"ما زال بالمصرف سلامة"

"ما زال بالمصرف سلامة"

17 مارس 2021
احتجاجات في بيروت اعتراضا على الارتفاع الجنوني في سعر الدولار " فرانس برس"
+ الخط -

أحد المشاهد التي لفتت نظري في التظاهرات التي شهدتها مدينة بيروت، مساء يوم الثلاثاء، احتجاجا على الارتفاع الجنوني في سعر الدولار، هو وقوف متظاهر لبناني يحمل لوحة مكتوب عليها "ما زال بالمصرف سلامة.. الليرة.. العوض بسلامتكم"، الرجل الستيني كان يقف وسط الشارع وخلفه نيران مشتعلة في أحد مقالب القمامة وبجواره شخص يحمل العلم اللبناني.

سلامة الذي يقصده المتظاهر هو رياض سلامة، حاكم "مصرف لبنان" المركزي منذ العام 1993، والذي بات يمثل أحد أسباب ومظاهر الأزمة الاقتصادية والفوضى المالية والمصرفية التي يشهدها لبنان منذ العام الماضي، وقفز على إثرها سعر الدولار إلى نحو 15 ألف ليرة يوم الثلاثاء. 

القطاع المصرفي بات أقرب إلى الانهيار، في ظل ضعف ثقة المودعين به، وفشله في إعادة أموال أصحاب المدخرات الدولارية، أو جذب سيولة جديدة خاصة من أصحاب موارد النقد الأجنبي كالمصدرين وشركات السياحة وأسر المغتربين

ورسالة المتظاهر تقول إنه ما دام سلامة في منصبه فإنه لا حل لتلك الأزمات المستعصية، خاصة المالية والمصرفية، وأخطرها اضطرابات سوق الصرف المتواصلة، وامتناع المصارف عن رد أموال المودعين الدولارية إلا بكميات قليلة جداً، وتوقف البلاد عن سداد دينها الخارجي، وتهاوي احتياطي لبنان من النقد الأجنبي إلى 14 مليار دولار مقابل 30 مليارا قبل عام، وتوقف المصرف عن ضخ سيولة دولارية في الأسواق، واستمرار تهريب الأموال إلى الخارج، خاصة من قبل النخب الحاكمة وزعماء الطوائف، وأخيرا ما تردد عن توجه حكومي لإلغاء دعم الوقود والغذاء.

وفي ظل التطورات المتسارعة التي يمر بها لبنان وفشل المصرف المركزي في احتوائها، فإن المشهد المالي اللبناني بات معقدا ومفتوحا على كل الاحتمالات بما فيها السيناريوهات الكارثية. 

استعادة اللبنانيين ودائعهم من النقد الأجنبي باتت موضع شك، بل وأقرب إلى المستحيل في الوقت الحالي، في ظل ما تردد عن استخدام "مصرف لبنان" أموال المودعين الدولارية في تمويل استيراد الأغذية والأدوية والوقود وغيرها من السلع الضرورية. 

وعودة الاستقرار إلى سوق الصرف المضطرب باتت أملا بعيد المنال، في ظل عدم قدرة المصرف على ضخ سيولة دولارية تكبح جماح المضاربين وتلبي احتياجات التجار والمستوردين. 

والقطاع المصرفي بات أقرب إلى الانهيار، في ظل ضعف ثقة المودعين به، وفشله في إعادة أموال أصحاب المدخرات بالنقد الأجنبي، أو جذب سيولة جديدة، خاصة من أصحاب موارد النقد الأجنبي كالمصدرين وشركات السياحة وأسر المغتربين. 

والحكومة باتت غير قادرة على تدبير النقد الأجنبي المطلوب لتمويل الواردات الأساسية، حتى أن حصيلة تحويلات المغتربين والسياحة الضعيفة باتت تصب في السوق السوداء.

"مصرف لبنان" فشل بامتياز في احتواء الفوضى المالية الحالية. والأساليب التقليدية التي استخدمها حاكمه سلامة طوال ما يقرب من 30 عاما في تثبيت سعر الدولار عند 1500 ليرة، لم تعد صالحة.

فالمصرف لم تعد لديه القدرة على اقتراض مليارات الدولارات سنويا عبر طرح أدوات الدين، خاصة سندات الخزينة وشهادات الإيداع، ولم تعد لدى المصرف إغراءات يقدمها إلى بنوك الاستثمار العالمية لشراء السندات المطروحة بسعر فائدة مرتفع.

رياض سلامة حاكم مصرف لبنان بات عبئا على الدولة لأسباب كثيرة، منها فشله بامتياز في إدارة المشهد النقدي الحالي

رياض سلامة، كما قلت من قبل، بات عبئا على لبنان لأسباب كثيرة، فهو فشل بامتياز في إدارة المشهد النقدي الحالي، وثبت أن نجاحه في إدارة سوق الصرف طوال السنوات الطويلة الماضية كان بفعل التدفقات النقدية الخارجية، سواء كانت قروضا أو مساعدات أو أموالا ساخنة تم استقطابها بأسعار فائدة وتكلفة عالية أصبحت الآن عبئا على الدولة وتسببت في تفاقم أزمة الدين الخارجي.

والأخطر الشبهات المثارة حوله والاتهامات الموجهة إليه وإلى المحيطين به في المصرف، وأخطرها مساعدة زعماء الطوائف والسياسيين في تهريب أموالهم إلى الخارج قبل فرض قيود على عمليات السحب النقدي والتحويل، وكذا اتهامه هو شخصيا بتهريب أموال إلى البنوك السويسرية وغيرها من مصارف أوروبا على مدى سنوات.

على رياض سلامة وغيره من النخب الحاكمة أن يتنحّوا جانبا، تاركين مناصبهم لمن يستطيع التعاون مع اللبنانيين والمجتمع الدولي والإقليمي في انتشال البلد من الضياع المالي والمحافظة على ما تبقّى من ثرواته وأصوله، وإلا ستكون النتائج كارثية، وأولها انهيار القطاع المصرفي والمالي بالكامل، خاصة مع فقدان الثقة فيه. 

وهنا لن يستطيع أحد أن يتحدث عن ضمان أموال المودعين واستقرار سوق الصرف، أو حتى عن سعر شبه ثابت لليرة التي ستتطاير، كما تطايرت عملات دول أخرى دخلت في نفق الإفلاس المظلم والتعثر المالي.

المساهمون