بايدن في مأزق بعد رفض "أوبك" ضغوطه.. ارتفاع النفط يهدد انتعاش أميركا

بايدن في مأزق مع النفط بعد رفض "أوبك" ضغوطه... ارتفاع الأسعار يهدّد الانتعاش الأميركي

12 نوفمبر 2021
بايدن يدرس خيارات التعامل مع ارتفاع أسعار الوقود وتداعياته على التضخم (Getty)
+ الخط -

يبدو أن الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في ورطة حقيقية مع أسعار النفط المرتفعة التي زادت أسعار الغازولين بنسبة 60% في الولايات المتحدة خلال الـ12 شهراً الماضية، وأدت إلى تفاقم معدل التضخم الذي ارتفع في أكتوبر/ تشرين الأول إلى أعلى مستوياته في 30 عاماً، وفقاً لبيانات مصلحة العمل الأميركية.

ويرى الخبير النفطي الأميركي الزميل بمعهد جيمس بيكر لدراسات الطاقة بجامعة رايس في هيوستون، سايمون هندرسون، أن أزمة أسعار الغازولين وبقية المحروقات تمثل عقبة حقيقية أمام انتعاش الاقتصاد الأميركي والاقتصادات الصناعية العالمية، وأن إدارة بايدن تنظر لها بمنظار الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل الاقتصاد الأميركي في الوقت الحالي.

ويقول هندرسون في هذا الشأن: "يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، حيث إن أميركا وحلفاءها الغربيين سيدخلون في صراع مع "أوبك+" حول سعر النفط مثلما حدث في عقد السبعينيات" مع منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".

وكانت إدارة جو بايدن قد طلبت قبل أيام من "أوبك+" زيادة الإنتاج النفطي حتى تنخفض أسعار المشتقات النفطية المرتفعة التي تفاقم من التضخم. ولكن التحالف النفطي الذي تقوده موسكو والرياض رفض الاستجابة لطلب الرئيس الأميركي.

ويرى محللون أن أوبك+ ربما لن تستجيب لمطالب الإدارة الأميركية في وقت يتزايد نفوذ موسكو على المنظمة البترولية. في هذا الشأن يقول محلل الأسواق والخبير النفطي بمصرف الإمارات، إدوارد بيل: "نتوقع أن تحافظ أوبك+ على مستويات الإنتاج الحالية حتى تواصل جني الفائدة من الأسعار المرتفعة وتحسين موازناتها المالية".

وفي ذات الشأن، قال الخبير النفطي بنشرة "ستاندرد آند بورز غلوبال"، هيرمان وانغ، في تعليقات حول مستقبل استجابة المنظمة البترولية لطلب الإدارة الأميركية: "على الرغم من ضغط الولايات المتحدة والهند واليابان على أوبك، فإن التصريحات الصادرة عن وزراء المنظمة البترولية تؤكد إصرارها على المحافظة على سياسة الإنتاج الحالية والمتفق عليها حتى العام المقبل".

وفي المقابل، فإن الرئيس الأميركي يلقي باللوم في أسعار الغازولين المرتفعة وتداعياتها على روسيا والسعودية، وهما الدولتان اللتان تقودان سياسة المنظمة البترولية، باعتبارهما أكبر منتجين للنفط في العالم.

ونسبت صحيفة "فاينانشيال تايمز" إلى البيت الأبيض قوله "إن أوبك+ تغامر بتخريب الانتعاش الاقتصادي العالمي برفضها زيادة الإنتاج، كما حذر من أن أميركا مستعدة لاستخدام كل الأدوات الضرورية لخفض أسعار الوقود".

ولاحظ خبير الطاقة الأميركي هندرسون في تحليل بنشرة "ذا هيل" التي تصدر في واشنطن وتعنى بشؤون الكونغرس، غياب كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن اجتماعات قمة العشرين التي عقدت في روما نهاية الشهر الماضي.

من جانبه، يرى خبير الطاقة الأميركي الزميل بمركز "أتلانتك كاونسل" للدراسات في واشنطن، أريل كوهين، أن هنالك رفضاً صريحاً من أوبك+ لطلب الإدارة الأميركية زيادة الإنتاج النفطي، في وقت تواجه الدول الصناعية أزمة في الطاقة، وتسعى للخروج من تداعيات جائحة كورونا.

ويقول الخبير كوهين إن سياسة بايدن البيئية التي تصطدم حالياً بأزمة أسعار النفط، وفشله في إقناع "أوبك+" بزيادة الإنتاج، تضع الرئيس بايدن أمام مجموعة من التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ إذ إنها تخفض شعبيته في داخل الولايات المتحدة وتهدد الأغلبية التي يتمتع بها الحزب الديمقراطي في الكونغرس، حيث إن الانتخابات نصف السنوية ستحل في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل 2022.

أما على الصعيد الخارجي، فإن أزمة أسعار النفط وتداعياتها على التضخم تقوي النفوذ الروسي على القرار السياسي داخل دول المجموعة الأوروبية، وربما تساهم في إضعاف التزام دول المجموعة بحماية المصالح الأوكرانية في وجه روسيا.

ويرى محللون في ذات الشأن أن أسعار النفط المرتفعة تقوي تحالف "بكين ـ موسكو" المناوئ للهيمنة الأميركية، حيث إن أزمة الأسعار المرتفعة وتزايد احتياجاتها للنفط سيدفعان الصين لتعزيز علاقاتها أكثر مع موسكو التي تملك الاحتياطات النفطية المرتفعة، وتملك التأثير على تحالف "أوبك+".

وحسب تقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن إدارة الرئيس بايدن تحدثت مع حلفائها في أوروبا وآسيا بشأن التنسيق المشترك لضخ النفط من الاحتياطات الاستراتيجية، رغم أن هذه الاحتياطات مرصودة للحالات الطارئة مثل الحروب.

ويرى محللون أن إدارة بايدن أمام خيارات محدودة جداً، من بينها خفض صادرات الغاز الطبيعي المسال لاستخدامه كبديل للنفط في أميركا، ولكن هذا الخيار محدود التأثير على أزمة النفط، حيث تقدر إدارة معلومات الطاقة زيادة اعتماد الأسر الأميركية على الغاز الطبيعي في التدفئة خلال العام الجاري بنسبة 30%.

كما ستكون له تداعيات سلبية على النفوذ السياسي الأميركي في دول جنوب شرقي آسيا، التي تعتمد في جزء من إمدادات التدفئة وتوليد الكهرباء على شحنات الغاز الصخري الأميركي المسال التي تصل إليها من أميركا.

ويعترف الرئيس بايدن بأن أسعار النفط المرتفعة تضعه أمام مأزق سياسي حقيقي. وقال في قمة العشرين التي عقدت في روما نهاية الشهر الماضي: "إن تحديات خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار تحديات صعبة نواجهها الآن"، إذ بينما يعمل الرئيس على تطبيق السياسات البيئية تعرقل أسعار النفط المرتفعة تنفيذ هذه السياسة.

ولا يستبعد محللون أن يلجأ بايدن إلى الضخ من الاحتياط الاستراتيجي النفطي، ولكن مثل هذا القرار ربما يواجه بانتقادات حادة من قبل "لوبي النفط" في أميركا وأعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس من جهة، كما أنه ربما يجد صعوبة في التنسيق مع حلفائه في أوروبا وآسيا.

وحسب تقرير في نشرة "ستاندرد آند بورز غلوبال" النفطية الأميركية يوم الأربعاء، فإن مسؤولاً كبيراً بالإدارة الأميركية قال إن بايدن ربما يتخذ قراراً بشأن الضخ من الاحتياطي الاستراتيجي خلال الأسبوع الجاري.

لكن خبراء يرون أن تقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية يوم الثلاثاء، لا يدعم قرار ضخ نفط من الاحتياطي الاستراتيجي. ورفع التقرير إنتاج الولايات المتحدة من النفط إلى 11.9 مليون برميل يومياً في العام المقبل 2022 من مستواه في العام الجاري 11.13 مليون برميل يومياً.

وعلى الرغم من الحديث عن بدائل الطاقة المتجددة، فإن الطاقة الأحفورية لا تزال من بين أهم محركات الطاقة في العالم. وحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن استهلاك النفط العالمي ارتفع إلى 100 مليون برميل يومياً.

وتساهم أسعار البنزين والمشتقات النفطية بنسبة كبيرة في التضخم الأميركي الذي ارتفع لخمسة شهور متوالية فوق 5%، ومن المتوقع أن يتواصل وسط أزمات سلاسل الإمداد والعقبات التي تعترض توفير بدائل الطاقة المتجددة.

يذكر أن أسعار النفط تراجعت في التعاملات الصباحية، أمس الخميس، مدفوعة ببيانات أميركية مرتبطة بأسعار المستهلك في البلاد، وارتفاع مخزونات النفط الخام، إلا أنها لا تزال فوق 80 دولاراً للبرميل. وتتخوف الولايات المتحدة التي تستهلك يومياً نحو 20 مليون برميل يومياً من استمرار الأسعار فوق مستوياتها خلال العام المقبل.

وكانت إدارة معلومات الطاقة الأميركية قد ذكرت في تقريرها، يوم الثلاثاء، حول آفاق الطاقة أن حجم الزيادة في الإنتاج النفطي والنفط الصخري سيزيد في العام المقبل ويفوق حجم الاستهلاك العالمي، وأن أسعار النفط ربما تنخفض إلى 72 دولاراً للبرميل في العام المقبل. ولكن العديد من المصارف الاستثمارية تتوقع ارتفاع سعر النفط فوق 100 دولار في العام المقبل، بل وإلى 120 دولارا وفق توقعات بنك أوف أميركا.

المساهمون