فلسطين 2015: ضجيج في ليل طويل

29 ديسمبر 2015
ستيف سابيلا، "يوفوريا"، كولاج فوتوغرافي 150×130 سم
+ الخط -

كغيره من الأعوام، لم يكن 2015 محط توقعات كبيرة أو آمال معقودة على الصعيد الثقافي في فلسطين المحتلة. لا خطط جدية ممأسسة، ولا استهدافات وطنية ترمي إلى الصعود والارتقاء بالحالة الثقافية، إذ لم يتعد ما تم إنجازه هوامش الجهود الفردية، أو جهود بعض مؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بالشأن الثقافي.

وبالتالي لا يتجاوز الحديث عن منجز ثقافي في هذا العام أو ذاك -في ظل غياب رؤية وسياسات ثقافية- حدود الإحصاء والعدّ ضمن المنظومة البدائية في التقييم.

وعلى طريقة العواصم العربية في نماذج التنمية التي تخدم المركز السياسي (العاصمة) فقط، استأثرت "رام الله" بحصة الأسد في كل ما يمت للثقافة بصلة في فلسطين المحتلة، من فعاليات ومسرح وإصدارات كتب، وبقيت المدن الأخرى تسبح في ما يراد لها أن تبقى كأطراف مهمشة لا يصلها إلا فتات، هذا إذا وصل، في حين بقيت غزة ترزح تحت وقع آلام الحرب الأخيرة والحصار وتشديدات منظومة الحكم السياسي هناك.

ولعل اللافت في أحداث العام المنقضي، وتيرة الجدل الصاخب الذي رافق مجموعة من الأحداث، كان على رأسها صدور مرسوم رئاسي يقضي بإقالة مجلس إدارة "مؤسسة محمود درويش" (المعيّن بمرسوم)، واستبداله بمجلس جديد بمرسوم رئاسي آخر، فيما ذلك اعتبر زجًّا للصراعات السياسية الداخلية في الشأن الثقافي. ترافق ذلك كله مع تعيين إيهاب بسيسو وزيرًا للثقافة في "حكومة الوفاق الوطني"، بدلًا من زياد أبو عمرو الذي عُيّن لاحقاً رئيسًا لمجلس إدارة المؤسسة ضمن المرسوم الجديد الذي كان موضع خلاف بين رافض له ولإقالة المجلس القديم باعتباره اعتداء على العمل الثقافي وبين من اعتبر المسألة كلها مراسيم رئاسية، وأن من قبل أن يعين بمرسوم لا ينبغي أن يعترض حين يقال بمرسوم آخر.

بدورها رفضت عائلة الشاعر درويش المراسيم التي أقالت أحد شقيقي الشاعر (أحمد درويش) وعيّنت أخاً آخر (زكي درويش). كل ذلك، يضع الوزير الجديد أمام تحديات كبيرة لا تقف عند حدود أزمة مؤسسة محمود درويش فقط، بل وتتعداها إلى أزمة مؤسسات ثقافية أخرى وأساساً أمام هامشية وزارة الثقافة وحقيقة أن كل ذلك يجري تحت الاحتلال.

جاء ذلك كلّه في لم يهدأ غضب الساحة الثقافية حول مآلات قضية الشاعر الفلسطيني أشرف فيّاض الذي حكم عليه بالإعدام في السعودية على خلفية مقاطع من ديوانه "التعليمات بالداخل" (2008)، ففي الوقت الذي استنكر فيه مثقفون فلسطينيون وعرب الحكم الصادر بحق الشاعر، طالب آخرون القيادة السياسية بالتدخل العاجل من أجل الإفراج عنه. ورغم كل ما سبق، ما زال الشاعر والفنان الشاب وراء القضبان حتى هذه اللحظة.

وإلى جانب أزمة المؤسسات الثقافية الرسمية، لا تبدو المؤسسات الثقافية الأخرى أفضل حالًا، ففي القدس، يتهدد "مسرح الحكواتي" والذي يسمى أيضاً "المسرح الوطني الفلسطيني"، أحد المؤسسات الثقافية القليلة المتبقية في العاصمة المحتلة، خطر الإغلاق بعد أن وجّهت المحاكم الإسرائيلية تهديداتها بإغلاقه بداعي عدم تسديد الضرائب. وهي أزمة قديمة جديدة تضاف إلى مشاكل إدارية مزمنة يشهدها "الحكواتي" منذ سنوات. وفي رام الله تعرض "مسرح وسينماتيك القصبة" لأزمة مالية وصراع بين موظفيه وصاحبه جورج إبراهيم أدت إلى إعلان الموظفين هناك إضرابًا عن العمل لمدة جاوزت الأسبوعين في حين رجحت مصادر مقربة إلى إمكانية تفاقم المشكلة في حال لم تسعفه دفعات جديدة من أموال الداعمين.

وعلى صعيد مشروع "متحف فلسطين"، وللمرة الثالثة على التوالي يتم تأجيل الإعلان عن موعد الافتتاح الذي كان مقرراً مطلع العام الحالي الى أيار/مايو من عام 2016، ترافق ذلك مع قرار مجلس إدارة المتحف بإقالة مديره جاك برسكيان على خلفية مشاكل إدارية ومالية، مبقياً المتحف حتى هذه اللحظة تحت إشراف مباشرة من مجلس إدارته. وإن كان مشروع المتحف قد لاقى ترحيباً إلا أنه لاقى أيضاً انتقادات تخص سياساته المتحفية وسرديته التاريخية التي يقدمها.

وإذا كان السؤال ملحًا عن دور المؤسسة الرسمية وخطواتها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ما يحصل على صعيد القضايا والمؤسسات الثقافية، أو بالحد الأدنى اندفاعها من أجل تحشيد الجهود وتكثيفها للحد من تفاقم الأوضاع والعمل على تصويبها؛ إلا أن الواقع لا يبشر كثيراً.

وفي أجواء مثل هذه، واصلت مجموعة من الصالونات الأدبية والثقافية عقد أمسياتها الثقافية بهدف نقاش المنتجات الأدبية الصادرة في الفترة الأخيرة، أبرزها منتدى الرعاة الثقافي ومتحف محمود درويش ومركز خليل السكاكيني بشكل يترافق مع صدور مجموعة من دواوين وروايات على الساحة الفلسطينية لكتاب وشعراء وروائيين من مختلف المناطق، من بينها مجموعات "أندم كل مرة" لوليد الشيخ و"كما ولدتني اللدية" لأسماء عزايزة، "فوق عنق الغزال" لعامر بدران، وعلى صعيد القصة كانت مجموعة "نكات المسلحين" لمازن معروف و"خطأ النادل" لزياد خداش. روائياً، صدرت مجموعة من الروايات منها:

"هاتف عمومي" لعباد يحيى، كما فازت "مجانين بيت لحم" لأسامة العيسة بجائزة الشيخ زايد "للآداب"، ووصلت "حياة معلقة" لعاطف أبو سيف إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية. لم تعقد فلسطين نسختها من "معرض الكتاب الدولي" لعام 2015، في حين ما زالت دور النشر الفلسطينية تعاني من مشكلة التوزيع خارج حدود الوطن، الأمر الذي دفع الكثير من كتّابها إلى التعاقد مع دور نشر من الأردن ومصر ولبنان من أجل ضمان وصول هذه الكتب إلى القارئ العربي وتحقيق فرص أفضل في الجوائز الأدبية العربية.

وفي غزة واصلت الحياة الثقافية اختناقها بظروف الحصار ومحاولاتها للتنفس، هذا العام صدر عدد خامس من مجلة 28 الفصلية الثقافية بجهود شبابية، وأقام صالون 28 الثقافي عدة لقاءات وندوات، ومن بين الإصدارات القليلة الصادرة في غزة هذا العام "غزة اليتيمة" لمحمود جودة، و"للموت رائحة الزجاج" لحسام معروف.

أما في فلسطين المحتلة عام 1948 فقد شهد هذا العام افتتاح "مسرح خشبة" في حيفا بمبادرة مجموعة من المسرحيين الشباب، الذين يقدمون إلى جانب برنامجهم المسرحي حيزاً للفعاليات الثقافية والفنية. كما تواصل "جمعية الثقافة العربية" العمل على تأهيل "المركز الثقافي العربي" والذي يُتوقع أن يكون أكبر مركز ثقافي عربي مستقل من نوعه في فلسطين الـ48. موسيقياً، بدا العام أكثر هدوءاً مما سبقه، وأثرت الهبة الشعبية على مجريات النشاط الموسيقي والثقافي إلى حد ما، فمن بين العروض الموسيقية التي ألغيت جولة لعازف الكلارنيت محمد نجم كان سيقدم فيها عملاً جديداً يتوقع أن يصدر في 2016.

ولعل الكأس المعللّة هذه السنة من حصة الفنون البصرية من حيث عدد المعارض ومستواها المتقدّم. وقد استأثرت أرض اللجوء والشتات الفلسطيني بالنصيب الأكبر منها: "وكان النور" لكمال بُلاطه، و"حب بجودة منخفضة" لهاني زعرب و"طبقات" لستيف سابيلا وثلاثتها أقيمت في "غاليري بيرلوني" في لندن. وفي رام الله قدّم بشار الحروب معرضه "شاشة صامتة" ومحمد السمهوري "غزة تصعد إلى السماء". إلى جانب معرض أخرى مختلفة لمجموعة من الأسماء الأخرى أقيمت في الداخل والخارج.

سينمائياً، انحصر النشاط السينمائي بأحداث محدودة أهمها تنظيم الدورة الثالثة من "مهرجان سينما الشباب" بمشاركة 35 فيلماً محلياً وعربياً وأجنبياً عرض في أكثر من عشرة مواقع في أنحاء الوطن، وفعاليات "أيام سينمائية" والتي استهلت فعالياتها بعرض فيلم مصور من غزة.

يمكن الإيجاز في معرض ذلك كله، بأن ثمة حركة تجرجر نفسها بقوة دفعها الذاتية دون رؤية أو رعاية مؤسسية. في حين ما زالت الحالة الثقافية الراهنة تطمح إلى ما هو أعلى من الدعم والتوجيه والتكثيف، بل من خلال سياق منظومة تكون قادرة على صناعة الفعل الثقافي الحقيقي وفق متطلبات الحالة الفلسطينية الخاصة.


اقرأ أيضاً: جائزة أشرف فيّاض

المساهمون