يوم الأرض في الضفة الغربية: إحباط ما بعد أوسلو

يوم الأرض في الضفة الغربية: إحباط ما بعد أوسلو

رام الله

نائلة خليل

نائلة خليل
30 مارس 2014
+ الخط -

لم يعد يوم الأرض الفلسطيني، مجرد ذكرى ومناسبة لتصعيد المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي. غابت الإضرابات والتظاهرات الحاشدة، وحلت محلها المهرجانات الخطابية، وحملات زراعة الأشجار. استُبدلت المقاومة المسلحة بـ"المقاومة الإلكترونية". باختصار، لم تعد هذه المناسبة تقلق دولة الاحتلال منذ العام 1994.

الحديث عن يوم الأرض الفلسطيني بات يخضع لمقارنة اجبارية بين الفلسطينيين، أينما حلوا. كيف كان، وكيف أصبح اليوم. هذا هو حديث الساعة. لا يملك أحد ترف كسر دائرة المقارنة للمناسبة التي أصبحت الدعوة للاحتفال بها رسمية، وبحضور خجول، ولا مكان في الضفة الغربية المحتلة لحديث عن مقاومة توجع الاحتلال، بعدما أصبحت المقاومة الشعبية التي تبنتها القيادة الفلسطينية، إلى جانب المفاوضات، خيارين لا ثالث لهما.

حتى ابتسام أبو جابر (45 عاماً)، وهي إحدى أبرز الناشطات "الفتحاويات" في الانتفاضة الأولى، المعروفة بأنها التي كانت تخرج ليلاً لتكتب على جدارن أزقة مخيم بلاطة للاجئين في نابلس، عبارات "في ذكرى يوم الأرض... لنشعل الأرض تحت أقدامهم"، أو "عائدون"، فقدت اليوم حماسها نحو هذه المناسبة، قائلة "أنا كسائر الشعب الفلسطيني، مصابة بالإحباط".

منذ اتفاقيات أوسلو، لم تقم أبو جابر بتنظيم أي فعالية لمناسبة وطنية مثل يوم "الأرض الفلسطيني" أو "يوم الأسير الفلسطيني"، على الرغم من أنها مناسبات كانت تبدأ بالتجهيز لها قبل شهرين أو أكثر، وتتحمّل لوم العائلة وخطر الاعتقال بأي لحظة من الاحتلال الإسرائيلي. لكن ذلك لم يمنعها من توزيع بيانات الانتفاضة وقراءتها في اليوم التالي لنساء الحي اللواتي لا يجدن القراءة ولا الكتابة.

وتقول أبو جابر إنه "قبل السلطة كنا نعمل معاً، قيادات وشعباً، اليوم القيادات تعمل لكسب المزيد من الامتيازات، والشعب يدور في حلقة مفرغة بحثاً عن قوته، بعدما خذلته هذه القيادات".

في ثمانينيات القرن الماضي وحتى مطلع التسعينيات، كانت أبو جابر تمضي أسبوعاً أو أكثر في الساحات المخصصة لجمع بقايا السيارات التالفة، تبحث عن إطار حافلة أو شاحنة مناسب، ليقوم الشباب بحرقه أمام مدخل المخيم في ذكرى يوم الأرض. وتتذكّر كيف كان "زملائي الرجال في التنظيم يقولون لي يكفي إطار سيارة عادي، وأنا أصر على إطار ضخم ليبقى مشتعلاً من الصباح حتى المساء".

إحراق الإطارات، وإغلاق الشوارع الرئيسية للقرية والمخيم والمدينة منذ ليل 29 مارس/آذار من كل عام، تحسباً لدخول السيارات العسكرية الإسرائيلية، كانت تفاصيل أصيلة تصاحب ذكرى يوم الأرض، تمهيدا لـ"التصعيد"، وهي الكلمة التي ترافق هذا اليوم بالضرورة، حتى بات طلاب المدارس والجامعات وأولاد المخيمات يستخدمون مصطلحات "يلا نصعد" أو "يلا ع التصعيد" في إشارة لذهابهم لرمي الحجارة على جنود الاحتلال في نقاط الاحتكاك.

أما عدنان داغر، أحد قياديي الحزب الشيوعي الفلسطيني، وممثله في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى، والذي عاقبه الاحتلال صيف العام 1988 بالإبعاد إلى جنوب لبنان، بتهمة صياغة البيان رقم 12 للانتفاضة الأولى، فيرى أن ذكرى يوم الأرض قبل أوسلو، كانت تستمد زخمها من الجماهير، وكانت القيادة ملتصقة بها، على عكس ما هو حاصل اليوم.

ويوضح داغر أنه قبل مجيء السلطة الفلسطينية، "كان الناس لديها أمل بالتحرر، لم تكن هناك امتيازات أو مكاتب وسيارات، كنا نجتمع تحت زيتونة أو في منازل الأصدقاء، ويكفي أن نعلن عن تظاهرة في ذكرى يوم الأرض، حتى ينضم المئات بغضون ساعات". أما اليوم، فيأسف إلى واقع أن "جميع قوى اليسار الفلسطيني غير قادرة على جمع مئة شخص في تظاهرة سلمية تجوب دوار المنارة وسط رام الله".

ولدى القيادي الفتحاوي، النائب في المجلس التشريعي عن مخيم جنين، جمال حويل، رأي في الموضوع، إذ "لا يقتصر الأمر على فقدان الفصائل الفلسطينية قدرتها على حشد الجماهير بسبب انسلاخها عن الشارع، بل إنها توظف إمكانياتها المادية واللوجستية في جمع أنصارها للاحتفال بذكرى انطلاقتها في كل عام، بعدما تؤمّن لهم المواصلات، وتوزع عليهم المياه المعدنية، وغالباً وجبة طعام، في حين لا تولي أي اهتمام يذكر لذكرى هامة مثل يوم الأرض".

ويتابع حويل قائلاً "كنّا نجهّز لإحياء ذكرى يوم الأرض قبل أسابيع من حلول الثلاثين من مارس/آذار، وكان الاحتلال يعتقل النشطاء قبل أيام من موعد الذكرى، لمدة 18 يوماً احترازياً، خوفاً من التصعيد مع الاحتلال. أما اليوم، فتغيّرت المفاهيم بشكل دراماتيكي، وبدل المواجهة مع الاحتلال، أصبحت تقام المهرجانات".

في المقابل، يشير المحاضر في علم الاجتماع بجامعة بيرزيت، الدكتور علاء العزة، إلى أن "تراجع المناسبات الوطنية مرتبط بهزيمة الحركة الوطنية ذاتها وغياب مشروع ورؤيا تحررية". غير أن الناشطة النسوية، عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" هيثم عرار، تعزو ذلك إلى "التغيرات السياسية والبرنامج السياسي الفلسطيني بعد نشوء السلطة الفلسطينية، التي أعطت الاحتلال فرصاً مستمرة لخيار السلام، لتحقيق برنامجها السياسي دولتين لشعبين".

وتلفت عرار، ابنة مخيم الجلزون قرب رام الله، إلى سبب آخر يُختصَر بانعدام الاحتكاك المباشر بين الفلسطينيين وجيش الإحتلال الإسرائيلي، "لذلك اختلفت طبيعة النشاطات الوطنية التي أصبحت تشتمل على المهرجانات ومسيرات داخل مناطق السلطة الفلسطينية".

لكن نقاط الاحتكاك الساخنة مع الاحتلال لم تنعدم، وهو ما يمكن مشاهدته بشكل أسبوعي في مخيمات الجلزون وقلنديا قرب رام الله، ومخيم جنين، ومخيم عايدة في بيت لحم، والفوار في الخليل، والتي لا تزال تشتبك مع الاحتلال وتدفع يومياً جرحى وشهداء ومعتقلين جراء الاقتحامات المتكررة للاحتلال.

وفي السياق، لا تزال القرى الفلسطينية المتاخمة للمستوطنات، تنظّم نشاطاً أسبوعياً سلمياً مناهضاً للاستطيان، مثل  كفرقدوم وبلعين والمعصرة وبورين،. لكن جميع نقاط الاشتباك هذه تبقى معزولة عما حولها، وكأن كل مخيم أو قرية يقاتل وحده وعلى عاتقه، بمعزل عن المحيط العام، ولم تعد ذكرى "يوم الأرض" توحّد هذه النقاط الساخنة في برنامج واحد.

وتُظهر السلطة الفلسطينية اهتماماً بهذه القرى لإحياء "يوم الأرض"، عبر تنظيم حملات زراعة أشجار فيها، بينما بقيت المخيمات خارج المعادلة، إذ تقاتل إذا ما تم اقتحامها من قبل جيش الاحتلال، وترفض بشكل غير علني "المقاومة الشعبية" التي تلتزم بها السلطة.

في المقابل، هناك جيل فلسطيني كامل وُلد بعد اتفاقيات أوسلو، وتحديداً في المدن الفلسطينية. كل ما يعرفه هذا الجيل عن ذكرى "يوم الأرض"، هو المسيرات السلمية داخل المدن، وحملات زراعة الأشجار، والمقاومة الإلكترونية.

وتقول إيليا غربية (20 عاماً) "لقد أخبرني جدي عن يوم الأرض الذي قتل فيه الاحتلال الإسرائيلي ستة فلسطينيين عام 1976 في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وأقوم في كل عام، بالمشاركة بالمسيرات داخل رام الله، وأوزّع عبر حسابي على"الفيسبوك" و"التويتر"، الصور والتعليقات والمعلومات الخاصة بهذا اليوم".

لكنّ الطالبة في جامعة النجاح الوطنية منال القصراوي تؤكد أنها منذ دخلت الجامعة قبل عامين، "لم تتم الدعوة للاحتفال بمناسبة يوم الأرض، على الرغم أنني متابعة جيدة لوسائل التواصل الاجتماعي".

ذات صلة

الصورة
مسيرة رام الله

سياسة

خرج آلاف الفلسطينيين في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، مساء أمس السبت، في مسيرة هتفت للمقاومة الفلسطينية، ونددت بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
الصورة
من إحياء يوم الأرض في سخنين، العام الماضي (أحمد غرابلي/فرانس برس)

سياسة

تحلّ ذكرى يوم الأرض هذا العام، على وقع حرب غزة، وتشكّل مناسبة لفلسطينيي الداخل الذين يتحضرون لإحيائها، عودةً إلى المربع الأول: وحدة الأرض ووحدة القضية.
الصورة
محمود عباس يكلف محمد مصطفى بتشكيل الحكومة

سياسة

كلف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مساء اليوم الخميس، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى بتشكيل الحكومة التاسعة عشرة
الصورة

سياسة

أفادت إذاعة "ريشيت بيت" العبرية، بأنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدرس إمكانية الاستعانة بمسؤولين في السلطة الفلسطينية في مسألة إدارة حياة سكان قطاع غزة.