في الاقتصاد الإيراني، التي تستغرق وقتاً لعدة سنوات، ولا يمكن تنفيذها بين ليلة وضحاها.

ارتفاع التضخم

بحسب آخر البيانات الرسمية، اقترب التضخم الشهري من حاجز 50 في المائة في إيران، لكن هناك من يرى أن النسبة أكثر من ذلك. تشهد إيران منذ عام 2018 منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تضخماً غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، إذ تشير الأرقام إلى ارتفاع هذه الأسعار خلال هذه السنوات إلى أكثر من 15 ضعفاً في بعض الحالات، وخاصة في السلع الغذائية والضرورية للمواطنين.

في المقابل، تراجعت القوة الشرائية للمواطن الإيراني إلى نحو 600 في المائة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار انخفاض قيمة العملة الإيرانية خلال هذه السنوات من نحو 4 آلاف تومان لكل دولار أميركي إلى 24 ألف تومان حالياً، على الرغم من أن التراجع وصل إلى 32 ألف تومان، قبل أن يتحسن وضع العملة قليلاً خلال الأشهر الأخيرة.

 

وأدّى النزيف المستمر القياسي للريال الإيراني، وفي الوقت نفسه تصاعد الأسعار، إلى انهيار حالة شبه توازن وتعادل كانت موجودة بين قوة المواطن الشرائية ودخله والتضخم، ليواجه اليوم واقعاً معيشياً صعباً لم يمر عليه حتى في أيام الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

وعليه، تفرض مواجهة تضخم الأسعار نفسها كأولوية قصوى على أجندة حكومة رئيسي الاقتصادية، لتبني خطة عاجلة لكبح ارتفاع الأسعار. صحيح أن النجاح في ذلك يتوقف على إحداث الاستقرار في الاقتصاد الإيراني، وهو مرتبط بجملة عوامل أخرى، لكن يرى خبراء أن جزءاً من أسباب الارتفاع اليومي للأسعار يعود إلى تراجع دور الحكومة الحالية الرقابي وإخفاقها في الرقابة على السوق، وسياساتها الاقتصادية الخاطئة.

لكن الأسباب كلها ليست اقتصادية ومشاكل بنيوية في إدارة الاقتصاد، وإنما هناك اتهامات لشركات ومصانع باستغلال الوضع الراهن لرفع أسعارها، كما أن هناك من يرى أن الحكومة أيضاً لم تساعد تلك المصانع والشركات في تأمين المواد الخامة التي دفع ارتفاع أسعارها، خاصة المستورد منها، بسبب انخفاض الريال الحاد، إلى تلك الشركات في المقابل لأسعار سلعها لتدارك الوضع.

 

وهنا يعتقد الخبراء أن اتباع الحكومة سياسة واضحة ومدروسة لمواجهة التضخم من شأنها أن تحول دون اتساع رقعته بشكل يومي نتيجة ارتفاع الأسعار، إلى أن تتمكن من إيجاد حلول جذرية لإعادة الاستقرار إلى الأسواق والاقتصاد في البلاد. وبالتالي فخفض التضخم على المدى القصير وكبح الأسعار من خلال معالجة ما يمكن معاجلته من مسببات وعوامل يشكّل الأولوية الرئيسية للحكومة القادمة لتخفيف الاحتقان في الشارع من تردي الوضع الاقتصادي، وإعادة الثقة إليه بقدرة الحكومة في مواجهة الأزمة الاقتصادية.

أهمية مواجهة هذا التحدي تزداد إذا أخُذ في الاعتبار اتساع الفارق بين القدرة الشرائية للمواطن الإيراني ودخله خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إذ زاد بشكل كبير من الطبقة الفقيرة في المجتمع الإيراني، وأدخل الكثير من الإيرانيين إلى هذه الطبقة، وأفقر شرائح كبيرة من الطبقة المتوسطة، حيث كشف رئيس غرفة تجارة طهران، مسعود خوانساري، الأسبوع الماضي، وفق موقع "انتخاب" الإصلاحي، عن أن 30 في المائة من عدد سكان إيران البالغ 85 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر وأن الرقم سيصل إلى 50 في المائة إذا استمرت السياسات الحالية. 

رفع العقوبات 

يشكل رفع العقوبات الأميركية في ظل عدم إلغائها حتى الآن بعد ست جولات تفاوض غير مباشر بين طهران وواشنطن في فيينا، الأولوية الثانية للحكومة المقبلة، طبعاً إذا لم تنجح الحكومة الحالية في رفعها خلال فترة 44 يوماً المتبقية من ولايتها حتى الثالث من أغسطس/ آب المقبل.

المرشحون المحافظون، بمن فيهم الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، أظهروا اهتماماً بالسعي لرفع العقوبات خلال حملاتهم الانتخابية، لكنهم على ضوء صعوبة هذا التحدي تحدثوا عن العمل أيضاً على إحباط مفاعيل العقوبات، بشكل متزامن مع الجهود التي تبذل لرفعها في مفاوضات فيينا. لكن يرى مراقبون أن الاقتصاد الإيراني لا يعيش حالة مستقرة، يمكنها فعلاً من إحباط تلك المفاعيل، ما يجعل الأمر صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، فيعتقد هؤلاء أن إحباط مفاعيل العقوبات في ظل شح كبير في موارد الدولة، تسببت به تلك العقوبات، ليس سهلاً.

 

تشير الأرقام، بحسب تصريحات رئيس البنك المركزي السابق، عبد الناصر همتي، الذي ترشح في الانتخابات الرئاسية، إلى أن العقوبات قد خفضت موارد الدولة من 100 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار، فضلاً عن أن الرئيس الإيراني حسن روحاني تحدث في وقت سابق عن أنها أفقدت إيران نحو 200 مليار دولار من عوائدها ومواردها.

يرى الخبراء أن رفع العقوبات يشكل ضرورة قصوى لتمكين الحكومة في مواجهة الأزمة الاقتصادية، ومن دونه تبقى الجهود لمواجهة بقية التحديات الاقتصادية مؤقتة، لكن إذا ما رافقها رفع العقوبات، فالأخير سيزيد نسبة النجاح في الأمر، ومن دونه من الصعب بمكان مواجهة بقية مشاكل الاقتصاد الإيراني على المديين المتوسط والبعيد.

وتزداد أهمية رفع العقوبات إذا ما علمنا أنها أحدثت خللاً كبيراً حتى في العلاقات التجارية بين إيران وشركائها التجاريين، أو الدول الصديقة، إذ إنّها أثرت سلباً بشكل كبير على تجارتها مع هذه الدول، لتحرمها حتى من الحصول على عوائد صادراتها إليها.

المثال على ذلك هو تجميد أموال إيرانية من عوائد الصادرات في العراق والصين، الشريكين التجاريين الرئيسيين لإيران، بفعل ضغوط العقوبات الأميركية. هذه العقوبات على الرغم من نجاح إيراني في الالتفاف عليها خلال هذه السنوات في ظل وجود خبرات وتجارب متراكمة، لكنها صفرت التبادل المالي النقدي الرسمي مع الخارج، لدرجة لم تتمكن إيران من دفع رسوم حق التصويت في الأمم المتحدة، ما دفع الأخيرة إلى تعليق حقها في التصويت، قبل أن توافق الإدارة الأميركية على دفع المبلغ البالغ 16 مليون دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، وهي تقدر بنحو 7 مليارات دولارات.

تبعات كورونا

مضى 487 يوماً على تفشي فيروس كورونا في إيران، الذي ضاعف تبعات العقوبات الأميركية، إلى حد كبير، وزاد من المشاكل الاقتصادية، فتسبب الفيروس بفقدان نحو مليوني إيراني وظائفهم، وأطاح كثيراً من فرص عمل للعاطلين عن العمل، وأجبر أصحاب مصانع ومحلات تجارية على إغلاقها.

تفشي كورونا مستمر في إيران، ومعه تبعاته الاقتصادية، على الرغم من تراجعها بعد انتهاء القيود الاقتصادية المفروضة المرتبطة بالفيروس، ما أفقد أكثر من مليون و100 ألف إيراني أعمالهم، بحسب الإحصائيات الرسمية، ونحو مليونين بحسب الأرقام غير الرسمية.

 

تضاف إلى ذلك تكاليف مالية باهظة، حمّلها الفيروس الحكومة مثل دفع بدلات البطالة عن العمل لأكثر من 700 ألف إيراني فقدوا عملهم، ودفع مبالغ نقدية عدة مرات لأكثر من عشرين مليون إيراني، وتكاليف العلاج وتوفير اللقاحات بمليارات دولارات.

كل ذلك يضع الحكومة الإيرانية المقبلة أمام تحدي استمرار تبعات كورونا، التي يرى المراقبون أنها ستبقى لفترة طويلة، لكن مواجهة هذه التداعيات بحاجة إلى وجود موارد بالقدر الكافي في الدول المستقرة اقتصادياً، أما في الحالة الإيرانية التي تواجه العقوبات الأميركية القاسية التي تسببت بشح حاد في تلك الموارد، فالمواجهة ليست أمراً سهلاً وتعتريها صعوبات بالغة.  

تحدي السيولة

التزايد المستمر للسيولة في الاقتصاد الإيراني يشكل أحد التحديات الاقتصادية، لتأثيره في تفاقم التضخم وثم الأزمة الاقتصادية، فتشير الأرقام الرسمية إلى أن السيولة خلال السنوات الثماني الماضية ارتفعت 8 أضعاف لتبلغ من 4200 مليار تومان (سعر صرف كل دولار أميركي يساوي 24 ألف تومان) عام 2013 إلى 340 ألف مليار تومان في الوقت الراهن. وعلى ضوء المشاكل التي يواجهها قطاع الإنتاج في إيران، غالباً لا تتوجه هذه السيولة إلى الإنتاج لتحريك عجلاته، بل تقصد الاستثمار في أسواق غير إنتاجية، والنتيجة هي رفع التضخم إلى مستويات قياسية.

 

تظهر البيانات الاقتصادية أن هذا الحجم الكبير للسيولة توجه خلال العقد الأخير إلى قطاعات السكن، والسيارات، والعملات الأجنبية، ما رفع مساهمة دور المضاربين في التحكم بهذه القطاعات في الاقتصاد الإيراني والأسعار في تلك القطاعات، ما ارتد سلباً على القطاعات الحيوية الأخرى.

ومن أهم أسباب زيادة السيولة في إيران، وكذلك التضخم، بحسب الخبراء، هو عدم اعتماد الموازنة على أرقام موضوعية وحقيقية، ما يؤدي إلى عجز كبير في الموازنة غالباً ما، ليدفع الوضع الحكومة نحو البحث عن طرق لتعويض العجز فيتسبب هذا التصرف في زيادة السيولة في الاقتصاد.

على سبيل المثال، فإن ربط الموازنة الحالية بالصادرات النفطية لأكثر من 20 %/ أي تصدير 1.5 مليون برميل يومياً، في ظل الصعوبات البالغة لتصديره، بسبب الحظر الأميركي التام، يزيد بشكل كبير السيولة، إذ إن العجز الناتج عن ذلك يدفع الحكومة إلى طباعة النقد والاستقراض من البنوك وبيع السندات وغيرها، وكل ذلك ينتهي إلى ضخ النقد في الأسواق.

كما أن زيادة المصاريف العامة تشكّل تحدياً كبيراً بموازاة تحدي السيولة، ما يفاقم الأخير، إذ إن هذه المصاريف كانت عام 2013 نحو 1200 مليار تومان، لكنها سجلت طفرة كبيرة في موازنة العام الحالي إلى 637 ألف مليار تومان، أي ارتفعت بنسبة 46 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي، وهذا الارتفاع القياسي على ضوء شح الموارد يثير تساؤلاً عن طريقة توفير مواردها، ما يجعل الحكومة في نهاية المطاف تبحث عن موارد غير حقيقية لتأمين التكاليف وزيادة السيولة.  

المساهمون