أموَلة كل شيء: إعادة النظر في رأس المال والتعسف

أموَلة كل شيء: إعادة النظر في رأس المال والتعسف

17 أكتوبر 2022
ليزا أندرسون أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا (المركز العربي للأبحاث)
+ الخط -

في محاضرتها التي استضافها معهد الدوحة للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم الأحد، عادت ليزا أندرسون، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، إلى كتاب "التعسف ورأس المال والدول الأوروبية" الصادر عام 1990، للمؤرخ والباحث الأميركي تشارلز تيلي (1929-2008)، لتبني أطروحتها على ما تعتقد أنه مر مرور الكرام في كتابه، الذي بحث تطور الدول القومية في أوروبا عبر الحشد والتعبئة لضمان سيطرتها على أقاليم أوروبية متبنياً أن "أصول الدولة الأوروبية الحديثة تكمن في الحرب والاستعدادات للحرب".

فلدى مقارنة ليتلي بين الدول النامية، أي دول ما بعد الاستعمار، بالدول الأوروبية، فإن الأولى لا تمتلك القدرة على توسيع أراضيها، وهذه الدول متساوية رسمياً، وعليه جرى تحويل التعسف المبني على التوسع الجغرافي إلى هيمنة ورقابة داخليتين، بحيث لم تضطر الأنظمة وخصوصاً العسكرية إلى مفاوضة القوى المدنية السياسية.

غير أن ليزا أندرسون، في المحاضرة التي جاءت بعنوان "أموَلة كل شيء: إعادة النظر في رأس المال والتعسف"، تتوجه بالقول إن زميلها (وكان جارها في السكن) لم يقل كثيراً عن رأس المال، هل تغير أم لا؟ بل إنه يشير إشارة سريعة إلى عبور رأس المال في كل مكان من العالم.

تمويل التعسف  

والأموَلة هي تطور رأسمالي ترافق مع الليبرالية الجديدة منذ نهاية السبعينيات، ويحصل على تأثيره في السياسات الاقتصادية من خلال الأسواق والمؤسسات والنخب المالية.

وخلصت في هذه النقطة إلى أنها تقبل ما ذهب إليه تيلي بشأن التعسف، لكنها تضيف إليه إعادة رأس المال لتبوؤ مكاناً مهماً، حتى أنه يجري استخدام الأموَلة لتمويل التعسف.

وكثفت المحاضِرة تاريخ الوطن العربي في محطات حملت الأولى سؤالاً حول كيفية بناء الدول حتى السبعينيات، وفي الربع الأخير من القرن العشرين، فُرضت سياسات غربية للمحافظة على الاستقرار، وبحلول الغزو الأميركي للعراق 2003 كان هناك استثمار بديل عن الاستقرار بدعوى تحقيق الديمقراطية، وصولاً إلى الربيع العربي الذي رسم مستقبل العديد من الأنظمة.

إعادة نظر  

محاججة أندرسون تقوم على أنه في أعقاب انهيار الأنظمة رمزاً لهذه السلطة، وبعد عقود من الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق، والوعود بمستقبل مزدهر، جرت إعادة النظر في الدولة، وتأكيد حضور القطاع الخاص، بل إن القادة السياسيين، لم يقدموا أنفسهم كقادة، إنما هيئات إدارية لشركات تجارية مملوكة لعائلات.

والأموَلة حديثة العهد نسبياً وتحددها باختصار بأنها ليست فقط بوصفها آلية لامتلاك أدوات الإنتاج للحصول على التمويل ولكنها تتحرك بشكل مستقل عن ذلك، ولها تاريخ يبدأ باقتصاد السوق والليبرالية الجديدة حتى صارت ظاهرة معولمة مع الابتكارات التكنولوجية التي تنقل الأموال إلى مختلف أصقاع العالم والهندسة المالية الجديدة التي أتاحتها الخوارزميات الجديدة. كل هذا مبثوث داخل الابتكارات التقنية، ما جعلها تؤثر في كثير من جوانب حياتنا من دون أن نعي ذلك.

مصفوفة مخاطر  

في حال أردتم أي شي في العشرين سنة الماضية يتعين عليكم أن تضعوا مصفوفة مخاطر. وفكرة المصفوفة أصبحت سائدة وعلينا أن نحتسبها.

وتشير أندرسون هنا إلى أن ثمة جدولا وقع تطويره منذ الخمسينيات، أي ما قبل الليبرالية الجديدة، وعليه وعوضاً عن اللوائح والنظم فإن لدينا ما يسمى بـ"التأمين"، وعندها نقول نحن نؤمن المخاطر والدولة ليس عليها أن تحمينا من أنفسنا، وهذا ليس في القطاع الخاص بل في الجامعات أيضاً هناك مصفوفة مخاطر ليست مالية فقط بل تتضمن الأكاديمية.

إلى صورة أخرى تقودنا المحاضرة متسائلة "هل تعرفون كم عدد الناس الذين ليس لديهم حسابات مصرفية؟" الإجابة: ثلث أو ربع سكان العالم، وهذا ما يجعل المصرفيين يقولون إنه أمر فظيع، وهذا يعني أنهم غير مُدرجين في المجتمع الحديث.

في عالم الأموَلة يعني أنه يصعب إقراض ثلث أو ربع سكان الأرض، وهناك ضغط دولي، من الأمم المتحدة والبنك الدولي بأنه يجب أن تكون لدى الجميع حسابات بنكية بما يسمح بالمراقبة، ولكنها أيضاً فرصة للمصرفيين فإذا كان لديك حساب سوف تقترض.

الصناديق السيادية  

أما الصناديق السيادية فقدمتها المحاضرة بوصفها وجهاً آخر من الأموَلة، وقالت إن نموها ارتفع منذ ما كانت عليه الحال في الخمسينيات، وصندوق الكويت هو الأقدم أما اليوم فبين الخمسين دولة الأولى من العالم هناك 12 صندوقاً في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.

غير أن ملاحظتها تفيد بأن دولة مثل الكويت كانت محافظة للغاية وتستثمر في سندات الخزينة الأميركية المستقرة ذات العائد غير المرتفع ولكنه مضمون، بينما يحدث اليوم في صناديق أخرى تبدو كما لو أنها لمستثمرين شخصيين، وتخاطر بوضع أموالها في شركات مثل ديزني وستاربكس بحثاً عن جني أرباح عالية.

وفي ما عدا الصناديق السيادية تطور الحكومات طرقاً إضافية لحشد الموارد ومنها الاعتماد على صكوك مالية مبتكرة مثل "سندات الشتات" حيث يشتري المغتربون سندات الحكومة.

أبعد من الريعي  

وختمت أندرسون محاضرتها قائلة إن ثمة دولا ذات اقتصاد ريعي، ولكن رأيي أننا تخطينا الاقتصاد الريعي فهناك أمولة تسمح للحكومات باستجلاب الموارد المالية من دون انتباه للسكان وهذه الديناميات تستمر وتتفاقم.

الخصخصة تعم: الأمن خاص والمناطق اقتصادية خاصة وكل شيء يصمم ليخدم ازدهار الشركات الخاصة. "لا يمكن أن نكون مواطنين بل نحن بالنسبة إلى الشركة حاملو أسهم. أي أننا رعايا دون دولة، لا لأنه ليس لدينا حكومة، بل لأنها اختفت لصالح هذه الشركات الخاصة" على حد قولها.