مَن الذي رفع الراية البيضاء؟

مَن الذي رفع الراية البيضاء؟

28 اغسطس 2014

فتية في الشجاعية مبتهجون بإعلان انتهاء العدوان (أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

قبل أكثر من خمسين يوماً، حينما شنّت إسرائيل حربها العدوانية على قطاع غزة، كان المعلقون وأعوانهم، والمراقبون، وغرف التحكّم والسيطرة وإدارة الحرب، في الكيان الصهيوني، كانوا ينتظرون رؤية الرايات البيضاء ترفرف على بيوت غزة، كما رأوها من قبل، في حرب الساعات الست، في العام 1967، وكان الرهان يتركز على هدفين لا ثالث لهما:
الأول، أن تطلب المقاومة هدنة، أي هدنة، أو أي وقف لإطلاق النار، وبلا أي شروط، ولم يكن أكثر المتعجرفين تواضعاً في إسرائيل، يأمل بأقل من هذا!

الثاني، أن تثور جماهير غزة على المقاومة، نتيجة ثمن باهظ دفعته من دمائها ومالها وحياتها، فتنقلب على الفصائل المقاتلة، وتقول: كفى. لكن ما حدث أن تلك الجماهير، أو سوادها على الأقل، كانت تبدو الفصائل "معتدلة" مقارنة بها، بمعنى أن الناس العاديين، كانوا أكثر "تطرفاً" من المقاتلين، في إصرارهم على مواصلة القتال، على الرغم من كل ما دفعوه من ثمن باهظ، بعدما تحول البشر والحجر إلى "بنك أهداف" لإسرائيل، وبعدما فرغت جعبتها من الأهداف!

واليوم، وبعد أكثر من خمسين يوماً، "تستجيب" المقاومة وتقبل بالهدنة الطويلة، بعدما استجدتها إسرائيل طويلاً!

من السهل على المتربّصين، والشامتين، والمقهورين، من المقاومة وإنجازاتها، أن يقولوا إن غزة لم تنتصر، لأنهم لم يروا إسرائيل ترفع الراية البيضاء، وهذا منطق مَن لا يريد أن يرى ما حصل، أو أنه لا يريد أن يصدّقه!

في رؤية مجزّأة، للمشهد، تتوقف هذه السطور عند بعض المشاهد السريعة، توسلاً للوصول إلى رؤية شاملة.

زميل إعلامي، عُرف عنه نقده اللاذع للحركة الإسلامية، بلغ أحياناً حد العداء والقسوة البالغ فيها، التقيتُه قبل أيام، سألته: هل تمثّلك حماس الآن؟ قال لي: لا، بل "كندرة" (أي حذاء) حماس تمثلني، فلأول مرة أشعر أننا قريبون جداً من النصر!

• قبل إعلان موعد الهدنة، أو التهدئة الطويلة، بدقائق، يعلن إعلام العدو الإسرائيلي عن سقوط صاروخين على وسط إسرائيل. والرسالة، هنا، بالغة الوضوح، وبعد مرور أكثر من ساعة على دخول التهدئة حيّز التنفيذ، لم يصدر عن إسرائيل أي تصريح رسمي بخصوصها، ما خلا تسريبات ومصادر صحافية تحدثت عن تمرير قرار التهدئة على مجلس الوزراء المصغّر، بالهاتف، فيما كانت القناة الإسرائيلية الثانية تعلن عن انتهاء مستقبل نتنياهو السياسي!

• الصوت الإسرائيلي الوحيد، الذي عثرت عليه، يتحدث عن التهدئة، ليلة إعلانها، كان صوت المراسل العسكري للقناة الثانية الإسرائيلية، روني دانيال، والمعروف بتطرفه ومطالبته طوال الحرب باحتلال قطاع غزة. قال ليلة الهدنة: يبدو أن الحديث يدور عن وضعٍ لا يطاق، كان يجب أن لا نصل إليه. يقولون لدينا إن حماس خرجت من هذه الجولة بدون أي إنجاز، وأنا أقول سادتي يوجد لحماس إنجاز كبير، فهذه المنظمة صمدت طوال 50 يوماً كاملة أمام الجيش الأكثر تطوراً والأكثر قوة في الشرق الأوسط، وبدون أن تستسلم.

حماس تلقّت ضربات قاسية، لا خلاف حول ذلك، ولكن، أيضاً، في اليوم الخمسين يوجد هنا "الجرأة" للجدال حول شروط وقف إطلاق النار، وعن موعده، وكذلك حول الحلول التي ستأتي بعد ذلك.

الإنجاز الإسرائيلي، بعد الأيام الخمسين، كان يجب أن يكون واضحاً أكثر. فلغاية اليوم أملت علينا حماس كم من الضيوف يجب أن ندعو لحفل الزواج، وهل نستطيع مشاهدة كرة القدم أم لا. مواطنون كثيرون يتركون بيوتهم في غلاف غزة، ويبحثون عن ملجأ لعبور الغضب، حماس أدارت مدة 50 يوماً طريقة حياتنا، وفي العشرين يوماً الأخيرة كانت تملي علينا ماذا نفعل، ومتى سيكون وقف لإطلاق النار، وإسرائيل استجابت!

• في رسالة وردتني من أم فلسطينية، تعيش في الأراضي المحتلة عام 1948 وتحمل الجنسية "الإسرائيلية"، قالت: سألني ابني، وهو ابن سبع سنوات: مَن انتصر في الحرب؟ هل صحيح غزه انتصرت؟ وإذا انتصرت هل "ستحتل" إسرائيل؟ وقفت صامتةً لا أدري ما أقول!
لا يحتاج المرء لعبقرية في التحليل، ليعرف أننا أمام حدث تاريخي كبير أصاب دهاقنة "الثورة المضادة" التي اشتعلت لمحاصرة الربيع العربي، بصدمة أفقدتهم توازنهم، فلم ينتبهوا لورقة التوت وهي تنزلق عن عوراتهم. فصمود غزة، والمقاومة، أعاد الحياة إلى الجماهير التي أشعلت نار ثورات الربيع، ومشروع ما يسمى "الإسلام السياسي"، بعدما ظن الجميع أن الثورة المضادة أجهزت على جمر الثورة في صدور الناس.

ولهذا، تحركت قوى الأرض كافة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لوقف مصدر "شحن" الجماهير العربية، والتوصل إلى "الحد الأدنى" الممكن من انتصار المقاومة، كي يلتقط أرباب الثورة المضادة أنفاسهم، ويعيدوا لملمة صفوفهم، بعدما خذلهم حليفهم الصهيوني، وفشل في دفع المقاومة إلى رفع الراية البيضاء!

A99D1147-B045-41D9-BF62-AB547E776D3E
حلمي الأسمر

كاتب وصحافي من الأردن