هل يغادر الأردن مربع المحاور الإقليمية

24 يوليو 2019
+ الخط -

المصالح العليا للشعب والدولة

من المعروف في العلاقات الدولية أنَ الدول تنطلق من مصالحها في بناء شبكة علاقاتها عبر رسم خطوط عامة للسياسة الخارجية تنبع من المصالح العليا للشعب والدولة، وعادةً ما تكون هذه المصالح محل اتفاق كل مكونات الدولة ومؤسساتها في الحكم والمعارضة وتتبلور هذه المصالح عبر خبرات وتجارب ومصالح في مسيرة هذه الدولة ولا تقر هذه المصالح وفق اجتهاد شخص أو بضعة أشخاص وإنما تأتي عبر حوارات طويلة ومعمقة.

الانحياز للمصالح الوطنية بعد مائة عام من التأسيس

وعادةً ما يكون الاختلاف بين الساسة والمختصين على آليات تحقيق هذه المصالح وخدمتها وحمايتها لا على عناوينها وخطوطها العامة ومجالاتها، وقد آن للدولة الأردنية بعد قرابة مائة عام على تأسيسها أن ترسم خطوط سياستها الخارجية، بعد أن ترسم مؤسسات الدولة بقطاعتها المختلفة ملامح المصالح العليا للشعب الأردني والدولة الأردنية عبر حوارات سياسية ومجتمعية مع القوى الحية ومؤسسات المجتمع المدني وقادة الفكر والرأي وأصحاب الخبرة والاختصاص لتبني شبكة علاقاتها الدولية والإقليمية بما في ذلك المحيط العربي والإسلامي وفق هذه المصالح.

الاستقرار وسط إقليم مضطرب

وقد شهد الأردن منذ قيام دولته الحديثة ظروفاً إقليمية صعبة ومضطربة، خاصة مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الذي شهدت به الدول المحيطة بالأردن صراعات داخلية، وحروباً أهلية، وما صاحب ذلك من اضطراب في العلاقات العربية والإقليمية أفرزت حالة من الاصطفاف والمحاور وفق المواقف السياسية من قضايا عدة أبرزها الربيع العربي ومخرجاته والثورات المضادة للربيع العربي، وقد اضطر الأردن أن يكون جزءًا من هذه الحالة.

تهديدات وأخطار

ومع قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة، واعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وتجاوزه لكون القدس أرضاً عربية محتلة، وتجاهل الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وكذلك طرح ترامب مشروعاً للتسوية في الشرق الأوسط تشي تسريباته بأنه يضر بالدولة الأردنية ويشكل خطرًا وجوديًا عليها، أصبح لزامًا على صانع السياسة الخارجية الأردني أن يلتفت إلى مكامن الخطر الذي تطل به أطراف تعد حليفةً للأردن خاصة مع تجاوب دول شقيقة وحليفة للأردن أيضًا مع توجهات ترامب.

ولا يعني ذلك انتقال الأردن من تحالف إقليمي إلى تحالف إقليمي آخر، لأن المصالح الوطنية لا يمكن حصرها في نطاق جغرافي معين كونها معقدة ومتشابكة، وهذا يحتم على الدبلوماسية الأردنية أن تحقق حالة من التوازن عبر تحديد الأولويات الوطنية، وكيفيَّة الموازنة بين الظروف المتضادة، وأن نبحث عن من يقف إلى جانبنا في القضايا الكبرى.

تحول في العلاقات الإقليمية

وفي هذا السياق يمكن قراءة التطورات الأخيرة في العلاقات الثنائية بين الأردن وكل من قطر وتركيا وعودة السفير الأردني إلى الدوحة، فقد وفرت قطر للأردنيين خلال العامين الأخيرين حوالي 10 آلاف فرصة عمل، كما قدمت منحة مالية للأردن بقيمة مليار ونصف مليار دولار، إلى جانب الموقف القطري الواضح من مسألة دعم الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، فيما تسعى أطراف عربية أخرى، لسحب هذه الوصاية والاستئثار بها.

وعلى صعيد العلاقات الأردنية التركية فقد شهدت هذه العلاقات مزيدًا من التطور منذ إعلان الرئيس الأميركي اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة بلاده إليها، وتعززت هذه العلاقات بالزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين من مختلف المستويات ومن ضمنها زيارة وزير الخارجية التركية جاووش أوغلو إلى الأردن يوم الثلاثاء الماضي، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون الاقتصادي وتعميق التنسيق إزاء القضايا الإقليمية وفق بيان وزارة الخارجية الأردنية، ومع وجود بعض المسائل الخلافية بين الأردن وتركيا إلا أنَ تركيا تتفق مع الأردن في أمور جوهرية كالنظرة إلى حل الصراع العربي الصهيوني ورفض صفقة القرن ودعم تركيا الصريح للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.

وهذا يعني أن ما يجرى في السياسة الخارجية الأردنية نوع من تصويب المسار ومغادرة تدريجية حذرة لمربع المحاور الإقليمية والسعي خلف المصالح الوطنية.

  

دلالات
5E89F286-5164-4EC7-A49E-1BA28062B8B1
بكر محمد البدور
باحث متخصص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط. يعمل مدرباً للكوادر البشرية، ورئيساً للعديد من الهيئات الثقافية والاجتماعية، وله ثلاثة كتب منشورة.