ملف "المرأة والعنف": هل هناك حقوق للمرأة؟ (1)
في ثمانينيات القرن الماضي كتبت الفيلسوفة الأميركية في مجال الفلسفة السياسية جوديث بتلر أطروحتها حول مشكلة الجندر، والتي نشرت على شكل كتاب مؤلف سنة 1990، وما زالت هذه الأطروحة تنعكس على الحراكات النسوية في العالم، والتي نتجت عنها الحركة الكويرية على مستوى العالم.
تقوم فكرة بتلر حول أحدث النظريات النسوية Feminism، فتعتبر أنّ تخصيص النسوية بنظرياتها وحراكاتها للمرأة هو ظلم لفئات أخرى، لأنّ النسوية حسب بتلر تشمل كلّ عابري التصنيفات الجنسية.
المسألة الأهم في هذا الكتاب هي مشكلة الجندر لدى كلّ أنثى، إذ إنها حتى لو رغبت أن تكون في علاقة مثلية ستكون ضمن علاقة فيها إخضاع Subjection، أو علاقة فيها امرأة أقوى من الأخرى.
إنّ علاقات القوة تحكم كلّ العلاقات البشرية، وتتعقد حين تتعلّق القوة بعلاقة مبنية على الجندر، ليس لأنّ هذه طبيعة العلاقات البشرية المبنية على الجندر، فقد سبق وقد تحدّثت في مدونة سابقة نشرت على صفحات "العربي الجديد"، عن بداية نشأة المجتمع الأمومي الذي يعدّ المجتمع الأبوي امتداداً له.
ففي العلاقات المبنية على الجندر يلعب أحد طرفي العلاقة دور الأقوى، وهو ما أسميه استقواء وليس قوة، ذلك أنّ القوة هي ظاهرة منتشرة في الطبيعة، أما الاستقواء فهو مكتسب من اعتراف طرف في العلاقة مع الآخر بأنه الأقوى، فالأقوى هنا يستمد قوته من الاعتراف بقوّته، ثم لأسباب أخرى لها علاقة بالمُلكية "من يملك من وماذا يملك؟"، والخلل في العلاقة بين الذات والموضوع، وهذا ما يحتاج مدونة أخرى للحديث عنه، وهو من باب التوضيح يعني أنّ الذات كلما انفصلت عن السياق العام والمشترك مع الآخرين، وكلما تخصّصت وتمايزت تصبح جشعة ومتسلّطة أكثر، بل ومتمركزة حول نفسها، الأمر الذي يجعلها تمارس القمع والعنف على الآخرين لتحقيق رغباتها، منتزعة القيمة الإنسانية من الآخرين، ومركّزة على ذاتها أنها أكثر إنسانية من الآخرين، وهو ما يخلق العنصرية في نهاية المطاف.
العنصرية المبنية على الجندر، خطرها يكمن في تجذرها في الأخلاق، وممارستها بشكل لا واعٍ ولا مرئي
إنّ وجود حقوق مقتصرة على المرأة بشكل مميّز هو مسألة مستهجنة من ناقدي النسوية الحداثيين، فالخطاب الذي يعكس حقوق المرأة هو خطاب عاجز ولا يستطيع أن يحقق انتصاراً واحداً لضحايا العنف، ذلك أنّ هذا الخطاب يعني الإبقاء على تموضع المرأة كضحية في العلاقات المبنية على الجندر، وعدم قدرتها على التساوي مع الرجل (أو أي هوية جندرية أخرى) على المستوى السياساتي، فالمساواة هنا تعني قدرة المرأة على الدفاع عن نفسها في حالات العنف إلى درجة تجعل من العنف والقتل والتهديد تختفي من حياة المرأة والرجل على حدّ سواء، وهذا الطرح طوباوي جداً حين يتم التفكير فيه، لكن يبقى الدفاع عن النفس حقاً مشروعاً لكلّ إنسان يتعرّض للعنف أو التهديد بالعنف أو التهديد بالقتل، أو لأيّ سياسة من سياسات الإخضاع Subjection.
وبالعودة إلى فكرة العنصرية الناتجة عن التباعد بين الذات والموضوع، فقد تخلق العنصرية فرص العنف المبني بشكل علائقي معقد، فالعنصرية المبنية على الجندر خطرها يكمن في تجذّرها في الأخلاق، وممارستها بشكل لا واعٍ ولا مرئي. والعنف له مؤشرات ومعايير مختلفة، لكن أخطره ما يؤدي إلى القتل، أو القتل المباشر بحدّ ذاته، والذي يعني انتهاك حق الضحية في العيش، وهو ناتج عن نظرة القاتل الممارس للعنف، وهي نظرة الأفضلية، والأحقية في الحياة وممارسة العنف، وتقرير مصير حياة الضحية.
إنّ العنصرية الخلاقة للعنف قد نقتفي أثرها ونستطيع علاجها على مستوى سياساتي في جو منفتح من النقد وتقبّل النقد، فالعنصرية المبنية على الجندر قد تخدم الممارِس لها، لكنها تخلق فجوات كبيرة في المجتمع، وتلعب دوراً مهماً في التخلّف الاجتماعي في المجتمع المؤسّس على النظام الأبوي.