كان يسير مسافة بعيدة على قدميه لكي يشتري بطاقة اشتراك بالإنترنت يتواصل من خلالها مع العالم، ليشتم ويعبّر عن حال النازحين قبل أن يتحوّل مع أمنياته إلى أشباح.
لا يمكن لمدينة كخانيونس تحتضن البحر أن تنتهي، وحتى الحجارة الباقية المغتسلة بالدم والدمع سوف تتحرّك لتكتب زمنًا جديدًا في هندسةٍ محيّرة للعقول والعدو في آن.
"الفقير جهده كبير" مثل ينطبق أكثر ما ينطبق على أهالي مدينة رفح الذين قدّموا ا كلّ ما يملكون لإخوانهم الهاربين من القصف الإسرائيلي الذي يعانون منه اليوم.
اليوم، ونحن نعود إلى زمن ما قبل اكتشاف الكهرباء، نحن نشكر الربّ كثيراً لأن الجو البارد لا يساعد على تلف أطعمتنا القليلة سريعاً، والتي لا نحصل عليها بسهولة.
فجأة، وجدتُ نفسي وكأني أنزلق في غيابة جبٍّ عميق، أعمق مما قد يتخيّله خيال إنسان، هكذا أصبحت ومن معي مثل العميان، وحولنا كلّ مشاعر الخوف، وبداخلنا قلوبٌ تنتفض بأحاسيس لا نعبّر عنها إلا بالبكاء.
شعرتُ بالفرحة والذعر معا، وأنا بين أحضان صديقتي وابنتيها في بيتٍ غريب، ومع أناس غرباء بدأوا يلمسونني ويتحسّسون شعري، ويبدون إعجابهم بجمال شكلي، فأطلقت مواءً فهمت منه صديقتي أن عليها أن تختار لي مكانا آمنا في هذا البيت الضيق.
نجوْنا في هذه الجولة، وفقدنا بيتنا، وكل ما نملك فيه، وأصبحنا لاجئين مشرّدين عند عائلة أخرى في غزّة لنعيش بينهم ومعهم، ونتشارك الخوف واللقمة ثلاثة أيام، حتى وصل القصف إلينا، فكان علينا أن نخرج لكي نجري وننجو بأنفسنا...