ضجيج أكثر.. ثقافة أقلّ

07 يناير 2016
أحد جسور قسنطينة (تصوير: جمال غزال)
+ الخط -

مع نهاية السنة، أدركت "عاصمة الثقافة العربية" التي تستضيفها قسنطينة الجزائرية محطّتها الأخيرة. وإن لم يحن أوان تقييم التظاهرة، فإنه لا يمكن إنكار الفتور الذي بات يطبع نشاطاتها التي انطلقت وسط جدل بين المثقّفين واهتمام جماهيري غير معهود. فتورٌ يُرجعه عز الدين ميهوبي الذي حمل الحقيبة الوزارية بعد فترة من انطلاق التظاهرة، إلى "سوء" التغطية الإعلامية.

بدأ الجدل منذ اختيار العاصمة التاريخية للأمازيغ لاستضافة التظاهرة؛ فقد اعتبر نشطاء من الحركة البربرية إقامة احتفالية بعنوان عربي في قسنطينة محاولة للنيل من الأمازيغية، رغم أن المدينة لا تعدّ حالياً من معاقل الثقافة الأمازيغية، إذ لم يبق فيها من آثار الدولة النوميدية إلا ضريح قائدها الأسطوري ماسينيسا موحّد القبائل البربرية.

التضخيم الإعلامي والاستعدادات الكبيرة التي سبقت الافتتاح منتصف نيسان/ أبريل الماضي، أعطت الانطباع بأن المدينة ستكون قبلة زوّار فوق العادة، حيث أطلقت السلطات برنامجاً ضخماً لإعادة ترميم المدينة، فأُعيد تبليط الأرصفة وطلاء واجهات العمارات، وجرى الاستنجاد بشركة صينيّة لبناء قاعة ضخمة، إلى جانب ترميم قصرين للثقافة ومسرح المدينة المصمّم على شاكلة مسارح الأوبرا الإيطالية.

كما جرى تزيين جسور المدينة ومعالمها بأضواء زادت قسنطينة الجاثمة فوق صخرتين سحراً. وبدا لسكان المدينة أن شيئاً ما سيحدث، لأن الآليات التي تشتغل ليل نهار، لا تفعل ذلك عبثاً، وكذلك شأن الوفود الصحافية التي تقتنص المدينة من جميع الزوايا.

عشية حفل الافتتاح اكتشف القسنطينيون المفكّر والإمام عبد الحميد بن باديس "مؤسّس جمعية العلماء المسلمين" الذي يُوصف برائد الحركة الإصلاحية في الجزائر جالساً وسط المدينة، واضعاً يده على صدغه، مستسلماً إلى تفكير عميق، وسرعان ما تحوّل التمثال إلى "مزار" للجماهير.

هذا التوافد تسبّب في زحمة شديدة، لكن المثير في الحكاية أن صور التمثال غزت شبكات التواصل الاجتماعي، ليُثار جدل حول الإساءة إلى صورة بن باديس الذي يعدُّ رمزاً جزائرياً، بعدما نُشرت صور لشبان يناولون "الشيخ" سجائر وقهوة.

وباستثناء حفل الافتتاح وحفل تكريم وردة الجزائرية، وكذا تظاهرة "أيام الفيلم العربي المتوّج"، لم تستقطب عاصمة الثقافة العربية أسماء ثقافية وفنية وازنة.

حتى الآليات التي كانت تستكمل عمليات الترميم والتزيين اختفت تماماً كما لو أنها شعرت بالضجر، كما نزل المرمّمون من شرفات العمارات وأسقف المدينة العربية التي كانت سيئة الحظ في إعادة الاعتبار مقارنة بالمدينة الكولونيالية التي استعادت عماراتها وجهها المشرق.

يعدُ المنظمون باستدراك ما يمكن استدراكه في الأشهر الثلاثة المتبقية من عمر التظاهرة، بعد استكمال إنجاز أعمال سينمائية ومسرحية. لكن، هل تكفي هذه الفترة للاستدراك، وتمكين قسنطينة من استعادة عناوينها الثقافية المفتقدة، هي التي توصف بمدينة العلم والثقافة وتحتضن مجمعاً من أربع جامعات؟


* كاتب جزائري/ قسنطينة



اقرأ أيضاً: قسنطينة: ثقافة معلّقة وجسور مقطوعة

دلالات
المساهمون