"العدالة والتنمية" ما بعد الانتخابات المحلية

"العدالة والتنمية" ما بعد الانتخابات المحلية

19 ابريل 2019
+ الخط -
توجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع يوم الحادي والثلاثين من شهر آذار/ مارس الماضي لانتخاب المجالس المحلية التركية.

والمتابع للزخم الإعلامي الذي رافق هذه الانتخابات، يتخيل وكأنها أول انتخابات محلية تجرى في البلاد، وكغيرها من الانتخابات التركية تشهد هذه الانتخابات حالة من الاصطفاف والاستقطاب الحزبي والاجتماعي. وبالرغم من أن المجالس المحلية والبلديات هي جهات خدمية وغير سياسية إلا أن الحملات الإعلامية المصاحبة لها وضعتها في مصاف الانتخابات ذات الطبيعة السياسية المحضة.

وقد وصف محللون هذه الانتخابات بأنها استفتاء ضمني على مستقبل النظام الرئاسي الذي أقر في البلاد بموجب تعديلات دستورية جوهرية، تم الاستفتاء عليها عام 2016، إذْ أقر الناخبون هذه التعديلات. ووفق هؤلاء المحللين فإن فوز "العدالة والتنمية" في هذه الانتخابات يعني التأكيد على استمرارية النظام الرئاسي. وفي حال أخفق الحزب فإن ذلك يعني رفضًا ضمنيًا للاستمرار بالنظام الرئاسي.


صور متابعون الانتخابات المحلية التركية الأخيرة بأنها ليست مجرد انتخابات بلديات عادية بل تتعدى ذلك لترقى إلى كونها شأن قومياً ومستقبلياً للبلاد. فلماذا كل هذه الأهمية؟ فقد جرت في تركيا انتخابات متعاقبة لا سيما في السنوات الخمس الأخيرة.

ويعزو البعض أهمية الانتخابات هذه المرة إلى كونها الأولى التي تجرى في ظل النظام الرئاسي، وأن حسمها لصالح الحزب الحاكم سيعطي البلاد مزيدًا من الاستقرار طيلة السنوات الأربع المقبلة من ناحية. ومن ناحيةٍ أخرى قد تكون هذه الانتخابات فرصةً أخيرة للمعارضة للفوز حفاظًا على ماء وجهها أمام قواعدها ومؤيديها، بعد أن خسرت جميع الانتخابات التي جرت في البلاد منذ عام 2002. وهذا الفوز يفتح الباب أمام أحزاب المعارضة لإعادة النقاش حول قضايا وطنية أخرى من بينها النظام الرأسي وقضايا اللاجئين والسياسة الخارجية وغيرها.

شاركن في الانتخابات أحزاب "العدالة التنمية" و"الحركة القومية"، و"الشعب الجمهوري"، و"الحزب الجيد"، و"حزب الوطن"، وحزب "تركيا المستقلة"، وحزب "الاتحاد الكبير"، و"الحزب الديموقراطي"، وحزب "الشعوب الديموقراطية" الكردي، و"الحزب الديموقراطي اليساري"، وحزب "الدعوة الحرة"، و"حزب السعادة"، وحزب "تركيا الشيوعية" في هذه الانتخابات.

ولم يحدث أي تغير في التحالفات في هذه الانتخابات. فقد استمر تحالف الأمة بين حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد. كما استمر تحالف الشعب بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وهذه هي التحالفات ذاتها التي تمت في مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية.

منذ تأسيس حزب العدالة والتنمية في تركيا عام 2002، تمكن الحزب من تحقيق إنجازات انتخابية متتالية. وتمكن الحزب من تصدُّر المشهد السياسي في تركيا عبر الصناديق، وتعززت هذه الإنجازات الانتخابية بإنجازات فعلية، لمس أثرها المواطن والمراقب. ووضع الحزب أُطر عمل واضحة على كافة الصعد عرفت برؤية عام 2023، شملت هذه الرؤية الأهداف والبرامج الكفيلة بتحقيقها. ولا بد أن سكان إسطنبول ما زالوا يستذكرون ما حققه مؤسس حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان إبان ترأسه بلدية إسطنبول في تسعينيات القرن العشرين، والنقلة النوعية التي انتقلتها المدينة وضواحيها في تلك الفترة. إلا أن هناك تغيراً بدأ يطرأ على الناخب التركي. فقد برز جيل من الناخبين لا يعرف الكثير عن مرحلة ما قبل العدالة والتنمية، لأنه نشأ في ظل حكم هذا الحزب. وطبيعة الجيل الشبابي تميل إلى التغيير ما لم يكن هناك خطاب يلامس طبيعة هذه المرحلة العمرية، ما يفرض تحدياً كبيراً أمام الحزب الحاكم للاحتفاظ بمكتسباته وتعزيز مكتسباته. كما أن الاضطرابات الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد في الأعوام الأخيرة ألقت بظلالها على المشهد، ما يحتم على الحزب مراجعة قراءة المشهد الداخلي طيلة الأعوام الأربعة المقبلة.

إن وضوح الأهداف والرؤية لدى حزب العدالة والتنمية منذ التأسيس، ساعده على اجتذاب كفاءات وطنية في مختلف المجالات والتخصصات إلى صفوفه، مما أعطاه زخمًا إضافيًا وقوةً متراكمة انعكست إيجابيًا على الأداء العام. ومضى الحزب يقود تركيا نحو تبوء مكانة مرموقة في الساحتين الإقليمية والدولية عنوانها النمو الاقتصادي واستقلال القرار السياسي وتعزيز الحقوق والحريات العامة وتحسين القوانين والتشريعات، بما فيها التعديلات الدستورية المتكررة والتي كان آخرها تحول البلاد إلى النظام الرئاسي بدل البرلماني. والإنجازات التي حققها الحزب كبيرة ومتعددة يعرفها المواطنون الأتراك ويعرفها العالم.

وختامًا، فإن الأهمية الكبيرة التي حظيت بها الانتخابات المحلية التركية الأخيرة جعلت من الفوز بها تحدياً لم يكن سهلًا على حزب العدالة والتنمية الحاكم للحفاظ على الإنجازات المتراكمة، وتعزيز حالة الاستقرار السياسي في البلاد لخمسة أعوام مقبلة ولحماية النظام الرئاسي الوليد والمحافظة عليه. فبالرغم من فوز الحزب بأغلبية البلديات، وحصوله على نسبته التي اعتادها من أصوات المواطنين الأتراك، إلا أن خسارته في المدن الكبرى تشير إلى أمور سلبية يجب مراجعتها والوقوف عندها. خاصة مع استقرار البلاد سياسياً قرابة أربعة أعوام مقبلة.

5E89F286-5164-4EC7-A49E-1BA28062B8B1
بكر محمد البدور
باحث متخصص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط. يعمل مدرباً للكوادر البشرية، ورئيساً للعديد من الهيئات الثقافية والاجتماعية، وله ثلاثة كتب منشورة.