المؤشر العربي: فشل للحكومات وأزمات تدفع الشعوب للانفجار والهجرة

المؤشر العربي: فشل للحكومات وأزمات تدفع الشعوب للانفجار والهجرة

21 فبراير 2023
الأزمات المعيشية تعصف بالأسر في معظم الدول العربية (Getty)
+ الخط -

توضح نتائج المؤشر العربي، الصادر مؤخراً عن معهد الدوحة، مركزية المسألة الاقتصادية، في ارتباطها بتقييم المواطنين للأوضاع العامة في بلدانهم، وكذلك توجهاتهم نحو مؤسسات الدولة، وتتجسد أهمية الاستطلاعات في تجديد المعرفة، وتجاوز الانطباعات حول توجهات الرأي العام بمعزل عن حالة التمني والمواقف المسبقة والدعاية، وكذلك تكشف مدى قبول الشعوب سياسات الحكومات، خاصة أن كثيراً منها تتصور أن الشعوب تتحمل الضغوط والأزمات نتاج الثقة في متخذي القرار.

وخلال المؤشر العربي في نسخته الأخيرة 2022، والذي يتجاوز حجم عينته 33 ألفاً من 13 دولة، يمكن التعرف على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانعكاسها على المواطنين، بما يحدد أولوياتهم واتجاهاتهم.

كشف المؤشر عن حجم ظواهر اجتماعية أصبحت راسخة، كما انتشار الفقر والبطالة والتوجه نحو الهجرة، وغير ذلك من مؤشرات، جاءت بعض نتائجها مفارقة للانطباعات السائدة، وعموماً يشكل المؤشر صورة عن الأوضاع الاقتصادية القاسية، وبين ملامحها حدة التضخم في معظم البلدان، حيث عبّر المستجيبون عن صعوبات معيشية عدة، وفيما يختص بتقييم المواطنين للأحوال الاقتصادية لأسرهم، يتضح ارتفاع نسب أسر الكفاف والعوز، إذ وصلت إلى نحو 70% من الأسر، بينما بلغت أسر الوفرة 25%.

الأسر العربية على حافة الكفاف

تشير نتائج الاستطلاع الأخير إلى تراجع أوضاع الأسر عما كانت عليه في استطلاع 2020، حيث يعاني ما يقارب ثلث الأسر من العوز، والتي تعتمد على وسائل عدة لتغطية عجز الدخل، وتتوجه 46% منها للاقتراض بشكل عام، ويعتمد نحو الثلث 33% على الاقتراض من أفراد، أقارب وأصدقاء، بينما يتوجه نحو 13% من الأسر للاقتراض من مؤسسات مالية، كما البنوك، وفي كل الأحوال، يعتبر الاقتراض من مؤسسات مالية أو شبكات الأقارب والأصدقاء، استمراراً لدائرة العوز، ويدل في الوقت نفسه على عجز في توفير فرص عمل لائقة، وخلل في شبكة الحماية الاجتماعية.

وتعتمد 16% من أسر العوز، على مساعدات من الأقارب والجيران، ويتلقى البعض معونات من مؤسسات حكومية وأخرى خيرية، بينما يتجه البعض لبيع ما تملكه الأسرة، التي هي بالأساس مفقرة، وتزيد في لبنان وتونس والأردن أسر العوز عن النصف، حيث لا يكفي الدخل النفقات الضرورية، وهو ما يكرس شعوراً بالحرمان.

كما يظهر المؤشر تراجعاً في تقييم المستجيبين لأوضاع أسرهم الاقتصادية، وانعكس ذلك على تقييم الوضع الاقتصادي بشكل عام، إذ رأى 54% أن الوضع الاقتصادي ما بين سيئ وسيئ جداً، وارتفعت النسب في تونس والسودان ولبنان بشكل ملحوظ لتتجاوز 85% وهو الأمر الذي يشير إلى أن تونس على حافة الانفجار الاجتماعي، كما شهدت الفترة الأخيرة تظاهرات ذات طابع اجتماعي، مع ارتفاع أسعار السلع ونقص بعضها، وهو الملمح الذي تكرر أيضاً في المغرب والجزائر بدرجة أقل، بسبب تصاعد التضخم، خاصة في أسعار السلع الغذائية.

ومع الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية، التي تظهرها المؤشرات، يتكرس إحساس بالتمييز الاجتماعي والذي يشكل في أحيان كثيرة أرضية للتميز في تطبيق القانون لصالح فئات بعينها، أشار إليها المستجيبون حول تقييمهم للمساواة والعدالة، كما قيّم الرأي العام بنسب عالية، وفي مجمل الأقطار العربية، انتشار نسب الفساد المالي والإداري، بنسب تتجاوز 73%.

عكس المسار

لم يكن مستغرباً أن يعتبر ما يزيد عن نصف العينة 52% أن الأوضاع العامة تسير في الاتجاه الخاطئ، وأرجع 49% من المستجيبين ذلك لأسباب اقتصادية وسوء الإدارة. وفي السياق نفسه، وضمن استجابات تتعلق بالأوضاع والسياسات الاقتصادية، تضمنها القسم الأول من الاستطلاع، قيم المستجيبون الأوضاع العامة بشكل سلبي، وكانت نسب الأردن ومصر تتجاوز 74%، بينما ترتفع وإن كانت بدرجة أقل في تونس والمغرب، وإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية ركز مواطنو السودان والعراق وليبيا على الوضع السياسي والأمني غير المستقر كأحد المرتكزات الأساسية لتقييم الأوضاع العامة.

وتوضح التوجهات في هذا الشأن غياب تغيرات إيجابية ذات وزن، أو تحسن في الأوضاع الاقتصادية يجعل تقييم الأوضاع العامة بشكل إيجابي، وارتباطاً بذلك، اعتبر 50% من المستجيبين أن السياسات الاقتصادية للحكومات لا تعبر عن مصالح المواطنين.

وبلغت نسبة من قيّموا أوضاع بلدانهم بأنها تسير في الاتجاه الصحيح نحو 42%، في مجمل الأقاليم العربية، 89% منهم في إقليم الخليج العربي، ويرجع أغلبهم ذلك للوضع الاقتصادي الجيد.

وبدا الشعور بالأمان في مناطق السكن مرتفعاً، ويجاوز 90% في خمس دول عربية، بينما انخفض نسبياً عن نتائج المؤشرات السابقة في كل من لبنان والسودان، وقيّم المستجيبون في كلا البلدين الوضع ما بين سيئ وسيئ جداً، بنسب بلغت 51 % في لبنان، و57 % في السودان، وتخيم عليهما أزمة سياسية مستحكمة وتردّ اقتصادي، حيث تظهر تقديرات البنك الدولي النمو الإجمالي للناتج المحلي بالسالب طوال ثلاث سنوات مضت، كما تتوسع ظاهرة الجوع ارتباطاً بأزمة الغذاء، وتبيع، حسب ما جاء ضمن المؤشر، الأسر في كلا البلدين ما تملكه لتدبير نفقات ضرورية، هذا في ظل تصاعد أزمة الغذاء، حسب ما تشير تقارير دولية عدة، صنفت البلدين ضمن بؤر الجوع في العالم، بينما أشار برنامج الغذاء العالمي إلى أن السودان يمكنه إذا حل مشكلاته الداخلية وشجّع الاستثمار الزراعي، أن ينقذ نفسه والعالم من أزمة الجوع، بما يمتلكه من أراض تبلغ 210 ملايين فدان صالحة للزراعة.

غياب الأولويات يفقد الثقة

ركز المواطنون العرب في معظم البلدان العربية أولوياتهم على المطالب الاقتصادية، وضمنهم 60% ذكروا مشكلات البطالة، والفقر وارتفاع الأسعار كأولوية، وتعد تكاليف المعيشة المتصاعدة، هي الأكثر تكراراً بنسبة 21% من مجموع المستجيبين، بما في ذلك الكويت، والأخيرة يظهر مواطنوها غضباً ملحوظاً، يفارق الانطباع السائد عن دولة خليجية ذات مستوى اقتصادي مرتفع، ويشترك في الموقف ذاته مواطنو الأردن، حيث تصاعدت شكواهم من مستوى الأسعار. وترتفع فيها نسبة الراغبين في الهجرة بنسب 44%، ويتشارك النسبة ذاتها مواطنو تونس.

ويظهر المستجيبون قدراً من الثقة في جدية وقدرة بلدانهم على حل الأزمات الاقتصادية، وهي تسجل 46%، بعد أن كانت 53% في استطلاع 2020، ويلاحظ ارتفاع معدلات عدم الثقة في السودان والعراق ولبنان وليبيا وفلسطين، حيث تتراوح ما بين 68 وحتى 94 بالمائة، وهي دول تمر بحالة ضعف اقتصادي متزامن، مع ارتباك سياسي غير مسبوق، وضعف عام في مؤسسات الدولة.

وفيما يتعلق بنسب عدم الثقة في الحكومات، تبلغ في مجمل البلاد التي شملها الاستطلاع 43%، كما ارتفعت حالة عدم الثقة في حكومتي مصر والأردن بنحو 10 نقاط منذ 2020، وارتفعت في البلدين أيضاً اتجاهات الهجرة 10 نقاط عن مؤشر 2020، وكذلك في تونس والسودان.

وقد أجري الاستطلاع في مصر خلال أكتوبر- نوفمبر 2022، حيث لم تكن تجليات الأزمة الاقتصادية في مصر، بما فيها عجز التمويل وارتفاع الأسعار، اتضحت مخرجاتها بالشكل الراهن.

ما بين الانفجار والحلول الفردية

لم يكن غريباً في هذه السياقات الاقتصادية والسياسية، أن ترتفع توجهات المواطنين نحو الهجرة، بشكل عام، حيث يظهر ثلث المستجيبين ميلاً للهجرة بنسب وصلت إلى 28%، وبجانب أنها نسبة مرتفعة جداً، فإنها تعبر عن اتساع خيار الحل الفردي، مع تعمق الأزمات، حيث يظهر المؤشر أن الدافع لتحسين الوضع الاقتصادي يشكل السبب الأساسي للهجرة ويمثل 58%.

وكان مواطنو لبنان والسودان الأكثر رغبة في الهجرة، بنسبة 63% في لبنان، و49% في السودان، وهنا يتضح تأثير افتقاد الأمن الاقتصادي والسياسي، حيث لا تشكل الهجرة فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي وحسب، بل أحياناً مخرجاً من مهددات متشابكة، ذات خطورة مزدوجة، في ظل حكم نظم سلطوية تفقر الناس، وحكومات فاسدة وعاجزة عن الإدارة، وانحيازات لا تنبئ عن مستقبل مغاير حتى ولو بعد سنوات.

لا ديمقراطية دون عدالة ومساواة

ضمن تعريفات واتجاهات الرأي نحو الديمقراطية، اعتبر بعض المستجيبين أن تحقق مبدأ العدالة والمساواة، وحدوث تحسن بالواقع الاقتصادي، دليل على الديمقراطية، بما يعني أن المستجيبين يركزون على شرط تحسين الأوضاع الاقتصادية، ومدى تمثيل مصالح المواطنين في السلطة.

وكان مواطنو تونس ومصر والمغرب الأكثر تركيزاً على شرط تحسين الأوضاع الاقتصادية كمؤشر على الديمقراطية، وكذلك يظهر المؤشر أن تدني مظاهر الديمقراطية والشفافية، وضعف التمثيل السياسي، يعمق مشكلات المواطنين على المستوى الاقتصادي، حيث لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، والتعبير عن مصالحهم.

المساهمون