يدافعون عن نفايات الغرب

يدافعون عن نفايات الغرب

01 يونيو 2015
+ الخط -
لم أشاهد حفلة جينيفر لوپيز، ولكني أعلم نوع المادة الموسيقية التي قدمت، وقرأت الردود، واستنتجت أن الذين يدافعون عن الحفلة لا يدافعون حقيقة عن الفن والإبداع وحرية التعبير الجسدي والرقص، وإنما يضادون كل ما يدافع عنه أو يعارضه أغلبية المثقفين المغاربة المحافظين، حتى يظهروا مختلفين، ولأنهم قلة يظنون باختلافهم أنهم نخبويون. والحقيقة أن النخبة في أميريكا تشمئز من موسيقى الپوپ الحالية، وما آلت إليه من انحطاط وسفالة، وكيف تحولت من تعبير جسدي وأصوات جميلة وأغاني "كلاسيكس" خالدة إلى كوميرشل ميوزيك ودجانك ميوزيك، أي الموسيقى المستهلكة الرخيصة التافهة، وكيف أصبحت تركز فقط على "التووركين"، أو تحريك المؤخرة من نيكي ميناج إلى مايلي سايرس وإيڭي إيزيليا، ومن قبلهم بيونسي وجينيفر لوپيز، وباقي فنانات الپوپ التجاريات!
كنت مهووسة في مراهقتي بموسيقى الپوپ والروك أند رول، ولم أترك مغنياً أميركياً، سواء قديم من ريي تشارلز وجيمس براون وأريتا فرانكلين وإيلا فيتزجيرالد، مرورا بإلڤيس بريسلي، ثم الروليڭ ستونز وتينا تورنر عبر الأيروسميث وپرينس إلى مايكل جاكسون، ومن تلاه من پوپ التسعينات الفيودجيز والبلاك ستريت وسيلين ديون وبعدهم بريتني وكريستينا... لم أترك أحدا من هؤلاء إلا وتابعته، خلال فترتي الثانوية وبداية فترتي الجامعية. وأعلم جيدا ما آلت إليه الموسيقى الأميركية من تدنٍّ، وصل بها إلى قاع الانحطاط.
طبعا سنتعب بالمطالبة كل مرة بالمنع، خصوصاً أن النظام المغربي متلهف لأن يقبله المجتمع الدولي، ويرسم حوله صورة النظام المنفتح، ويجاهد لأن يحولنا جميعاً إلى مواطنين مستهلكين كل السلع الغربية من دون قيود، حتى الكاسدة منها، كي يحصل على الرضا الغربي، وبما أننا في زمن السوق الحر، وكل سلعة لها مستهلكون تدخل البلدان من أبوابها الواسعة، ولهذا النوع من الموسيقى التجارية جمهور واسع من المستهلكين، لأنها موسيقى ترفيهية، تجذب العوام.
ومع ذلك، هناك بلدان لها سيادة وهوية وكيان، ترفض معاملة شعوبها وكأنها سوق استهلاكي لنفايات الغرب. أذكر أن "ليدي ڭاڭا" كانت قد منعت من إقامة حفلتها في أندونيسيا منذ أعوام، بسبب اتخاذها عازف ڭيتار يمثل دور عيسى عليه السلام، وأن مادونا منعت من دخول إيطاليا عام 1987 بسبب ڤيديو يظهر فيه قس كنيسة يقبلها، ومنعت من إحياء حفلتها في تسعينات القرن الماضي، لأنها كانت تمارس الجنس بطريقة ما خلال الحفلة، ولا أذكر البلد الذي منعها. وأذكر أن مايكل جاكسون منع من إحياء حفل في المغرب، وانتشرت إشاعة، في ذلك الوقت، في المدرسة وأنا طفلة، أن الملك الحسن الثاني منعه، بسبب الحركة الجنسية التي تتخلل كل رقصاته، ولا أعلم مدى صحة الإشاعة.
دول كثيرة تمنع قدوم فنانين بسبب محتوى أغانيهم، أو شكل رقصاتهم، ولا يعتبر هذا حجرا على حرية التعبير، فلابد للحرية من حدود، ولا بد للإبداع من معايير، وإلا فهناك أنواع من التعبير لا أستطيع ذكرها، ولكم أن تتخيلوا ستصبح مباحة في المسارح أمام أعين المشاهدين. حتى أميركا أصبحوا يصعقون من حركات جنيفر لوپيز وبيونسي على المسرح، بينما حداثيو المغرب يدافعون عنها فقط رياء ولعقا لزبالة الغرب، عله يقبلهم منهم.
طالبنا بمنع هذا مهرجان موازين ولم يمنع، لأن مستشاراً ملكياً ينظمه، ثم طالبنا على الأقل بإعطاء فرصة للمنتوج المغربي، وعدم استقدام فنانين أميركان بالملايين، وصوتنا لم يسمع لأنهم يرغبون بمهرجان عالمي يعطي صورة عن المغرب المنفتح، ولو حتى على نفايات الموسيقى الأميركية. ولكن هذا لا يعني، ولا حتى كثرة مستهلكيه، أن علينا أن نقبله ونطبع معه؛ كونه، إضافة إلى محتواه، استثمار في غير محله. فالصحة قبل موازين. السكن قبل موازين. التعليم قبل موازين. القضاء على دور الصفيح والمتسولين قبل موازين.
لا يمكن لسياسة عرجاء، برجل طويلة تمول المهرجان والقطار فائق السرعة وأحواض الدلافين، وبرجل معطوبة تجرجر لعقود آلاف الفقراء والمساكين أن تتقدم بالبلد! هذا البلد لن يتقدم أبدا بسياسته العرجاء .. وفوق المنصة ترقص تجينيفر لوپيز مقابل الملايين.
80AEF6F3-BF05-4152-B455-248E8D09E94A
80AEF6F3-BF05-4152-B455-248E8D09E94A
مايسة سلامة الناجي (المغرب)
مايسة سلامة الناجي (المغرب)