لا شرف في جرائم الشرف

لا شرف في جرائم الشرف

20 مايو 2014

فلسطينيات في مسيرة ضد جرائم الشرف (سبتمبر 2005 أ.ف.ب)

+ الخط -
القرار الفلسطيني بإلغاء الإعفاء القانوني من العقوبة في ما تدعى جرائم الشرف خطوة ضرورية، في ضوء استشراء عمليات قتل النساء والفتيات، من أفراد في عائلاتهم، خصوصاً في فلسطين وسورية والأردن، لكنها غير كافية، من دون تغيير جذري في الثقافة السائدة، والتي تجعل من قتل المرأة عملاً مغفوراً، إذا لم يكن بطولياً.
لكن ازدياد الأعداد بصورةٍ غير مسبوقة، في حالاتٍ، غالبيتها العظمى نتيجة شكوك غير صحيحة في سلوك الفتاة، وإنْ كان لا يجعل أي قتلٍ مبرراً، حتى في حالة إثبات الشكوك، ظاهرة مثيرة للانتباه والاستنكار معاً: إذ كأن شعور الرجل العربي بعدم سيطرته على مصيره في زوبعة التغييرات، وتفشي الظلم، يجعل من الأنثى الهدف الوحيد لاسترداد حسه بكرامة مهدورة، وذلك بهدر ليس كرامتها فحسب، بل وروحها أيضاً.
ألا يكفي ما تعاني المرأة العربية من ويلات حروبٍ ونزاعاتٍ واحتلال، حتى يصل الأمر إلى فقدانها الأمن والأمان بين من تحبهم؟
فما تدعى جرائم الشرف تعني سحب كل مشاعر حنان وحب منها، في عذابٍ أخير قبل الإجهاز عليها، ذبحاً أو خنقاً أو ضرباً باستعمال أي سلاح متوفر، أو قريبٍ من اليد أو الأيدي، فلا مكان لتوسلٍ، ولا فائدة لاسترحام، ومن تسترحم حين يصبح الأعز، أو المحب، هو قاتلها؟ 
كل مرة أسمع، أو أقرأ، عن "جريمة شرف"، أتخيل، أو أحاول تخيل تلك اللحظة الرهيبة: ذعر الخوف والصدمة في عيون فتاة، أو امرأة، حين تدرك أن حاميها وراعيها، من أب أو صديق، أو زوج، يتحول إلى قاتلٍ يغرز السكين في جسمها من دون رحمة، أو يطلق الرصاص ليمزق جسدها من دون شفقة.
هي لحظة تتحول عائلة بأكملها، وليس فقط القاتل فحسب، إلى مجرمين وضحايا: فالضحية ليست المغدورة فقط، والغدر بحد ذاته جريمة، بل القاتل أيضاً ضحية: هو ضحية مفاهيم مشوهة، تجعل من الرجل، وأحياناً الفتى، جلاداً ينفذ قرار إعدام غير مكتوب، لكنه محفور في تنشئته منذ الطفولة، فالأنثى مذنبة منذ ولادتها، تتحمل عار إغراء حواء لآدم، وعليها دفع الثمن بشكل وآخر.
المجرم الأكبر هو النظام المجتمعي الذي يحرّض الذكر على الأنثى، في كل لحظةٍ من حياته، ويجعل من قدرته على إيذاء أقرب الناس إليه من الجنس الآخر امتحاناً دائماً لهيبته الذكورية، والأسوأ أن عقاب المرأة المشكوك بأخلاقها، وهماً أو حقيقة، جزء أساسي من إثبات رجولة، مُفرَغة من الشهامة والرجولة.
لكن المجتمع، بأغلبيته، يرفض تحمل مسؤولية الجريمة، وكأن الاستنكار، أو حتى النقد، يشكك بشرف كل منا، فنسعى إلى الحفاظ على سمعتنا، ومفهوم شرف كاذب، بصمتنا، إن لم يكن موافقتنا الضمنية، إن لم تكن العلنية، فنحن أصبنا بجرثومة المرض نفسه، ولذا، نرى الأم في بعض الأحيان توقف، إن لم تشارك في تنفيذ الجريمة، وكأنها تدافع عن خطيئة إنجاب أنثى، أو حتى خطيئة وجودها هي.
في الأردن، بدأت الأصوات ترتفع، والأهم أن في صفوفها رجالاً وكتاباً، تجرأوا على خوف اتهامهم بشرفهم، لقول كلمة عدل وحق، لكن القوانين لا تزال تخفف العقوبة، فتضع مادةً قانونيةً حلاً جاهزاً بتزويج الفتاة من مغتصبها، وبالتالي، العفو عن فعلته: أي أن القانون الأردني يخفف عقوبة الجاني، إذا كان قاتلاً، أو يمنحها الحق القانوني لاغتصابها، إذا كان مغتصباً، فبالنهاية القانون يشرع عقاب حواء لإغراء آدم.
آن الأوان لصرخة كفى، ولنبدأ تغيير القوانين، كخطوة في تغيير المفاهيم نحو مجتمع أكثر إنسانية.