}

ميراي دهب تعيدنا إلى زمن كان جميلًا

تغطيات ميراي دهب تعيدنا إلى زمن كان جميلًا
ميراي دهب، ورمزي بو كامل-بيانو (الصورة: Jean Alain)

في استعادة للريبرتوار الغنائي العربي قدّمت المغنية والمحامية اللبنانية الكندية ميراي دهب أمسية غنائية بنبرة تراثية في قاعة كلود ليفاي Claude Léveillée وذلك من ضمن فعاليات "مهرجان العالم العربي في مونتريال" Festival du Monde Arabe de Montreal بنسخته الرابعة والعشرين التي أقيمت بين 28 تشرين الأول/ أكتوبر و11 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي والذي تضمّن عروضًا وأنشطة وورشًا فنية متنوعة جمعت الجمهورين العربي والغربي على مسارحه وفي صالاته. وميراي دهب كان قد برز اسمها منذ مشاركتها في برنامج "سوبر ستار العرب" قبل ستة عشر عامًا وتألقها فيه.

على مدى 90 دقيقة أعادتنا ميراي دهب إلى زمن قديم كان جميلًا بأصواته وشحناته التعبيرية وقصائده التي تفوق أحاسيسنا، فيروز، عبد الحليم حافظ، سيد درويش، وزياد الرحباني، رفقة المؤلف الموسيقي اللبناني رمزي بو كامل، المقيم في قطر، على البيانو، والذي سطع في الأمسية موسيقيًا منفردًا أو مع ميراي دهب، فشكّل حضوره منطقة إيقاعية أخرى، متقنة وحساسة، تحاكي مسقط رأسنا روحيًا وتوثّق ما هو دفين فينا وتُطلقه موسيقيًا. رافقه في العزف محمد مصمودي "بايز" وأليكس برونيل "درامز". اختيار دهب لكلاسيكيات الأغنية العربية أيضًا جاء مثل مادة ضرورية لاستمرارية العيش بعيدًا عمّا يحصل في عالمنا العربي. "أنا لك على طول"، "أهواك"، "شغلوني"، "أهو دا للي صار"، بناديلك يا حبيبي"، "ليالي الشمال الحزينة"، "يا جبل البعيد"، "الله معك يا هوانا"، "زعلي طوّل"، "أنا فزعانة كتير"، "كل الأحاديث ما بتفيد"، وغيرها العديد من الأغاني التي رتّبت ماضينا على الإبداع الموسيقي. كانت أمسية صافية من تراث العمالقة، ولم تُحضر دهب أغانيها الخاصة العربية والإنكليزية والفرنسية إلى خشبة هذه الحفلة، أرادتها من ذلك الزمن الذي يضيف إلى أعمارنا أعمارًا جديدة مكان تلك التي فقدناها.  

عن بدايات ميراي دهب في الغناء، وهي المقيمة في كندا منذ 33 عامًا، تقول: "ولدت في لبنان في أيام الحرب من عائلة فنية، أبي كان عازف عود وأستاذ موسيقى. كنت بعمر الثلاث سنوات عندما غنيت لأول مرة في حفلة مدرسية أغنية ‘أعطونا الطفولة‘، بثلاث لغات، كان ذلك في عام 1983. أمضيت طفولتي أشارك في كورالات الكنائس، لم تمر سنة دون أن أغني. بعمر 9 سنوات هاجرنا إلى كندا. هنا في كندا دخلت بالأجواء الموسيقية، وتعلمت البيانو، وبعمر 15 سنة بدأت أكتب أغاني خاصة لي. إلى أن اكتشفني أحد المنتجين وتبنّى أعمالي وبدأت بإصدار أغانٍ بالفرنسية والإنكليزية. في عام 2007 جاءت فرصة سوبر ستار العرب، جاء الملحن زياد بطرس إلى كندا لإجراء تجارب الأداء واختيار المتبارين، فلم تكن مواقع التواصل شائعة في ذلك الوقت. بعد تجربة سوبر ستار ونجاحي فيها عدت إلى كندا، ففي لبنان إذا لم نستمر بالفن ينسانا الجمهور. وكانت لي مشاريع فنية مع مغنين من كندا".

درست دهب المحاماة رغم أن الموسيقى تسكنها منذ الطفولة. عن اختصاصها الجامعي ومهنتها في المحاماة وتأثير ذلك على مسيرتها الفنية، تقول إنها لم تشعر بحاجة للتخصص في الموسيقى، "فالموسيقى موجودة فيّ طوال عمري. أردت أن أدرس ما يؤمّن لي حياتي، ففي كندا الموسيقى لا تؤمّن لنا حياتنا إلا إذا كان لدى الفنان عقد مع شركة إنتاج كبيرة مثل يونيفرسال أو سوني. لم تؤثر دراستي وعملي في المحاماة على حياتي الفنية. أن تكون وظيفتك عملًا خاصًا يمنحك الحرية في التحكم بوقتك، وهكذا أعمل على تسجيلاتي والتحضيرات للحفلات براحتي، وخصوصًا أني اقتنيت كل التجهيزات اللازمة للتسجيل في منزلي، وتعلمت الميكسنغ Mixing، ومع الوقت صرت مكتفية ذاتيًا".


تعود ميراي دهب إلى العربية بعد أكثر من خمسة وعشرين عامًا في الأجواء الغربية، كأن الماضي يزداد حضورًا فيها. تنضج اللغة العربية في صوتها مثل نباتات قابلة للنمو والتلاقي بين كل اللغات، تقول: "أنا في كندا منذ 33 عامًا. ربما هو الحنين. يأتي يوم على الإنسان يحنّ لجذوره. عندما يكبر وينضج يعود إلى أصوله بالحياة. أنا قطفت كل ما أريد هنا غربيًا، وصارت عندي خبرة كافية، وهذا سبب إضافي لأشتغل على الغناء العربي. مهما قدّمت ونجحت أشعر بنجاحي بالعربية أكثر من أي نجاح آخر. العربية هي أصلي كإنسانة ولا يمكنني الابتعاد عنها. وأول أغنية بالعربية لي كانت ‘أنا بتنفس بيروت‘".

تكتب دهب أغانيها بنفسها، كلماتها اعترافات روحية موسيقية، وأن يكتب المطرب أغانيه أمر شائع غربيًا ولكنه نادر عربيًا. تقول دهب إنه بالنسبة للأغاني باللغة العربية هناك شعراء يكتبون لها، أما الأغاني باللغتين الإنكليزية والفرنسية فهي تكتبها. كما أنها تنتج أعمالها بنفسها وتتعامل مع أفضل الموسيقيين. وتضيف أنها محظوظة لأنها تعرّفت على الموسيقار رمزي بو كامل، وهو الذي اقترح عليها إقامة هذه الأمسية الاستعادية لأغانٍ من التراث الموسيقي. تقول إن كتابة المغني لأغانيه أمر شائع جدًا في الغرب، معظم المغنين هم الذين يكتبون أغانيهم، أبرزهم المغنية ماريا كاري. أن نكتب أغانينا هو شيء ملهم جدًا. إذا كانت لديك المقدرة على كتابة الأغاني فلا شيء يمنع أن نكتب ما نشعر به وما يليق بأصواتنا، ما يشبهنا ويفهمنا، لا أحد يعرف نفسه أكثر من نفسه.

تشتغل ميراي دهب على أنماط كلاسيكية لكنها تعمل حاليًا على نمط جديد: جاز شرقي Oriental Jazz. قررت دهب الغناء بالعربية قبل أربع سنوات وأصدرت ثلاث أغانٍ بالعربية ولها أكثر من ثلاثين أغنية بالإنكليزية والفرنسية. تطرح صاحبة "مش معقول" أعمالًا غنائية منفردة، وهذا هو الرائج حاليًا كما تقول، والأغاني متاحة على اليوتيوب والمواقع الموسيقية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، "عالم الأونلاين كبر كثيرًا، فيسبوك، يوتيوب، تيك توك...، صار بمقدور الفنان أن يصل للجمهور بشكل أفضل من قبل. الحضور في الأونلاين مهم جدًا، يساعد الفنانين ويساعد على اكتشاف المواهب".  

وعن أمسيتها ضمن مهرجان العالم العربي في مونتريال التي اقتصرت على أغاني من ريبرتوار التراث الموسيقي العربي تقول إن هدفها لم يكن التعريف عن نفسها كمغنية عربية ولا تقديم أعمالها الخاصة، "رغبتي كانت في استعادة أغاني العمالقة في كندا. أغانيّ مختلفة عن هذا الجو. أردتها حفلة خاصة بتراثنا العربي فقط".

يُذكر أن "مهرجان العالم العربي في مونتريال" أصبح بعد أربع وعشرين نسخة سنوية منه حدثًا مهمًا في مونتريال مخصصًا للقاء الثقافات العربية والغربية  وإلغاء الحواجز الهوياتية، حيث يختار المنظمون كل عام فرقًا وشخصيات فنية وموسيقية من مختلف اللغات ويقدّم ورشًا ولقاءات متعددة يجتمع فيها الجمهور الكندي بتنوعاته المختلفة ولغاته المتعددة. وقد وجّه مدير المهرجان، اللبناني جوزيف نخلة، تحية إلى غزة خلال كلمة الافتتاح معتبرًا أنه وجد صعوبة للتحضير للمهرجان في ظل الظروف القاسية التي تمر على الفلسطينيين وأن عدم إلغاء هذه النسخة من المهرجان هو "تعبير عن الرغبة في الاستمرار خاصة في الأوقات التي لا تُسمع فيها المعاناة، والتي انهار فيها الضمير وطغت عليها القسوة الانتقامية". وأدان نخلة الوحشية المطلقة التي تضرب غزة مشدّدًا على أنه لا يجب غضّ النظر عن ذلك. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.