بينما ارتفعت أسعار الغازولين إلى أعلى مستوياتها في 7 سنوات وساهمت بدرجة كبيرة في زيادة معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى مستوى غير مسبوق في 30 عاماً، تتجه إدارة الرئيس جوزيف بايدن لإطلاق جزء من احتياطي النفط الاستراتيجي في خطوة منسقة مع كل من اليابان والصين حسب ما ذكرت وكالة رويترز أمس الخميس.
وكانت الإدارة الأميركية قد طلبت من تحالف "أوبك+" زيادة سقف الإنتاج النفطي ومساعدة الاقتصاد العالمي على الخروج من تداعيات جائحة كورونا ولكن الأعضاء لم يستجيبوا للطلب، ما وضع الحكومة الأميركية أمام خيار اللجوء للاحتياط الاستراتيجي من النفط.
ويرى محللون أن خطوة إطلاق جزء من نفط الاحتياط الاستراتيجي الأميركي يعطي إشارة إلى أن الإدارة الأميركية تشعر بقلق كبير حيال تداعيات النقص في المعروض النفطي على مسار النمو الاقتصادي وربما السياسة النقدية الأميركية.
وعادة ما تطلق الولايات المتحدة وحلفاؤها الكبار نفط الاحتياط الاستراتيجي في الحالات الطارئة القصوى مثل الكوارث الطبيعية الكبرى والحروب. ولدى الولايات المتحدة، وحسب بيانات إدارة الطاقة الأميركية، احتياطات استراتيجية تبلغ 609.4 ملايين برميل، مخزنة في كهوف بأربعة مواقع شديدة الحراسة على سواحل لويزيانا وتكساس. وتكفي هذه الكمية لسد الطلب الأميركي لفترة تزيد على الشهر. وإضافة إلى الاحتياط الاستراتيجي تحتفظ الولايات المتحدة أيضاً بكميات صغيرة من وقود التدفئة والبنزين في شمال شرق البلاد.
وحسب ما توقع خبير بشركة وساطة كبرى في تجارة النفط، لوكالة بلومبيرغ، فإن الولايات المتحدة ربما تطلق كميات نفطية تقدر بنحو 60 مليون برميل من النفط، وهذه الكمية من الناحية النظرية تعادل استهلاك الولايات المتحدة من النفط في ثلاثة أيام بحساب أن الاستهلاك النفطي اليومي في أميركا يقدر بنحو 20 مليون برميل يومياً.
ويقول الرئيس بايدن إن إطلاق الاحتياط الاستراتيجي من النفط، هو واحدة من الآليات المتاحة، ولكنه لم يوضح ما هي الآليات الأخرى المتاحة لدى الإدارة الأميركية.
ولاحظ خبراء أن سوق الطاقة العالمية الذي تغير بعد ثورة النفط الصخري التي حولت الولايات المتحدة من مستورد إلى مصدر للخامات النفطية، قلل من القدرة العملية للولايات المتحدة في الضغط على منظمة "أوبك+"، حيث لم تعد أميركا سوقاً مهماً لصادرات المنظمة النفطية، وباتت الصين هي السوق الرئيسية لواردات خاماتها.
كما أن انضمام روسيا للتحالف النفطي حولها إلى منظمة تأخذ في الاعتبار المصالح الروسية في قرارات الإنتاج والأسعار أكثر من المصالح الأميركية.
وحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن كميات النفط الموجودة في خزانات الاحتياط الاستراتيجي حتى الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تبلغ 609.4 ملايين برميل، منها 252.5 مليون برميل من الخامات الخفيفة أو ما يطلق عليه " النفط الحلو" الذي تحبذه المصافي الأميركية، و356.9 مليون برميل من الخامات الثقيلة أو تلك التي تحتوي على نسبة كبيرة من الكبريت.
كما تشير إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى أن القانون الأميركي يمنح وزير الطاقة الحق في إطلاق جزء من الاحتياط الاستراتيجي ضمن صفقة تبادلية مع بعض المؤسسات الخاصة.
لكن محللين بنشرة" أويل برايس" الأميركية، يرون أن هنالك عقبات فنية تعترض فاعلية إطلاق الخامات الثقيلة من الاحتياط الاستراتيجي في سوق المصافي الأميركية، حيث أن إطلاق كميات من الخامات الثقيلة من الاحتياط الاستراتيجي سيعني أن المصافي ستحتاج إلى استخدام الغاز الطبيعي، الذي ترتفع أسعاره حالياً، حتى تتمكن من تحويله إلى مشتقات نفطية مثل الغازولين والبنزين.
وفي ذات الصدد، يرى مصرف "جي بي مورغان" الأميركي، أن البيت الأبيض لديه تفويض دون حاجة للرجوع للكونغرس لإطلاق 18 مليون برميل، ولكن بشرط أن يكون هنالك اتفاق على تعويضها في المستقبل.
ومن الممكن أن يمنح طرح كمية من الاحتياط النفطي في الأسواق لإدارة الرئيس بايدن فرصة الانتظار حتى العام المقبل وظهور الزيادة في الإمدادات النفطية التي قالت عنها إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها الصادر في الأسبوع الماضي. ويتخوف أعضاء الحزب الديمقراطي من أن تقود أزمة أسعار الوقود التي تفاقم من التضخم إلى خسارة الأغلبية في انتخابات النصف التي ستجرى في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ويدعم قرار الرئيس بايدن ضخ كميات من النفط الاستراتيجي تنسيقه مع دول مهمة مثل الصين واليابان والهند ودول النمور الآسيوية، وهذه الدول من كبار مستوردي الخامات النفطية التي تنتجها "أوبك+".
وتقدر شركة "إنيرجي أسبكتس" الأميركية حجم الاحتياطات الاستراتيجية لدى الصين بنحو 220 مليون برميل، لكن مصادر أخرى تقدر الكميات بأكبر من ذلك وتضعها في حدود 223.7 مليون برميل. وفي خطوة غير مسبوقة، طرحت الصين في سبتمبر/ أيلول الماضي جزءاً من احتياطاتها الاستراتيجية من النفط في مزادات كان أولها في 24 سبتمبر الماضي، حسب بيان إدارة الاحتياطات من الطاقة والغذاء في بكين.
ويرى خبراء أن التفاهم الجاري بين واشنطن وبكين وحاجة كليهما لخفض معدل التضخم المرتفع سيمثل ضغطاً مؤثراً على تحالف " أوبك+"، خاصة بعد قمة يوم الاثنين ومناقشة الرئيسين الأميركي والصيني لقضايا التعاون في مجالات النمو الاقتصادي وحل الخلافات التجارية.