دول التحالف الصهيوعربي..

دول التحالف الصهيوعربي..

04 اغسطس 2014

فتاة يمنية في مسيرة تضامن مع غزّة بصنعاء (يوليو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

لم تعد بعض الأنظمة العربية تتحرّج من إعلان عدائها الصريح لكل بوادر التحرّر في المنطقة، ومناصبتها العداء لثورات الربيع العربي، بالتآمر الخفيّ حيناً، والمُعلن أحياناً أخرى، غير أن الإضافة الجديدة التي حصلت، أخيراً، على يد أنظمةٍ عربيةٍ معينة، تمثّلت في إعلانها العداء للمقاومة الفلسطينية، وانحيازها بشكل سافر للكيان الصهيوني.
وإذا كانت بعض هذه الدول قد بدت منها البغضاء للكفاح الفلسطيني منذ زمن، ونذكر، في هذا السياق، رفض السعودية والإمارات ومصر (حسني مبارك) حضور قمة غزة الطارئة (16 يناير/ كانون الثاني 2009) في الدوحة، فإنها، في ذلك الحين، تعلّلت بأسبابٍ واهية، من قبيل أن القمة لن تستوفي شروطها، وستؤثر سلباً على قمة الكويت الاقتصادية التي انعقدت، لاحقاً، غير أن الحقيقة كانت غير ذلك، باعتبار أن ما يجري، في هذه الأيام، كشف طبيعة الحلف الصهيوعربي الذي انعقدت رايته بين كيان الاحتلال وأنظمة محددة في المنطقة، وهو حلف غير مقدس، يمكن تلمّسه في ممارسات ومواقف تصبّ في خانة خدمة الكيان الصهيوني:
أولها تحميل حركة حماس مسؤولية ما جرى، والادعاء بأن اندلاع القتال لم يكن إلا نتيجة لما سمّاه رئيس الاستخبارات السعودية السابق، تركي الفيصل، لامبالاة حركة حماس، ويرى أن هذه الحركة "تتحمّل تبعات ما يحدث في غزة من مجازر، نتيجة تكرارها أخطاء الماضي وغطرستها، عبر إرسالها الصواريخ عديمة الأثر إلى إسرائيل" (صحيفة الشرق الأوسط في 26 يوليو/ تموز 2014)، وهو الموقف نفسه الذي يستند إليه النظام الانقلابي في مصر، في إصراره على عدم التعامل مع المقاومة، ومحاولة تقزيم حضورها السياسي في المشهد.
وثانياً، حرصت دول الحلف الصهيوعربي على إفشال كل مبادرةٍ يمكن أن تساهم في وقف العدوان على غزة، والإصرار على دعم الورقة المصرية الخاوية التي تضمنت تحقيق المطالب الصهيونية، وفرض استسلام غير مشروط على المقاومة، مع استمرار مناكفة البلدان التي تحاول تقديم الدعم لأهالي غزة، وخصوصاً قطر وتركيا.
ثالثاً، ساهمت دول الحلف الصهيوعربي في شن حملةٍ إعلاميةٍ ضد المقاومة الفلسطينية، والحرص على شيطنتها، وإفقادها أي سند شعبي، وهي تنطلق، في هذا، من قراءة متطابقةٍ تماماً مع الموقف الصهيوني، حيث حرصت الإمبراطوريات الإعلامية، الموالية لأنظمة دول الحلف المذكور، أن تفرغ الصراع العربي ـ الصهيوني من محتواه، أعني من جهة كونه مقاومةً غايتها التحرير، لتصبح، في نظر أبواقها الإعلامية، حرباً ضد الإرهاب، وهو أمر يجد مصداقاً له في كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما جعلها تتركز حول الإرهاب، ويتغاضى عن جوهرية الصراع العربي ـ الصهيوني، ليؤكد أن ما سمّاه "العنف الإسرائيلي" سيساهم في خلق "جيل يؤمن بالعنف بدل السلام" (هكذا).


وتنطلق دول التحالف الصهيوعربي في مواقفها من خلفياتٍ يمكن اختصارها في ما يلي:
ـ فوبيا الإسلام السياسي المسيطرة على أنظمة هذه الدول، والتي جعلتها تسخّر كل إمكاناتها من أجل إطاحة أي تيار سياسي إسلامي يمكن أن يتصدّر المشهد، ويحاول قيادة المرحلة، سواء في دول الربيع العربي، أو في المقاومة الفلسطينية. ولا يستند هذا العداء إلى خلفية إيديولوجية، بقدر ما يجد تبريره في استراتيجيا عامة، تنتهجها هذه الدول الثلاث، وتتمثّل في معاداة كل قوة تحررية في المنطقة، مهما كانت. ما يعني أن المستهدف لم يكن الإسلام السياسي في ذاته، بقدر تدمير دوره في حركة التحرر العربي، وإن أي تيار سيلعب مستقبلاً الدور الذي يلعبه الإسلاميون اليوم، سيتعرّض للحرب نفسها من هذه الأنظمة المهترئة.
ـ الرغبة في منع قوى صاعدة من لعب أي دور مركزي في المنطقة، ونعني، هنا، تحديداً، الدورين التركي والقطري. وعلى الرغم من أن كليهما يتحرك في إطار الممكنات التي تتيحها العلاقات السياسية، المتشابكة مع الدول الكبرى، فإنها استطاعت أن تثير انزعاج أنظمة دول التحالف الصهيوعربي، من جهة احتضانها قيادات المقاومة، ومنحها هامشاً للحركة، والتواصل السياسي والدبلوماسي مع العالم الخارجي. ومن جهة أخرى، من حيث سعيها إلى التوسّط دبلوماسياً لوقف العدوان، وحرصها على تحقيق مكاسب سياسية وميدانية للمقاومة، مستفيدةً، في ذلك، من الثقة التي تمنحها إياها فصائل الجهاد الفلسطيني، وهو ما يشير إليه بوضوح تركي بن عبد العزيز، عندما يقول: "إن تماهي حماس مع الموقفين التركي والقطري هو، أيضاً، سوء تقدير آخر. فقيادات هذين البلدين تبدي اهتماماً أكبر للكيفية التي يمكن أن تُحرم بها مصر من دورها القيادي الشرعي، بدلاً من منع نتنياهو من إنزال الموت والدمار على أهل غزة".
أصبح مشروعاً السؤال عن طبيعة الحرب الحالية، هل هي عدوان بالوكالة، يقوم به الجيش الصهيوني في إطار خدمات متبادلة مع أنظمةٍ لم تعد تخفي تعاونها المعلن مع الاحتلال، بل ورغبتها الواضحة في إطاحة أيّ نَفَسٍ تحرّري ومقاوم؟
                                                                             

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.