عندما يصبح "خبراء الإرهاب" محذرين من نظرية "هرمجدون" إعلامياً

عندما يصبح "خبراء الإرهاب" محذرين من نظرية "هرمجدون" إعلامياً

22 نوفمبر 2014
يُحذّر الخبراء من الوقوع في فخ "داعش" (Getty)
+ الخط -
لعلّه أمرٌ مثير أنّ تتابع "خبراء استراتيجيين" في مجال مكافحة الإرهاب في وسائل إعلام الغرب، فتجد بعضهم يصل إلى مستوى تحذير مواطنيه وسياسييه وعسكرييه من "الوقوع في فخ "داعش" مستخدمين نظرية "هرمجدون" و"معركة القيامة".

هذا ما ذهب إليه الباحث والخبير السويدي في قضايا الإرهاب ماونوس رانستروب، يوم الإثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني في مقابلة مع الصحافة، حيث قال: "لقد رتبت الدولة الإسلامية "داعش" فخاً ومن المهم حقاً أن لا نذهب إليه".

وأشار ماونوس إلى شريط مصور صادر عن "داعش" تظهر فيه عملية ذبح جنود سوريين والرهينة الأميركي بيتر كاسيغ (الغربي الخامس الذي تذبحه داعش)، مؤكداً أنّ "تركيز التنظيم على إظهار وجوده في منطقة دابق في الشمال السوري، يحمل مغازٍ عدّة".

ومن الواضح أنّ بعض نظريات الصدام القادم، التي تثير حولها زوابع كثيرة كتنظيمات إسلامية مسلّحة "في آخر الزمان"، باتت تتسلل إلى "العقل الاستراتيجي الغربي". فمثل غيره ممن أصيبوا بحمى ولوثة "التصادم الديني" راح ماونوس، وهو ليس حالة منعزلة في الإعلام، بل تتغلغل في الذاكرة الشعبية الغربية، يُذكر أن: "هذا الاختيار يقوم على منطقة نبوءات واقعة كبرى بين الصليبيين والمسلمين". إذن، المنطقة التي اختارتها الدولة الإسلامية هي رمزية جداً لجرنا إلى المعركة.

ما يريده هؤلاء الخبراء إعلامياً هو الإيحاء، وربما "داعش" تقوم بذات اللعبة، لمواطني الغرب بأن ما يجري هو "جرّ داعش لنا إلى معركة لم نعدّ لها". وهؤلاء المواطنون، الذين تفيد استطلاعات رأيهم، في بعض الدول التي كانت قد ملت في الأمس القريب من الخوض في حروب برية جديدة كأفغانستان، باتت تؤيد أغلبيتها إرسال الجيوش إلى المنطقة العربية، حيث أصبح من السهل تحت وقع "شرائط الذبح" أن يجري تطويعهم للموافقة على حملات عسكرية ضخمة تنسيهم أوضاعاً اقتصادية مأزومة،  مع تراجع توقعات النمو ورعب من أزمة خانقة في منطقة اليورو.

"دابق" إذا كلمة السحر والسر برأي هؤلاء "الخبراء الإعلاميين" الذين يجزمون بأن:" داعش تجهز أتباعها وتبث في عقول الناس بأن الواقعة بدأت، وعلينا أن نكون في الغرب متجهزين لها".

خلط الدين في التحليل السياسي والعسكري الإعلامي ليس حكراً على عقول معينة. ويذهب بعض أصحابها "الاستراتيجيين الغربيين" إلى الجزم بالاستعانة بالتالي: "مثلما يوجد عند اليهود والمسيحيين إيمان بالحياة بعد الموت فإن المسلمين لديهم ذات التصور حول النهايات وتلك الحياة القادمة بعد الفناء".

هذا الجزم الذي يقحم اسم منطقة جغرافية تسمى دابق في شمال سورية، لخلط متعمد ومقصود، يستعين في التحليل "الاستراتيجي الغربي" بحديث ديني إسلامي عن "معركة النهاية التي ينتصر فيها المسلمين على المسيحيين"، ولمصداقية أكثر "هذه صورة أحد مسلّحي المليشيات المسيحية، دويخ ناشوا، التي تحارب داعش في المنطقة" تشير صحافة التحريض بين شعوب المنطقة.

وأيضاً لإضفاء مزيد من "التشويق" وربما الاقناع، يصبح اقحام هؤلاء الخبراء لمفردة "الفخ" وقع أكبر، بظنهم، إن وجدوا في بعثات إعلامية تجوب كاميراتها مناطق عراقية مرافقة لمليشيات طائفية شيعية بعنوان برّاق للمتلقي:" هؤلاء هم حلفاؤنا (في إشارة إلى المليشيات الشيعية)، نحن نقصف من الجو وهم يتقدمون على الأرض". وتلك ليست من صناعة مخيلة صحفي اسكندنافي يجوب العراق ليعرض علينا "وثائق سرية ومهمة عن هيكلية وأهداف داعش"، والتي يشرحها لنا معمم عراقي متمنطق بشعار "أبو الفضل العباس" كحليف جديد على ما تقدمه وسائل الإعلام.

لكن حين تسأل صحفية مخضرمة قادة تلك المليشيات "الحليفة"، وهم يمثلون عبر أحد ملتحيهم تمثيلية لـ"خاطر الصحفية دامسغوورد" بإلقاء القبض عليه كواحد من "الدواعش":" هل إذ قدم الأميركيون وغيرهم لمحاربة داعش على الأرض ستقفون معهم؟". الإجابة الساحرة:" لا لن نقف معهم، سنحارب على جبهتين، الدواعش والأميركيين".

المتلقي بالتأكيد لهذا الدفق الإعلامي الخالط للخرافة بالوقائع سيقتنع أكثر بحتمية المواجهة "مع الجميع فكلهم مسلمون، وعلينا أن نرسل كل قواتنا لنتخلص بسرعة من البرابرة"، والتعبير الأخير هو تعليق قراء كثيرون في قنوات رسمية.

إذا، الخلط في التحليل السياسي والعسكري "الاستراتيجي" مع نظريات الدين والنبوءات التي كانت حكراً على بعض الذهنيات الشعبية البسيطة أبداً ليست بريئة في أيامنا وما تحمله مستقبلاً وسائل إعلام تغرق في ذات المغطس، دليلاً آخر على اتجاهات هذا الإعلام "الحديث".

المساهمون