مسيرة بيضاء صامتة في تونس.. إكراماً لروح آية

مسيرة بيضاء صامتة في تونس.. إكراماً لروح آية

21 يونيو 2014
من المسيرة البيضاء الصامتة (فتحي بلعيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

ما زالت قضيّة حرق آية، الطفلة التونسيّة، تتفاعل. وفي آخر ردود فعل المجتمع التونسي، خرجت يوم الخميس، في 19 يونيو/حزيران الجاري مسيرة صامتة احتجاجاً على الصمت الذي رافق القضيّة وتنديداً بالجريمة البشعة التي راحت ضحيّتها الطفلة متأثرة بحروقها، بعدما قاومت 11 يوماً في مستشفى بن عروس المتخصّص في الإصابات والحروق البليغة.

انطلقت المسيرة من ساحة حقوق الإنسان في تونس العاصمة في اتجاه وزارة المرأة. وقالت في خلالها النائب في المجلس الوطني التأسيسي نادية شعبان "لا بدّ من التصدّي لهذه الظواهر الغريبة عنّا التي أصبحت شائعة أخيراً". وشدّدت على أن العنف الذي يمارس ضدّ المرأة والطفل في تونس غير مقبول.
من جهتها، تحدّثت الناشطة في المجتمع المدني لينا بن مهني، عن "ضرورة إنشاء مؤسسات تُعنى بالمرأة والأطفال وتفعيل القوانين التي تحمي المرأة والطفولة". أما راضية عمار، وهي من المشاركات في المسيرة الصامتة تكريماً لآية، فوصفت ما حصل بأنه "جريمة شنيعة ووحشيّة". ورأت أن "هذه المسيرة هي صرخة ألم".
إلى ذلك، انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي في تونس تدوينات مواطنين ومثقفين تونسيّين احتجّوا على بشاعة هذه الجريمة التي لم يعتد مثلها الشارع التونسي. وكانت دعوات إلى الاحتجاج على هذه الحادثة. وكتب أحدهم "إني أتوجه الى نساء بلادي، نساء تونس، وأدعوهنّ الى الثورة والانتفاض، أدعوهن الى كسر القيود! جميع القيود! يا نساء تونس حطّمن قيدوكنّ!". أما الكاتبة التونسيّة ألفة يوسف، فكتبت رسالة هي أشبه بالنعي على صفحتها، هاجمت فيها الصمت الذي رافق القريّة منذ بدايتها.
وآية ع. ع. طفلة تونسيّة في الرابعة عشرة من عمرها، من عائلة بسيطة تتكوّن من والدَين وثلاثة أطفال. وتشير تفاصيل القضيّة إلى أن والدها أحرقها بعدما رآها عائدة إلى المنزل برفقة زميلها في المدرسة يوم 28 مايو/أيار الماضي في أحد الأحياء الشعبيّة ذات الكثافة السكانيّة الكبيرة على مشارف العاصمة. ولم تتمكن آية، من الصمود طويلاً، فتوفّيت في السابع من يونيو/حزيران متأثرة بحروقها.


هكذا يحكى
وقد انتشرت أخبار تقول إن آية، كانت على خلاف مع والدها، وكانت أحياناً تهدّده بالهروب من المنزل. وفي يوم الحادث، رآها والدها مع زميلها فظنّ للوهلة الأولى أنها ربما خطّطت للهروب معه. فهرع صوبها وضربها بعنف في الشارع أمام الناس، ثم جرّها إلى بناية مهجورة وأضرم فيها النار وتركها وحيدة.


وتقول الرواية إلى أن أحد المارة سمع صراخها، فأسرع إليها لنجدتها وحاول إطفاء النيران من دون أن يفلح. فاتصل بالحماية المدنيّة. حضر عناصرها ونقلوا الفتاة إلى مستشفى الحروق والإصابات البليغة في محافظة بن عروس في ضواحي تونس، في حين قبض رجال الأمن على والدها فاعترف بتفاصيل جريمته. فأودع السجن إلى حين مثوله أمام قاضي التحقيق.
وذكر بعض الجيران أن "الأب القاتل" كان قليل الكلام، ولم يكن يختلط كثيراً بأهالي الحي، كذلك كان يخاف كثيراً على أولاده. وقد تضاربت الأنباء حول سلامة صحته النفسيّة، إذ قال بعض إنه مريض نفسياً بسبب حالة الفقر التي يعيشها مع عائلته. وربما يكون انقطاعه عن الأدوية التي تعوّد على تناولها من بين الأسباب التي تفسّر إقدامه على هذه الجريمة المروّعة. لكن آخرين قالوا، إنه كان إنساناً متزناً وإن عودة ابنته متأخرة يوم الحادثة هي التي أغضبته إلى درجة الإقدام على حرقها.


تحديات الأسرة التونسيّة
وفي حديث إلى "العربي الجديد" قالت رئيسة الرابطة الوطنية للأسرة التونسيّة فضيلة السنوسي، وهي استشاريّة أسريّة وتربويّة، إن "الأسرة التونسيّة تعيش اليوم تهديدات عديدة. ونحن في الرابطة –تضمّ أكثر من مئتَي جمعيّة- تناولنا هذا الموضوع بالذات في لقائنا قبل أيام ورأينا أن الأسرة التونسيّة الآن وفي ظل الوضع الذي تمر به البلاد عموماً، تعاني الكثير من التوترات والتشتّت والعنف المادي والمعنوي، خصوصاً الأطفال".


وأضافت "وإزاء ما عاشته الطفلة آية، ننادي بضرورة التصدّي للعنف الذي يتعرّض له الأطفال والنساء. ونطالب من وزارة المرأة أن تفعّل الشراكة مع المجتمع المدني وأن تفعّل القوانين التي تحمي الأطفال. ولا بدّ من توفير مراكز للإرشاد التربوي والأسري، فمن المعيب ألا يكون في تونس مركز واحد للإرشاد الأسري يمكن أن تلجأ إليه العائلة وقت أزماتها". ولفتت إلى أنه "في ما يخصّ العائلة المتضرّرة، فنحن كجمعيات قريبون من العائلة ومن الوالدة. وسنحاول الإحاطة بها وبشقيقَي آية".

من جهتها، قالت رئيسة جمعيّة "صوتنا" التي تعنى بالطفولة هادية البحيري: إنها ضدّ الحملات الإعلاميّة التشهيريّة التي يمكن أن تضرّ بشقيقَي الضحيّة وبأمها وبعائلتها بشكل عام. وأوضحت أن ما ينبغي تحقيقه هو "عمل تحسيسي في العمق حتى لا تتكرّر مثل هذه الحادثة، ولا ننتج أباً آخر يعنّف طفله بالشكل الذي حصل مع تلك الطفلة المسكينة. وهو عمل يتطلب من الجميع الالتقاء حول مجهود متكامل لوقف العنف في داخل الأسرة وداخل المجتمع ومن بينها المؤسسات التربويّة".


العنف.. أيضاً وأيضاً
أما المندوب العام للطفولة مهيار حمادي، فقال لـ"العربي الجديد" إن "ما حصل يدخل في إطار ظاهرة العنف التي تفشّت في المجتمع التونسي عموماً، بدءاً من النواة الأولى، أي العائلة وصولاً إلى الشارع والمؤسسات التربويّة". ورأى أن "ظاهرة العنف انتشرت في كل المستويات الاجتماعيّة الفقيرة والمتوسطة وغيرها". أضاف حمادي، أنه "وفي ما يتعلق بالحادثة نفسها، فإن المعلومات المتوفّرة -في انتظار تأكيدها قضائياً وأمنياً- والتي نسوقها بكل احتراز، تشير إلى أن الأحداث انطلقت من تهديد الأب ابنته. ثم تطوّرت إلى محاولة إحراقها من دون أن ينوي قتلها. فكما يبدو بالأدلة، هو حاول إطفاء النيران عندما اشتعلت بها وأصيب هو أيضاً بحروق عندما كان يحاول إنقاذها". وتابع "لا أؤكد أن الحادثة جرت في مكان ناءٍ حسب ما تمّ تداوله. لكن المعلومات الأوليّة التي بلغتنا والتي تحتاج إلى التحقّق قضائياً منها، تقول إن العمليّة حدثت في البيت نفسه".


وأوضح حمادي "أن مندوبيّة الطفولة بادرت إلى الاتصال المباشر بالعائلة كما تفعل دائماً حيال أي قضيّة عنف تصلها. ونحن نسعى إلى إحاطة المتضرّرين (شقيقيها في هذه الحالة) من خلال المؤسسات المعنيّة. وثمّة إحاطة متنوّعة بالعائلات المتضرّرة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة على المستوى النفسي للحدّ من الضرر المعنوي قدر الإمكان، لأن مثل هذه الأحداث تترك دائماً أثراً في الأطفال". أضاف "إلى ذلك، ثمّة متابعة من مندوب الطفولة لكل الحالات على كل المستويات بما فيها المستوى الاجتماعي".
وختم "ما تخبره العائلات التي تتعرّض لمثل هذه الأحداث الأليمة، يشبه الانفجار من جراء التبعات النفسيّة العميقة التي تخلفها. لذلك نبذل كل الجهود للحدّ منها بالتعاون مع بقيّة المؤسسات التي تتدخّل لحماية الطفولة والأسرة".