التجربة الجامايكية (5): مورفيوس

التجربة الجامايكية (5): مورفيوس

06 مارس 2023
+ الخط -

عرّفني مستر ونستون للرجل المهم بأنني صدیقه العزیز القادم من أمیركا الذي أخبره عني، طبعاً بمجرد أن سمعت جملة "الذي أخبرتك عنه"، بدأت قبیلة  كاملة من الفئران تلعب في عبّي، ثم عرّفني عليه بأنه سیاسي يمثل المنطقة في البرلمان.

نظر إليّ نظرة متجهّمة فیها قسوة واضحة تفهمك بشكل لا مجال للشك فیه أنه كان زعیم عصابة قبل أن یصبح سیاسیاً. مدّ السیاسي مورفیوس ذو البشرة الرائعة یده لیصافحني، تخیلت وأنا أنظر إلى یده الممدودة أنه سیكون بداخلها حبة زرقاء وأخرى حمراء، تمنیت ذلك جداً بصراحة لأنني كنت سأبلع أياً من الحبتین أو كلتيهما لو اقتضى الأمر حتى أخرج من هذا الموقف الذي وضعني فیه ونستون وحذاؤه اللعین!

أیقظني الضغط المهول على أصابعي من حلم الماتريكس الذي سرحت فیه، وإذ بي أحدّق في وجه مورفيوس، سحبت أصابعي المفعوصة من یده مردداً "نایس تو میت یو"، بینما كنت ألعنه وألعن ونستون في سرّي. 

نظر إليّ مورفیوس نظرة باردة، وقال لي بصوت خال من المشاعر أن ونستون سعید بحذائه الجدید، وأنه قال إنني شاب یمكن الاعتماد علیه، لم أرتح أبداً لجملته وتكاثرت قبیلة الفئران في صدري، لكنني تصنعت ابتسامة وقلت له بما معناه أن مستر ونستون رجل كُبّارة ویستأهل، ثم أكملت بالعربیة رأيي الصريح في ونستون واليوم الذي تعرّفت فيه على ونستون!

أشاح مورفیوس، الذي كنت نسیت اسمه الحقیقي، بوجهه بعیداً لفترة، ثم تلفت حوله ببطء ومال على أذني هامساً أنه یرید أن یرسل معي إلى أمیركا عینة من منتج مصنعه الجدید، وبما أنّ مستر ونستون مدحني عنده فإنه یثق بي!

امتقع وجهي بعدما سمعت ما قال لي، وانسدت نفسي حتى عدلت عن التفكیر في شراء النصف الآخر من أفضل ما حدث معي في تلك اللیلة، وهو الدجاجة اللذیذة "من تحت إیدین" طباخ السجن المرعب، فكرت بسرعة ماذا یمكن أن أقول له من غیر أتورط أكثر في هذه المصیبة السوداء، طبعاً لم أسأل ما نوع المنتج ولا حجم العینة لكي لا یحسبها علي بأنني أعرف شيئاً عن منتجه ویضطر إلى إسكاتي یوماً ما.

كنت سأجیب بالرفض مباشرة، لكنني تریثت وآثرت الصمت لفترة من الزمن، ثم أُلهمت أن أشكره أولاً على حسن الظن بي، وثقته التي أقدرها جداً، ونظرت إلى ونستون شزراً وشكرته على "الركومندیشن" الغالیة، ثم قلت لمورفیوس إنني مسافر لعدة بلدان أخرى بعد جامایكا قبل الرجوع إلى أمیركا، وإن حقيبتي صغيرة وبالكاد تسع حاجياتي، وإنّ بإمكانه أن یرسلها عن طریق "الدي إتش إل" إن أراد، وقبل أن أترك له المجال للرد، توجهت إلى مستر ونستون الذي ختمت قاموس شتائمي علیه عدة مرات، وقلت له إنني أرید الذهاب إلى الحمام، قال لي ضاحكاً أن أذهب وراء بسطة المشاوي.

نظرت له بجدیة وكررت كلامي ببطء، فتلعثم قلیلاً وقال: "أوكي.. حسناً.. تريد الحمام.. لا بأس.. حسناً.. تعال معي إلى بيتي في أعلى التلة، فرصة أیضاً لتلتقي الضیوف الآخرین".

الصراحة لم أكن أرید الحمام، لكنه كان العذر الأمثل للهروب من مورفیوس والتملص من المصیبة التي یریدها مني.

(يتبع)

أنس أبو زينة
أنس أبو زينة
مهندس برمجيات وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، مقيم في لندن وأنتمي، ثقافةً وهويةً ولغةً، إلى الوطن العربي. مهتم بالسفر والاطلاع على حضارات العالم المتنوّعة وعادات شعوبها، سافرت الى إحدى وثمانين دولة حتى اﻵن، وأكتب عن المشاهد والقصص والمغامرات التي عشتها.