لبنان: حلقة جديدة بمسلسل الملفات الأمنية لحلفاء النظام السوري

11 سبتمبر 2016
حكم على ميشال سماحة 13 عاماً بالأشغال الشاقة(حسين بيضون)
+ الخط -
تتلاحق الأحداث في لبنان لتؤكد يوماً تلو الآخر على تورّط حلفاء النظام السوري وحزب الله بأعمال أمنية مختلفة، منها ما يهدف إلى إحداث فتنة وتوتير الوضع وهزّ الاستقرار، وأخرى يمكن اعتبارها ترهيباً سياسياً بلغة أمنية واضحة، كما هي الحال في عبوة مجدل عنجر (شرقي لبنان)، مطلع الأسبوع الحالي. وأثبتت تحقيقات فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، أخيراً، تورّط أحد مرافقي رئيس حزب التوحيد العربي، حليف النظام السوري وحزب الله، الوزير السابق وئام وهاب، فيها. فما كان من الوزير السابق إلا أن استنفر مقاتليه في بلدته الجاهلية (الشوف، جبل لبنان)، أمنياً، وشنّ هجوماً كلامياً قاسياً على فرع المعلومات، واصفاً قضية التفجير بـ"الولدنة وعبارة فقط عن إصبع ديناميت"، مرفقاً حديثه بشتائم لمسؤولين ولأجهزة أمنية.

كالعادة، لجأ وهاب إلى هذه اللغة الحادة دفاعاً عن الموقوف هاشم أبو دياب، الذي ثبت، وفق التحقيقات وأشرطة كاميرات المراقبة، إقدامه على تفجير سيارة أحد المواطنين قبل أيام، ما أدى إلى تضررها وإصابة ثلاث لاجئات سوريات في البلدة. مع العلم أنّ الاعتداء الذي وقع في مجدل عنجر يأتي في سياق سياسي رداً على تعليق أحد المواطنين للافتة اعتبرها أبو دياب "مهينة" بحق وهاب، بحسب بيان صادر عن حزبه. بالتالي، فإنّ للقضية جانباً سياسياً بامتياز تمّت معالجته بوضع عبوة تحت سيارة.

وتكرّ سبحة حلفاء النظام السوري وحزب الله من ملف إلى آخر. فحبر القرار الاتهامي الصادر عن القضاء اللبناني في قضية تفجيرَي مسجدَي التقوى والسلام (طرابلس، شمالي لبنان، عام 2013)، لم يجف بعد، في اتهام ضابطين من الاستخبارات السورية بالتخطيط والإشراف على عمليتي التفجير اللتين نفذتهما خلية محسوبة على "الحزب العربي الديمقراطي" برئاسة آل عيد، وهو الحزب المحسوب على النظام السوري بشكل مباشر.

كما أنه ثبت، في تفجيري التقوى والسلام، تورّط الشيخ هاشم منقارة، المقرّب من النظام وحليف حزب الله في "جبهة العمل الإسلامي"، التي تضمّ رجال دين مؤيدين لهذا المحور داخل الطائفة السنية. فمنقارة أيضاً، أوقفه القضاء اللبناني للتحقيق معه حول علمه المسبق بتفجيري طرابلس وعدم إبلاغه السلطات عن نوايا الاعتداء. مع العلم أنّ بعض المشايخ المحسوبين على هذا المحور رفضوا التورّط في ملفات مماثلة وابتعدوا عن الأضواء لعدم رغبتهم في الدخول في لعبة إراقة الدماء والعمل على إيقاع الفتنة في البلد.





ولعلّ أبرز مشاريع الفتنة التي كان يتمّ التحضير لها من قبل حلفاء النظام السوري وحزب الله التفجيرات التي كان يعدّ لها مستشار الرئيس السوري، الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، عام 2012، بإشراف من الاستخبارات السورية. حُكم على الأخير، عام 2016، بالسجن 13 عاماً مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية بعد ضبطه بالجرم المشهود، وهو ينقل المتفجرات من سورية إلى لبنان، بالتنسيق مع رئيس مكتب الأمن القومي بالقيادة القطرية لحزب البعث السوري، اللواء علي المملوك. تم توثيق تورّط سماحة بنقل 24 عبوة ناسفة من أحجام مختلفة إلى لبنان بنيّة تنفيذ عمليات اغتيال لسياسيين ورجال دين من مختلف الانتماءات السياسية والطائفية، بالإضافة إلى تفجيرات مختلفة يمكن اللجوء إليها في لحظات سياسية معيّنة.

وإذا كانت التفجيرات مادة رئيسية على جدول أعمال هذا المحور، فإنّ التهديدات والأعمال الأمنية يمكن أن تأخذ شكلاً آخر عند حلفاء النظام السوري وحزب الله، إذ تتجسّد فعلياً في دعم مجموعات عسكرية وتسليحها في مختلف المناطق اللبنانية تحت عنوان "سرايا المقاومة". فهذه الخلايا العسكرية، لجأ حزب الله إلى إنشائها في المناطق التي يفتقد فيها إلى النفوذ الاجتماعي والسياسي بهدف الضغط على خصومه السياسيين.

وخلال أقل من عامين، لجأت مجموعات السرايا إلى منطق الاشتباكات المسلّحة في مناطق مختلفة، أبرزها خلدة (ساحل المتن الجنوبي، جنوبي بيروت)، والسعديات (ساحل الشوف، جنوبي بيروت)، وصيدا وعبرا (جنوبي لبنان)، وسعدنايل (البقاع، شرقي لبنان)، بالإضافة إلى طرابس (شمالي لبنان). وهي مناطق ذات أغلبية سنية عموماً. يخترق الحزب هذه المناطق من خلال هذه المجموعات ويخلق لنفسه نفوذاً ميدانياً وأمنياً ثم سياسياً، إذ تصبح هذه المجموعات سلطة أمر واقع لها الكلمة الفصل في الكثير من التفاصيل المتعلّقة بالحياة اليومية للمواطنين. وقد سطع نجم "سرايا المقاومة" خلال أحداث مايو/ أيار 2008، حين اجتاح الحزب بيروت وبعض المناطق المحيطة بها، وكان لـ"السرايا" دور مهم في هذه العملية الأمنية التي أدّت بغضون ساعات إلى سيطرة حزب الله على العاصمة بالرصاص والنار.

كما أنّ حزب الله يلجأ إلى دعم الأحزاب والتيارات الحليفة له، عسكرياً، بهدف الاعتماد عليها في لحظات مختلفة. ويأتي هذا الدعم لكل الأطراف التي تدور في فلك هذا المحور وبغض النظر عن قدراتها التنظيمية وتأثيرها السياسي الفعلي. فمن خلال هذه المجموعات والأحزاب يمكن ترهيب الخصوم والمواطنين لفرض القرارات السياسية عليهم، على اعتبار أنّ التعطيل السياسي لا يأتي دائماً بالنتائج "المرجوّة".